فهم الإرهاب يبدأ عبر الإنترنت
عاد الحديث عن الإنترنت كـ ''محفز للإرهاب'' إلى الإعلام الأمريكي بقوة الأسبوع الماضي مع اكتشاف علاقة بين النيجيري عمر فاروق عبد المطلب (والذي كان على وشك إحداث كارثة أخرى بتفجير طائرة أمريكية)، وبين أنور العولقي، وهو ''شيخ'' يمني لديه جنسية أمريكية، ومتهم سابقا بالتواصل مع ثلاثة ممن شاركوا في 11 أيلول (سبتمبر)، ومع نضال حسن الذي قتل 13 شخصا في قاعدة عسكرية في تكساس.
ورغم أن ما هو مؤكد عن أن هذه العلاقة لا أن تجاوز شيئا من الأخذ والرد عبر المنتديات إلا أن خبراء الإرهاب الغربيين سرعان ما يحضرون الإنترنت كجزء من المشكلة إلى الواجهة عند أي فرصة، منطلقا بعضهم من أن التحكم في الإنترنت يعد صعبا جدا مقارنة بالتحكم في نقاط الحركة على الأرض، وبعضهم منطلقا من محاولة محاصرة الخطاب المتطرف باللغة الإنجليزية، وذلك لأن الحديث بالإنجليزية الطليقة هو التهديد الحقيقي لنشر ''الإرهاب'' في الغرب، حسبما قال تقرير حديث لجريدة ''نيويورك تايمز'' عن أئمة الإنترنت Internet Imams وتقارير أخرى كثيرة عن خطر نشر الإرهاب في الجاليات المسلمة في أوروبا (وإن كان بعضها طبعا يحمل كثيرا من سوء النية ضد المسلمين عموما).
في المقابل، هناك من هو أكثر حكمة في التعامل مع الظاهرة، ومنهم جيسيكا ستيرن، المحاضرة في كلية القانون في جامعة هارفارد الشهيرة وأحد أشهر الخبراء العالميين في مجال ''تفكيك الراديكالية'' Deradicalization والتي كتبت دراسة في العدد الأخير من مجلة ''فورين أفيرز'' Foreign Affairs، وهي مجلة أمريكية عريقة معنية بشؤون السياسة الخارجية، حيث ركزت على أهمية استفادة الأمريكيين من تجربة ''المناصحة'' في السعودية، وتوصلت من خلال هذه التجربة إلى نتيجة بأنه يمكن التحكم في أفكار التطرف وإعادة المتطرف إلى طريق الاعتدال في حال أمكن فعلا فهم الحوافز التي تدفعه للتطرف.
قد يظن البعض أن هذه النتيجة بديهية، وليس فيها جديد، ولكن الحقيقة أن الأمريكيين تجنبوا بشكل حاد الحديث عن حوافز الإرهاب والتطرف، وحرصت إدارة الرئيس السابق جورج بوش على أن يدفع أي مسؤول أمريكي الثمن غاليا في حال مناقشته الموضوع، وضغطت على الإعلام لتجنبه، واستعانت باللوبي اليهودي لفعل ذلك، على أساس أن الإرهاب مرفوض مهما كانت المبررات، وأن المبررات هي جزء غير مهم من القصة، وذلك لأن الأمريكيين كانوا يريدون أن يشنوا حربهم على الإرهاب دون مساءلات، وحتى لا يصبح الحديث عن القضية الفلسطينية وغيرها جزءا من مفردات الحديث عن الإرهاب في الإعلام الأمريكي.
لكن المنهج السعودي في التعامل الإيجابي مع المتطرفين ومحاولة تفكيكهم فكريا كانت قصة استثنائية غيرت المعادلة تماما، ليس فقط بسبب نجاحها الباهر (مع استثناءات أليمة مثل الرجل الذي حاول اغتيال الأمير محمد بن نايف أو بعض الذين عادوا للإرهاب بعد إعلانهم لتغيير أفكارهم والإفراج عنهم)، بل أيضا لأن الهدف كان واضحا ودقيقا وهو إعادة تأهيل الأفراد الذين تورطوا في الفكر الإرهابي بدلا من محاولة تفكيك ظاهرة الإرهاب بشكل عام عبر فهم حوافزهم.
الدراسة التي كتبتها جيسيكا ستيرن تعد نقلة مهمة في فهم تفكيك الإرهاب، وذلك لأن عددا من الأجهزة الحكومية اعتمدت عليها في السابق في هذا الإطار، ومنهم الحكومة الهولندية التي استعانت بها لوضع برنامج عن مفهوم المواطنة موجه للمسلمين المهاجرين، وذلك في عام 2005م بعد مقتل المخرج الهولندي المتطرف ثيو فان جوخ، كما استعانت بها الحكومة الأمريكية في العراق، وأماكن أخرى، ولكن كما يبدو من دراستها أن ما غير وجهة نظرها عن الموضوع كله كان اقترابها من التجربة السعودية وزيارتها للرياض.
في الأسبوع المقبل سأتناول تفاصيل ما توصلت إليه ستيرن في محاولتها فهم التجربة السعودية وفهم حوافز الإرهاب، ولكن هناك نتيجتين مهمتين لهما علاقة بالإنترنت في هذا السياق:
الأولى: أن الإنترنت كأرضية هائلة للتواصل كان مساهما في استغلال كثير من الشباب ليقعوا في مصيدة دعاة الإرهاب والتكفير، ولكن هذا حصل بسهولة فقط لما كان هؤلاء الشباب جهلة وحديثي عهد بالدين، كما أثبت عدد من الدراسات في هذا السياق. في المقابل، كان الإنترنت الوسيلة الأفضل لتفكيك العواطف والأفكار الإرهابية بحكم أن المتطرف يستخدم الإنترنت للتواصل مع من يسعون لتغيير أفكاره وهو يشعر بالأمان من العقاب وبالأمان ليقول ما يريد لأن هويته مخفية.
النتيجة الثانية: أن فهم الإرهاب ودوافعه والأفكار الجزئية التي يستند إليها تبدأ من الإنترنت، الذي يحتوي على قاعدة معلومات هائلة، وهذا ما حاول الأمريكيون فعله بطريقة فاشلة لاعتمادهم على ''خبراء'' لا علاقة لهم بفهم الإطار الإسلامي وجاءت نتائجهم سطحية جدا وتعميمية وغير مؤثرة.
شبكة الإنترنت هي جزء من المشكلة، ولكنها محور أساسي في الحل كذلك، وللحديث بقية..