أسواق المال الإسلامية تظهر أداء أفضل من حيث العائدات مقارنة بالتقليدية
عُقد أخيرا في دولة البحرين تحت رعاية أكثر من 60 من الشركاء والرعاة والعارضين وبمشاركة أكثر من 1200 من قادة قطاع المالية المصرفية الإسلامية في العالم من أكثر من 50 دولة "المؤتمر السادس عشر للمصارف الإسلامية" الذي انطلق برعاية الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء البحريني، وناقش المؤتمر الذي انطلق تحت شعار "استراتيجيات جديدة لواقع اقتصادي جديد" التغييرات في النظام المالي العالمي ونماذج العمل في ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية وآلية وضع استراتيجيات جديدة لقطاع المالية الإسلامية في العالم في ضوء الواقع الاقتصادي الجديد الذي بدأ يبرز على المشهد الاقتصادي المتغير.
وتحدث في الجلسة الافتتاحية العامة للمؤتمر عدد من كبار الشخصيات من بينهم السيد رشيد المعراج محافظ مصرف البحرين المركزي، وهينغ سوي كيت محافظ سلطة النقد في سنغافورة، وعزت عيسى كيشيف وزير الصناعة والتجارة في كازاخستان، وخالد العبودي الرئيس التنفيذي والمدير العام للمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص.
#2#
وتلى ذلك الجلسة الرئيسية التي عُقدت برئاسة "City" وتم خلالها استعراض وجهات نظر قادة الصناعة حول استراتيجيات النمو في مرحلة ما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، وكذلك قضية تنويع قاعدة عائدات المؤسسات المالية الإسلامية وفهم المخاطر التي تواجه نجاحات القطاع الحالية في إطار الاضطرابات التي تعانيها الأسواق المالية العالمية، وكان من ضمن المتحدثين في الجلسة عدد من قادة القطاع من بينهم الدكتور علاء اليوسف كبير الاقتصاديين في بيت التمويل الخليجي، والدكتور صلاح الدين عبد القادر سعيد المدير العام لقسم الائتمان وإدارة المخاطر في بنك البحرين الإسلامي، والدكتور منتصر بن مراد الشريك التنفيذي ورئيس قسم الخدمات المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خدمات "آي بي إم" العالمية للأعمال.
وشهد المؤتمر حضورا لافتا من قبل المؤسسات المالية الإسلامية البريطانية، حيث قادت مؤسسة التجارة والاستثمار البريطانية ثمانية عشرة مؤسسة مالية إسلامية من المملكة المتحدة خلال مشاركتها في فعاليات المؤتمر, بعد أن اتضح خلال العام الحالي لأسواق المال الوضعية القوية للمؤسسات المالية الإسلامية البريطانية واستمرارها في تحقيق النمو ومدى التزامها تجاه تعزيز شراكتها مع منطقة الخليج أكثر من أي وقت مضى.
وركزت جلسة "طاولة مستديرة" عقدت برعاية هيئة التجارة والاستثمار البريطانية على نظرة المملكة المتحدة بشأن تطور ونمو ومستقبل التمويل الإسلامي، وأدارت الجلسة نعمة أبو وردة وشارك فيها متحدثون من بينهم همفري بيرسي الرئيس التنفيذي لبنك لندن والشرق الأوسط، ودارشان بيجور، مدير الاستشارية المالية الإسلامية في شركة كي بي إم جي المالية، وجليان والمسلي مدير المنتجات والديون وخبير الأوراق المالية في بورصة لندن، وريتشارد ثوماس الرئيس التنفيذي لبنك غيتهاوس، إضافة الى منير خان الشريك ورئيس المالية الإسلامية في "سايمونز آند سايمونز".
وترأس السيد سمير عبدي رئيس وشريك "آرنست آند يونغ" لمجموعة الخدمات المالية الإسلامية في البحرين جلسة تفاعلية ركزت على المسائل المثيرة للجدل في المالية الإسلامية، وشارك في هذه الجلسة آندرو ليمون مدير ورئيس مبيعات خدمات مبيعات الأوراق المالية في بنك دويتشه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونيل داونز الشريك في "تراويرز آند هاملينز" وغيرهم.
كما عقدت جلسة نوقشت خلالها سبل تحديد المرحلة الثانية من التطور لنقل المالية الإسلامية من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، وترأس الجلسة السيد رشدي صديقي رئيس قسم المحتوى المالي الإسلامي في "طومسون رويترز" ، وتحدث فيها كل من جاك تريبون الرئيس التنفيذي لبنك بي إن بي باريباس قسم نجمة "المصرفية الإسلامية" البحرين، وريتشارد ثوماس الرئيس التنفيذي لبنك غيتهاوس، وعارف محمد العلوي المؤسس والرئيس التنفيذي لـ "دار ثروات للاستثمار"، وكريغ هيويت الرئيس التنفيذي للأعمال بسوق البحرين المالي. وناقش المشاركون ضرورة التواصل العالمي في قطاع المالية الإسلامية وبناء القدرات وبنيات الأسواق المفتوحة وتوحيد المعايير بين أوروبا ومجلس التعاون الخليجي وجنوب شرق آسيا.
مزيد من الانهيارات الاقتصادية
وخلال جلسات العمل التحضيرية للمؤتمر استبعد خبراء مصارف إمكانية تجنيب المؤسسات المالية الإسلامية تداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة، كما نفوا صحة ما تردد من تقارير وتصريحات عن تعافي الاقتصاد العالمي من تبعات تلك الأزمة، وتوقعوا مزيدا من اجتياحات تأثيرات الأزمة على العالم خلال ثلاثة أعوام كحد أقصى، وقالوا إن أزمة صكوك دبي الأخيرة ليست سوى مقدمة لعديد من الانهيارات المتوقعة للاقتصادات العالمية .
وقال السيد سهيب عمر المدير الأول في مجموعة الخدمات المالية الإسلامية إن السيناريو الذي حدث في دبي سوف يتكرر، وإنه من السذاجة أن يُعتقد أن المؤسسات المالية الإسلامية سوف تكون بمنأى عن التأثر بما يحدث من انهيارات لمؤسسات مالية ومصرفية عالمية حول العالم، وأضاف أن العالم يترقب في الوقت الحالي الدخول في مرحلة انهيارات مالية غير مسبوقة في غضون عامين من الآن بعد استفاقة الاقتصادات من جرعات المسكنات التي تم ضخها في عروق المؤسسات التي أعلنت انهيارها قبل نحو 18 شهرا.
الأمر نفسه أكده رئيس التمويل الإسلامي في مصرف "UBS" السويسري في دبي الدكتور آرمن بابازيان، وقال إن استخدام الأدوات المصرفية الأكثر أمنا - في إشارة إلى الصكوك الإسلامية - لتخطي التبعات الاقتصادية المتوقعة للأزمة لن ينقذ العالم من الانهيار المرتقب، وأشار إلى أن شركة نخيل العقارية الضالعة فيما توصف بأزمة دبي الراهنة هي أقرب مثال على أن العمل بأدوات إسلامية كالصكوك لن يبقي الاقتصادات في مأمن من التأثر بالأزمة العالمية، وأكد أن آثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصادات الخليجية لم تبدأ بعد.
كما قال الشيخ محمد إسحاق إن التداعيات الاقتصادية للأزمة المالية ما هي إلا شرارة أولى لانفجار هائل مرتقب للمنظومات الاقتصادية العالمية، وأضاف أن أزمة دبي الحالية تمهد لسلسلة من الانهيارات المتوقعة في أكثر من دولة في المنطقة، لكنه قال إن استخدام الصكوك الإسلامية كأداة لتمويل المشروعات التابعة لمجموعة دبي العالمية كان سليما وموفقا حيث توافرت فيه شروط الرسملة المتبعة في أداة الصكوك، وشدد على ضرورة أن تتغير هيكلية نظم إصدار الصكوك الإسلامية من خلال طرف ثالث محايد ومستقل يضمن الإصدارات.
التمويل الإسلامي عامل في نمو القطاع الخليجي رغم العوائق
وخلال مشاركته في المؤتمر العالمي، قال كبير الاقتصاديين في شركة الأهلي كابيتال السعودية يارمو كوتيلين إن أسواق المال الإسلامية أظهرت أداء أفضل من حيث العائدات مقارنة بالأسواق التقليدية، كما أنها تعاملت بشكل جيد مع الأزمة المالية الحالية، ومرد ذلك إلى التعامل الأخلاقي الذي يميز هذه الأسواق، ناهيك عن طبيعتها البعيدة عن أسلوب المضاربة.
#3#
وأعرب كبير الاقتصاديين عن اعتقاده أن التمويل الإسلامي الذي يعد عنصراً متنامي الأهمية في تكوين القطاع المالي الخليجي في موقع يمكنه من إعادة التعافي لاقتصادات دول الخليج العربية، وأوضح كوتيلين أن العام الماضي شهد تحقيق مؤشر "ستاندارد آند بورز 500" ومؤشر "ستاندارد آند بورز الخليجي المركب" ومؤشر "ستاندارد آند بورز أوروبا 350" عائدات أقل من مثيلاتها المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وقال إن أداء المؤشرات الإسلامية هذا العام حقق مستويات أفضل من تلك التقليدية. لكنه أشار إلى أن ثمة عوامل قد تعوق نمو التمويل الإسلامي، بما في ذلك الاختلافات في تعريف ماهية الشريعة، ونقص المعايير، إضافة لضعف السوق الثانوية بين البنوك، لكن حقيقة أن التمويل الإسلامي هو مثال حي على تنظيم مبني على مبادئ تعني أن المستثمرين يمكنهم الشعور بالارتياح للدرجة العالية من التوافق مع القيم والمبادئ المعروفة لديهم على نطاق واسع.
وأكد كوتيلين في ختام حديثه أن الاقتصاد الخليجي سيعود ليحقق نمواً عالياً في عام 2010، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار الاستجابات السريعة والفاعلة وتحسن البيئة الاقتصادية العالمية، وتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 3.8 % خلال العام المقبل، بينما يفترض أن تعود الإمارات لتحقق نمواً قدره 1.6 %، وقال إن المصرفية الإسلامية جاهزة للاستفادة من هذا التعافي والبناء عليه.
دعوة إلى تأمين السيولة قصيرة الأجل
وأشار مسؤول مصرفي أثناء المؤتمر إلى أن ثمة تحدياً رئيساً يواجه المؤسسات المالية الإسلامية في دول المنطقة، وهو عدم وجود سوق بين المصارف لتأمين السيولة قصيرة الأجل كما تفعل المصارف التقليدية، وأن المصارف المركزية في المنطقة تتحدث عن تأمين السيولة لكن لا أحد يتحدث عن الملاذ الأخير.
وقال السيد جميل الجارودي الرئيس التنفيذي لبنك إيلاف البحريني إن على المصارف الإسلامية النظر إلى الداخل والنقد الذاتي، وأن المصارف المركزية ليس لديها تشريعات كافية لمعالجة الأمور الداخلية للمصارف الإسلامية، وإن على الدول التي توجد فيها مصارف إسلامية إعادة النظر في كيفية تأمين سيولة أكثر.
ويقول بعض المسؤولين إن السبب في عدم توافر مثل هذه الودائع القصيرة يعود إلى الطريقة التي تعمل بها المؤسسات المالية الإسلامية التي تحرم الفائدة باعتبارها ربا، في حين يرتكز عمل المصارف التقليدية على النظام الغربي الذي يجيز الفائدة باعتبارها أداة أساسية للأعمال المصرفية.
وحول انغماس المصارف الإسلامية في القطاع العقاري بيَّن السيد جميل الجارودي أن ذلك يعود إلى العمق الذي لديها، ولا يمكن نصح المصارف الإسلامية بالدخول أو عدم الدخول في القطاع العقاري، لكنه أكد على أهمية وجود محافظ متوازنة في أي بنك ليكون لديه تنوع في الاستثمارات، وهي أسلم وأفضل طريقة فيما يسمى بـ "التنويع لتخفيف المخاطر".
ماكينزي .. استراتيجية التميز في صناعة المصرفية الإسلامية
شكل المؤتمر العالمي السادس عشر للمصارف الإسلامية منصة بحث قوية لـتقرير التنافسية العاشر 2009/2010 الصادر عن شركة ماكينزي، وتم خلال المؤتمر مناقشة وبحث التقرير, الذي قدم شرحا مفصلا عن كيفية تكيُّف المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في وقت تسعى فيه إلى تعزيز إدارة المخاطر والنظر إلى أسواق جديدة للنمو وتقديم كل ما تحتاج إليه السوق, إضافة إلى أن تظل منافسة.
وركز تقرير شركة ماكينزي لهذا العام على الأداء المالي واستراتيجية التميز في صناعة الصيرفة الإسلامية، وكذلك الاتجاهات الرئيسية المتوافرة والناتجة عن الأزمة المالية، إضافة إلى إعطاء نظرة شمولية عن القطاع والأمور التي يحتاج رواد المصرفية الإسلامية إلى القيام بها بهدف استمرار النمو في المستقبل القريب.
كما كشف التقرير عن أمور إدارة السيولة في أسواق دول الخليج العربية، والطرق التي على البنوك القيام بتطويرها إذا أرادت هذه المصارف إدارة السيولة لتغطية احتياجاتها المستقبلية، وتحدث عن التحديات طويلة الأجل وفرص الموجودات المتصلة بالشريعة الإسلامية في مناطق الصيرفة الإسلامية في إفريقيا، وآلية إدارة الاستثمارات الإسلامية وحقائق نجاح مديري الثروات الإسلامية.
جائزة "الشخصية المصرفية الإسلامية"
على هامش المؤتمر تم منح الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية السيد عدنان يوسف جائزة "الشخصية المصرفية الإسلامية للعام 2009" ، وقام محافظ بنك البحرين المركزي السيد رشيد المعراج بتسليم الجائزة إلى عدنان يوسف في احتفال أقيم في فندق الخليج.
وكان السيد عدنان يوسف قد لعب دورا كبيرا في توجيه وقيادة مجموعة البركة المصرفية خلال الأزمة المالية العالمية، وأطلق عديدا من المبادرات الاستراتيجية الرئيسية التي تهدف إلى خدمة مصالح قطاع المال الإسلامي, من بينها مبادرته لتأسيس مصرف إسلامي عالمي ينطلق قريبا تحت اسم "بنك الاستخلاف" برأسمال يبلغ 100 مليار دولار.
كما حصل الشيخ نظام يعقوبي العضو في عديد من الهيئات الشرعية على جائزة "القيادة في القطاع" لعام 2009. وتمنح الجائزة للشخصية التي تظهر صفات قيادية قوية وتترك أثرا طويل الأمد على الصناعة المصرفية الإسلامية والقطاع المالي، ونال يعقوبي الجائزة لخدمة استمرت 10 سنوات في القطاع المصرفي الإسلامي.
وحصل بنك لندن والشرق الأوسط على جائزة التميز للمؤسسات، وتمنح هذه الجائزة للمؤسسة المالية التي تتميز بتطبيق معايير الأداء الرئيسية، والتميز في القيادة والتوجه الاستراتيجي للأعمال المصرفية الإسلامية .