ديون البطاقات الائتمانية أزمة مالية قادمة .. وأزمة دبي توسع في الاقتراض وتعثر في السداد

ديون البطاقات الائتمانية أزمة مالية قادمة .. وأزمة دبي توسع في الاقتراض وتعثر في السداد
ديون البطاقات الائتمانية أزمة مالية قادمة .. وأزمة دبي توسع في الاقتراض وتعثر في السداد
ديون البطاقات الائتمانية أزمة مالية قادمة .. وأزمة دبي توسع في الاقتراض وتعثر في السداد

عمل الدكتور عبد الله المعجل مديرا للرقابة الشرعية في مصرف الراجحي وكان مسؤولا عن الجانب الشرعي في مصرف الراجحي في ماليزيا فترة تأسيسه، استطاع من خلالها الاطلاع على التجربة الماليزية أيضا، إضافة إلى كونه متخصصا في الاقتصاد وأحد أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة الإمام.
وكان محور الحوار حول أزمة دبي ومدى تأثر المصرفية الإسلامية بها، خاصة أن هناك من حاول الربط بين أزمة صكوك "نخيل" والمصرفية الإسلامية بشكل عام, على أنها ليست بعيدة من التأثر, فكانت إجابة الدكتور المعجل "بالنسبة لأزمة دبي فهي توسع في الاقتراض وتعثر في السداد يشمل ما كان بتمويل إسلامي أو بتمويل تقليدي، والكثير كان يتوقع حدوثه نظرا لكون محل التمويل (التوسع العقاري) لم يكن وفقا لاحتياجات مدروسة ذات جدوى اقتصادية واضحة، ولولا قوة الضمانات المقدمة والسمعة الاقتصادية العالية لدولة الإمارات لما حظيت تلك المشاريع بما حظيت به من تمويلات عالمية.. فإلى تفاصيل الحوار:

طرحت أزمة دبي الأخيرة تساؤلات كبيرة حول الصكوك الإسلامية وحول المصرفية الإسلامية والحديث عن عدم تأثرها بتداعيات الأزمة العالمية .. كيف تأثرت المصرفية, ولماذا؟
- التساؤل مشروع، لكن لم يقل أحدُ إن المصرفية الإسلامية بمنأى عن أن تتعرض لأزمات، بل كان الحديث منصبا حقيقة على أن أثر الأزمة المالية العالمية سيكون ضعيفا على المصرفية الإسلامية, كون معظم أسباب الأزمة نابع من تعاملات لا تقرها الشريعة الإسلامية وهي غير مطبقة في المؤسسات المالية الإسلامية. أما المؤسسات المالية الإسلامية التي اجتهدت في تبني صيغ تمويلية لها أثر التقليدية نفسه - وهي محل خلاف قوي بين فقهاء التمويل الإسلامي - فربما كانت من المتأثرين بتبعات الأزمة بحسب حجم تلك الصيغ من إجمالي عملياتها التمويلية. أما بالنسبة لأزمة دبي فهي بالمختصر المفيد توسع في الاقتراض وتعثر في السداد يشمل ما كان بتمويل إسلامي أو بتمويل تقليدي، والكثير كان يتوقع حدوثه, نظرا لكون محل التمويل (التوسع العقاري) لم يكن وفقا لاحتياجات مدروسة ذات جدوى اقتصادية واضحة، ولولا قوة الضمانات المقدمة والسمعة الاقتصادية العالية لدولة الإمارات لما حظيت تلك المشاريع بما حظيت به من تمويلات عالمية.
إنه لمن المناسب هنا التأكيد على أهمية بناء التمويل الإسلامي على أسس شرعية سليمة متفق عليها بعيدا عن الآراء المرجوحة, حفظا لأموال المستثمرين وصيانة لسمعة التمويل الإسلامي، وكفانا سعيا محموما لمنافسة التمويل التقليدي الغارق في الضمانات الخادعة التي لا تشكل سوى قشة لا تعين الغريق عند حدوث الأزمات.
التمويل الإسلامي قائم على قواعد متينة, منها قاعدة الغنم بالغرم, والمستثمر مطلوب منه أن يتحرى الاستثمارات ذات الجدوى الاقتصادية التي تحقق له بإذن الله عائدا مجزيا، لا أن يعتمد على الضمانات المتعلقة بالعائد وبرأس المال التي هي موضع الإشكال في كثير من الصكوك الإسلامية. وعليه فإنه لا غرابة أن تتعثر تلك الصكوك كما تتعثر السندات التقليدية لأن الأمر مرتبط بالقوة الائتمانية لمصدرها والتصنيف الائتماني لها الذي يراعي الضمانات أكثر مما يراعي جدوى الاستثمارت التي أصدرت من أجلها الصكوك أو درجة التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية.

لكن الأزمة أكدت وجود صكوك متعثرة وأن بنوكا إسلامية قد تكون عرضة للانكشاف, وأن هناك عمليات تخارج مبكرة تجري الآن قبل موعد الاستحقاق, وأن عديدا من الشركات بدأت مرحلة إعادة النظر في تعاملاتها عبر إعادة الهيكلة أو الجدولة؟
- مرة أخرى أؤكد أن الصكوك الإسلامية في كثير من هياكلها مبنية على اجتهادات مرجوحة وتخالف الصيغ التمويلية الشرعية المعتبرة, إذ إنها تحاكي السندات التقليدية فيما يتعلق بضمان رأس المال, من حيث التعهد بشراء الأصول عند انتهاء مدة الصكوك بسعرها الأصلي وهو ما يعني ضمانا لرأس المال، كما أن التعهد بتوزيع عوائد محددة بغض النظر عن المتحقق الفعلي يجعل التشابه بينها وبين السندات التقليدية كبيرا فيما يتعلق بالنتائج - أي من حيث اهتمام المستثمر بضمان رأس ماله وعائد محدد, وهذا ما يجعله - أي المستثمر - يعنى بهذه الضمانات أكثر من عنايته بجدوى الاستثمار الذي أصدرت الصكوك من أجل تمويله. وهنا مكمن الخلل إذ إن هذه الطريقة تشجع على تمويل المشاريع ذات الضمانات أكثر من المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية, والمحصلة في النهاية عند التعثر حدوث الأزمات.
أنا أزعم أن الشروط الواجب توافرها في الصكوك المصدرة التي تجعل حملة الصكوك شركاء في الغنم والغرم ويتعرضون للمخاطرة مثلما يتعرض المتمول ستؤدي في النهاية إلى الحرص على تبني مشاريع استثمارية ذات إضافة حقيقية وذات مردود اقتصادي كبير يحد من التقلبات والتعثرات. ومع هذا فإن الأزمات الاقتصادية أمر طبيعي والاقتصاد الإسلامي يتعرض لها مثل غيره والشواهد والنصوص تدل على ذلك، لكن حدة تلك التقلبات ومعدلات حدوثها في اقتصاد إسلامي أقل بكثير من تلك التي يشهدها الاقتصاد الوضعي, نظرا للمبادئ والضوابط المتعددة التي تضعها الشريعة الإسلامية للمعاملات الاقتصادية من مثل تحريم الربا والغرر والجهالة والغش, والمشاركة في الربح والخسارة, إضافة إلى الجانب التعبدي في النشاط الاقتصادي لدى المسلم.

روبرت مايكل، مؤسس شركة Robert E. Michael & Associates للمحاماة، حذر سابقا من أن التوجه لزيادة رقعة الأصول ما هو إلا مخالفة صريحة لإرشادات هيئة المحاسبة. هل فعلا هناك صكوك كانت مخالفة في طريقة عملها إرشادات هيئة المحاسبة؟
- أما كون أن هناك صكوكا تخالف معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية فهذا مما لا شك فيه, وخير دليل على ذلك تصريحات الشيخ محمد تقي العثماني بشأنها وما تلا تلك التصريحات من ضجة وخاصة من مصدري الصكوك والمستثمرين فيها خوفا من الآثار السلبية في سوق تلك الصكوك من جراء تصريحات الشيخ، ورغم أن البعض اعتبرها رأيا خاصا بالشيخ, إلا أنها في الحقيقة تعكس الضوابط الشرعية للهيئة.
الصكوك متفاوتة فيما بينها من حيث درجة التزامها بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة، وكثير منها سليم من حيث الهيكلة التي بني عليها، لكن الأغلب الأعم منها يعاني إشكالية بعض الشروط المتضمنة في العقود وآلية الاسترداد والعائد الموزع على حملة الصكوك الذي يخالف تلك المعايير.
لئن كان من المقبول فيما مضى عدم تدقيق الهيئات الشرعية في اتفاقيات وعقود الصكوك والاكتفاء بمراجعة الهياكل والتأكد من توافقها مع الضوابط الشرعية, سعيا لدعم صناعة الصكوك الإسلامية وإحلالها محل التقليدية، فإن الواقع اليوم يفرض مزيدا من التدقيق والرقابة على إصدار تلك الصكوك وإجراءت تداولها وتصفيتها وغير ذلك من قبل الهيئات الشرعية, حماية لسمعة التمويل الإسلامي عموما وصناعة الصكوك الإسلامية خصوصا وتعزيزا لمكانتها في أسواق التمويل.
#2#
الخبير المالي خالد هولدار من قسم الاستثمار في وكالة موديز للتصنيف الائتماني أكد "إنها أزمة غير اعتيادية، إلا أنها أول أزمة تعصف بصناعة الصكوك (السندات الإسلامية) التي لا تزال في مراحل بدائية"،هل هي أزمة؟ وماذا عن تأثر السوق السعودي بها؟
- وصفها بالأزمة حاليا غير دقيق لأنها ما زالت تحت السيطرة ولم يتبين لها تداعيات بعد, لا على مستوى اقتصاد دبي ولا على مستوى الاقتصاد الإماراتي، لكن الكل يترقب ويحذر أن يكون هناك جبل جليد آخذ في الذوبان.
شخصيا أعتقد أن دولة الإمارات العربية المتحدة قادرة على تجاوز المشكلة ولديها القدرة على الانطلاق من جديد, لكنها بحاجة إلى إعادة تقويم التجربة واستلهام الدروس منها والتركيز على الاستثمارات التي تتمتع فيها بمزايا نسبية، ولعلها كبوة جواد يتعافى بعدها اقتصاد دبي بإذن الله.
أما تأثر الاقتصاد السعودي بها فالأمر مرهون بحجم الاستثمارات السعودية هناك, ومعلوم أن كثيرا من المستثمرين الأفراد كانوا من أوائل من استثمر في إمارة دبي لكن كثيرا منهم صفى استثماراته قبل مدة من الزمن. وإذا كان الاقتصاد السعودي لم يتأثر كثيرا بالأزمة المالية في أمريكا رغم أن حجم الاستثمارات هناك أكبر بكثير من الاستثمارات في دبي، فمن غير المؤكد أن يتأثر الاقتصاد السعودي سلبيا بها.
والحقيقة أن هناك حديثا عن تأثر إيجابي على الاقتصاد السعودي من الوضع في دبي من حيث تحول الاستثمارت إلى السوق السعودية، لكني أعتقد أن المسؤولين عن الاقتصاد السعودي سيكونون حريصين جدا على أن تستثمر تلك الأموال في أوعية استثمارية ذات قيمة مضافة للاقتصاد بعيدا عن تكرار الأخطاء التي وقعت في دبي, سواء من حيث التوسع غير المدروس في القطاع العقاري أو المضاربات عليها, أو من حيث التوسع في إصدار الصكوك الإسلامية غير المنضبطة بالضوابط الشرعية المعتبرة الصادرة عن مؤسسات الفتوى الشرعية الجماعية.

أكد محمد صفري شاه الحميد الرئيس التنفيذي لبنك الأمانة الماليزي للاستثمار "السعودية ستقود الموجة المقبلة فيما يتعلق بالتمويل الإسلامي في الخليج", كما أن بعض الخبراء أشاروا إلى احتمالية انتعاش قوي ستشهده السوق السعودية بعد أزمة دبي؟ هل السوق السعودية مكان ملائم وبيئة مناسبة لذلك؟
- أما عن البيئة الاستثمارية في السعودية فهي ولا شك في تحسن مستمر ويمكن أن توصف بأنها جاذبة إلى حد كبير للاستثمارات الأجنبية وقبل هذا المحلية المهاجرة. لكن التمويل الإسلامي في السعودية بالذات (عدا ما تقدمه المصارف الإسلامية) لا يزال في بداياته ويحتاج إلى مزيد من التشريعات والتنظيمات وعمليات الرقابة، ولا توجد سوق منظمة ومستقلة للتمويل الإسلامي, بل يتعامل معه في ضوء التعامل مع أنواع التمويل الأخرى.
وأجدها فرصة لدعوة المسؤولين لدراسة الفرص المتاحة في التمويل الإسلامي والسعي لجعل السوق السعودية مركزا عالميا لهذا النوع من التمويل, خاصة أن المملكة العربية السعودية تملك من المقومات والمؤهلات والقبول العالمي ما يجعلها مؤهلة لقيادة العالم في هذا الشأن.

بعد الأزمة مباشرة عديد من الخبراء وفي المؤتمر السادس عشر للمصارف الإسلامية قالوا إن الأزمة الحقيقية هي التي لم تأت بعد, وإن أخطر ما في أزمة دبي هو أن تكون مقدمة لأزمة مالية جديدة تتمثل في انفجار فقاعة الديون السيادية؟
- الربا دمار وخراب وصاحبه متوعد من الخالق سبحانه وتعالى - نسأل الله العافية والسلامة - وليس بخاف على أحد حجم السندات الربوية على مستوى العالم التي تمثل الديون السيادية للدول المقترضة وبالمقابل الفوائض المالية المستثمرة من قبل الدول المقرضة.
الدين الأمريكي وحده (يمقدر بأكثر من 12 ألف مليار دولار) كاف وحده لأن يجر العالم إلى أزمات الله أعلم بنتائجها، ورغم أن الكثير يستبعد أن تتعثر أمريكا في سداد ديونها إلا أن كل شيء محتمل، ويكفي دائنو أمريكا هما وغما ما حل بمديونياتهم من انخفاض في قيمتها جراء انخفاض قيمة الدولار.
نعم الديون السيادية مصدر خطر كبير على الاقتصاد العالمي، لكن الكارثة لن تستثني أحدا, ولذا فإنه من غير المرجح أن تتوانى دول العالم وخاصة الكبرى منها في السعي لدرء هذا الخطر بكل ما أوتيت من قوة.
لكن الأقرب للحدوث, والذي ربما يشكل أزمة مالية جديدة, هي ديون البطاقات الائتمانية, التي شكلت وسيلة للاقتراض لكثير من المستهلكين خلال السنين الماضية, والتي تزايدت أحجام مبالغها مع تزايد إنفاق حامليها, إضافة إلى التأخر في السداد ومن ثم تزايد حجم الفوائد المترتبة على هذا التأخر.

طرحت الأزمة شكوكا في إصدار الصكوك، هل ستتأثر ثقة المستثمرين بالصكوك المتوافقة مع الشريعة, خصوصا أن شركة نخيل طالبت بتعليق التداول على صكوكها التي أصدرتها؟ والشركة العقارية الإماراتية طلبت التدخل بممارسة حقها في إيقاف ثلاثة صكوك إسلامية مدرجة في بورصة ناسداك دبي؟
- من المؤكد أن المستثمرين سيكونون أكثر حذرا في المستقبل من الإصدارات الجديدة من الصكوك خوفا من تكرار ما حدث في دبي. لكن ازدياد الوعي بالتمويل الإسلامي مع استمرار الحاجة إلى التمويل سيقودان إلى تبني صيغ تمويلية إسلامية أكثر انضباطا بالشروط الشرعية، ورب ضارة نافعة، فلعل هذه الأزمة تقود إلى مزيد من التنافس بين مصدري الصكوك في اجتذاب المستثمرين ومن ثم السعي مستقبلا إلى إصدار صكوك أكثر توافقا مع الضوابط الشرعية.

تساؤلات كثيرة حول مدى تأثر حملة الصكوك بالمخاطر المرتبطة بالأصول التي يمتلكونها، خاصة مع شيوع ما يسمى بعمليات البيوع غير الطبيعية لسهم صكوك "نخيل"، كنوعية جديدة في منهجية صناديق التحوط ''التقليدية''، التي بدأت في تخصيص نسبة قليلة من محفظتها لاقتناص بعض الأدوات الإسلامية.
- من الطبيعي في ظل الخوف وعمليات البيع أن تتأثر أسعار الصكوك في السوق ومن ثم يتأثر حملة الصكوك المضاربون, أما المستثمرون منهم الساعون للاستفادة من عوائدها فإن مخاطر الصكوك مرتبطة بالمخاطر المحيطة بالأصول التي تمثلها تلك الصكوك بافتراض عدم وجود ضمانات لاستردادها بسعر إصدارها, وكذا عدم تقلب أسعار تلك الصكوك سلبيا.

تشير التقارير إلى توقع طرح صكوك بقيمة 31 بليون دولار عام 2010، بينما هناك من يثير شكوكا حول حول التمويل الإسلامي وتأثره بالأزمات؟
- السوق إيحابي ولا يجامل أحدا والمنافسة على أشدها، والشكوك ليست حكرا على التمويل الإسلامي بل هي عامة نظرا للظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي وحالة عدم التيقن التي يواجهها المتعاملون في الأسواق المالية. وأعتقد أنه رغم كل الشكوك فإن عجلة الاقتصاد لن تتوقف وستستمر التمويلات, وحظوظ التمويل الإسلامي أكبر من غيرها لأسباب كثيرة, لعل من أهمها ازدياد الوعي لدى الممولين والمستثمرين المسلمين بالطرق الشرعية للتمويل, وكذلك الاهتمام العالمي بالتمويل الإسلامي الذي من المتوقع أن يزداد خلال العام المقبل رغم ما يكتنف ذلك من صعوبات ويقف أمامه من معوقات، لكن لعل هذا الاهتمام يساعد ويسهم في تطوير النواحي الفنية المرتبطة بالتمويل الإسلامي. مرة أخرى، التمويل الإسلامي ليس محصنا ضد الأزمات، لكن المتوقع أن يكون أقل مخاطر وتقلبات من التمويل التقليدي وأكثر التزاما أخلاقيا وتحقيقا للعدالة منه.
#3#
أحد الكتاب قال متهكما على صناع المصرفية الإسلامية " فليشرحوا لنا الآن كيف يمكن أن ينقذ "التمويل الإسلامي" أمريكا، وقد فشل في عقر دار المسلمين، ونتجت عنه كارثة مالية سيذكرها التاريخ؟" .. ما ردكم؟
- ليس لمثل هذا الشخص يكون الشرح ولا الرد ولا أقول له إلا "سلاما".

كنت مديرا للرقابة الشرعية في أحد المصارف الإسلامية السعودية، واطلعت عن قرب على التجربة الماليزية، وتحمل الدكتوراه في الاقتصاد، ألا ترى أن تجربة المصارف الإسلامية ما زالت في أوجها، من الناحية التطبيقية والتنفيذية، وهل أتيح لها المجال للعمل بكامل طاقتها وإمكاناتها؟
- تجربة المصارف الإسلامية في تطور مستمر ولما ترقى بعد للمأمول منها، وفي ظني أنه حان الوقت لتكاتف الجهود بين الدولة والقطاع المصرفي الخاص لإرساء قواعد متينة للعمل المصرفي الإسلامي. المصرفية الإسلامية بحاجة إلى جهود أطراف متعددة كي تتطور وتنافس, ويشمل ذلك الشرعيين والمصرفيين والمشرعين والقانونيين والأقسام المتخصصة وغيرهم ممن تقوم على جهودهم المصرفية الإسلامية الصحيحة.
اليوم لم تعد المصرفية الإسلامية مقتصرة على تمويل الأفراد عن طريق منتجات بسيطة، بل تطورت لتكون مصدرا لتمويل الدول والشركات, ويستلزم ذلك تطورا في الصيغ التمويلية والمنتجات المقدمة، وإن الاستمرار في تقديم منتجات ترقيعية اقتضته ظروف مرحلية يجب تجاوزه وتبني بدائل أكثر نضجا وقبولا شرعيا.
التجربة الماليزية ثرية وكذا تجربة الدول الخليجية لكن يكتنف كل منهما القصور وربما بعض الخلل, ومن ثم فإن تبادل الخبرات وتوسيع أفق التعاون في هذا الشأن على المستوى الرسمي وعلى مستوى القطاع الخاص ضرورة يفرضها حجم الآمال المعقودة على المصرفية الإسلامية في تقديم بدائل مستنيرة بتعاليم الوحيين الكتاب والسنة التي أنزلت رحمة للعالمين.

يؤكد الخبراء الماليزيون أنه على الرغم من قوة المصرفية الإسلامية في دول الخليج، إلا أن البنوك الإسلامية فيها ما زالت تفتقر إلى كثير من الآليات والدراسات، وأنها لا تنشط في توفير كافة متطلبات المستثمرين كي تصبح مؤهله لقيادة العمل المصرفي الإسلامي؟
- الحقيقة أن المصرفية الإسلامية ما زالت تنقصها الخبرة الكافية والكوادر المؤهلة في هذا المجال, اللتان تمكنانها من خوض غمار المنافسة مع المصرفية التقليدية, ولعل البعد الزمني الطويل للممارسة المصرفية التقليدية هيأ لها أسباب المنافسة القوية، لكن المصرفية الإسلامية، والحق يقال, أخذت في التطور بشكل كبير وسريع, ولا يمكن القول إن قيادة العمل المصرفي الإسلامي مستحق لرقعة جغرافية دون أخرى, فالجميع لا يزال في مراحل التعلم والتطور والاستفادة من خبرات الآخرين.
وأعتقد أن السؤال المشروع ليس "من سيقود المصرفية الإسلامية؟" وإنما "ما واجبنا كعاملين وكمؤسسات في قطاع المصرفية الإسلامية هنا وهناك نحو تطوير هذه الصناعة والعمل على أن تتبوأ المكان اللائق بها في صناعة المصرفية العالمية؟".
المنافسة الإيجابية محمودة والسعي لتطوير الذات أمر مطلوب، لكن يجب الاعتراف بأن إمكانات المصرفية الإسلامية في ماليزيا وفي الخليج وفي أي مكان آخر ما زالت قاصرة عن منافسة المصرفية التقليدية بمراحل كبيرة، ولذا فالمأمول أن تتضافر الجهود لتحقيق مكاسب أكبر ولو عن طريق الاندماجات والتوحد في كيانات أكبر تنتظم فيها الجهود وتوجه الإمكانات بشكل أكثر قوة وفاعلية في سبيل مصلحة المصرفية الإسلامية التي هي في الحقيقة جزء من رسالة العالم الإسلامي لبقية دول العالم.

قلت في ندوة سابقة "مع الأسف لا يوجد في أي بنك إسلامي إدارة متخصصة في الأبحاث والتطوير" ألا ترى أن هذا الوضع مؤلم بحيث لا يكون للمؤسسة البنكية الضخمة إدارة متخصصة بالأبحاث والتطوير، ولماذا تحجم البنوك عن الإسهام في إنشاء مراكز دراسات متخصصة ترفد أعمالها ونشاطاتها؟
- الجواب هنا استكمال للجواب السابق إذ إن من عوامل تطوير المصرفية الإسلامية وتعزيز قدراتها التنافسية والاهتمام بجانب البحث والتطوير ليواكب التغيرات والمتطلبات المتجددة في الأسواق المالية.
وأعتقد أن من أسباب عدم الإهتمام بإنشاء إدارة متخصصة في البحث والتطوير ثلاثة أمور هي:
* ضعف المنافسة مما يجعل المصرف الإسلامي غير مجبر على تطوير منتجاته لأن الطلب على التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبله كبيرة, وهو في الغالب في موقع الاختيار لا الاضطرار, ومن ثم فما الداعي لتكبد تكاليف إضافية طالما أن المنتجات الحالية تفي بالغرض.
* عدم مطالبة الهيئات الشرعية للمصارف بابتكار منتجات تمويلية تكون بديلا أكثر قبولا من المنتجات الحالية (وخاصة التورق) التي هي محل خلاف بين فقهاء الشريعة، والمؤمل أن تعيد الهيئات الشرعية النظر في ما تمت إجازته من منتجات سابقة اقتضتها مرحلة التأسيس والبناء في المصارف الإسلامية, والسعي لوضع خطة زمنية لإحلال منتجات جديدة ومبتكرة وأكثر توافقا مع الضوابط الشرعية بدلا من تلك المختلف عليها.
* تبني المصرفية الإسلامية من قبل بعض (وأقول بعض) المؤسسات والمصارف التقليدية من باب اقتناص الفرص المربحة، لا من باب التعبد الشرعي أو القناعة الحقيقية، وهي من ثم غير حريصة على الإنفاق على تطوير المنتجات طالما أن كثيرا من المنتجات الموجودة حاليا أيسر وأسهل في التطبيق وأقل تكلفة.

ذكرت أن الهند قبل عشر سنوات تنبأت باحتياج منطقة الشرق الأوسط لخبراء مصرفيين إسلاميين فهيأت مجموعة لهذا الغرض, فلا يستغرب أن تجد الآن في البنوك السعودية نسبة كبيرة من الهند يعملون في هذا الباب". كيف ستنافس هذه البنوك مستقبلا لو ظهر ألى الوجود أكثر من بنك، وتعامل بحيوية أكبر مما هو موجود الآن؟
- عدم توافر الكوادر المؤهلة من أكبر المعوقات أمام المصرفية الإسلامية، والكوادر المستوردة من الخارج أو من المصرفية التقليدية وخاصة غير المسلمة منها تفتقد التأهيل الشرعي والفهم الصحيح لمقاصد الشريعة الإسلامية.
صحيح أنهم يسدون بعض الاحتياج لكن الإشكالات الناجمة عن عدم استيعابهم الضوابط الشرعية ومقاصدها، إضافة إلى خلفيتهم المصرفية التقليدية يوقع المصارف الإسلامية في بعض المخالفات ولا يسهم في تطوير المصرفية الإسلامية بقدر ما يعزز المحاكاة للمنتجات التقليدية.
أنا هنا لا أقلل من جهود أولئك وعطائهم في المصارف التي يعملون فيها, فهم يبذلون ما يستطيعون ويتفانون في العمل وكثير منهم يود بصدق أن يسهم في تطوير المصارف التي يعملون فيها، لكن المصرفية الإسلامية بحاجة إلى مستوعبين لمبادئ الشريعة ومتمكنين من العمل المصرفي كي يتطور وينافس.
إن ازدياد أعداد المؤسسات والمصارف التي تقدم الخدمات التمويلية الإسلامية، دون ازدياد مناسب في الكوادر البشرية المؤهلة قد يعوق نمو المصرفية الإسلامية وربما (وأعيد ربما) حرفها عن مسارها الصحيح لتكون مسخا لا هو بالتقليدي الصرف ولا الإسلامي بحق.
ومع ذلك فإني في الحقيقة متفائل بأن التوجه من قبل المصرفيين التقليديين نحو المصرفية الإسلامية سيؤدى إلى تجويد أدائها بحكم الخبرة المتوافرة لديهم, طالما صاحب ذلك جهود مكثفة في التوعية بالمتطلبات الشرعية والرقابة على الالتزام بها، وبشرط توافر مرجعية شرعية للتمويل الإسلامي ذات اجتهاد جماعي تكون إجازتها واعتمادها للمنتجات والصيغ التمويلية المقترحة مطلب المصارف، كما الحال مع مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية.

بعد ما يربو على 35 عاما ألا يستوجب ذلك وجود هيئة تصنيف وطنية أو إسلامية لمنح البنوك الإسلامية شهادات معيارية تؤكد على الجودة والنوعية لا على حجم الأرباح السنوية، أو رأي الهيئة الشرعية المعتاد "بأن عموم معاملاته كانت متطابقة والشريعة"؟
- وجود معايير لتصنيف المصارف وفقا لالتزامها الشرعي وجودة منتجاتها وحجم الابتكارات المالية لديها أمر محمود ومطلوب, خاصة إذ تم تبنيه من قبل هيئات مستقلة، وما لا يدرك كله لا يترك جله، فليت الهيئات الشرعية القائمة حاليا تضع معايير واضحة لتقييم المصارف التي تشرف عليها، وتصدر بناء على ذلك تصنيفها لها، أو على الأقل إصدار رأي في مدى درجة التزام المصرف بضوابط الهيئة الشرعية وفقا لتلك المعايير، ومدى تحقيقه تطويرا في منتجاته التمويلية.

عندما تذهب إلى ماليزيا كنموذج ترى أن هناك علاقة وثيقة بين البنوك والمجتمع، كخدمة الابتعاث في بعض التخصصات، إنشاء مدارس، وجامعات، مراكز صحية وإنسانية؟ بينما لا تجد ذلك في بلادنا؟ ترى ما السبب؟
- أرى أن من الإنصاف الإشادة بتوجهات المصارف لدينا نحو خدمة المجتمع. وما إنشاء إدارات لهذا الغرض أخيرا إلا دليل على وعي مسؤولي تلك المصارف بالواجب الملقى على عواتقهم نحو المجتمع, والمؤمل أن يزداد التوجه نحو هذا الأمر.
ولعلي أقترح هنا إنشاء مجلس أو هيئة مستقلة أو تابعة لمجلس الغرف التجارية تعنى بالخدمة الاجتماعية تتولى حصر الاحتياجات واقتراح البرامج والمشاريع, ومن ثم يطلب من القطاع الخاص تمويلها وفق ترتيبات معينة وتسويق جيدا لها، مع وضع جائزة معنوية على مستوى البلد لأفضل جهة متبرعة لهذا المشاريع >

الأكثر قراءة