البنوك السعودية ستمضي في إحجامها عن الإقراض.. أزمة دبي زادت التوجس

البنوك السعودية ستمضي في إحجامها عن الإقراض.. أزمة دبي زادت التوجس

## هل تتوقعون أن يكون عام 2010 عام توديع تداعيات الأزمة المالية حول العالم, أم أن هناك نارا باقية تحت القشة ربما تنفجر في أي وقت وتعيد الاقتصاد العالمي إلى نقطة سبتمبر 2008؟ العالم اليوم أصبح مترابطا أكثر من أي وقت مضى. ولذلك فمع أن المؤشرات تدل على أن اقتصادات بعض الدول وخاصة في الشرق قد أخذت ترسل ما يفيد ببداية التعافي، إلا أن الوضع ما زال حرجا في الطرف الآخر من العالم وعلى وجه الخصوص في الاقتصادين الأمريكي والبريطاني، ومن ثم فإن المتاعب في طرف ما من العالم يمكن أن تعطل أو تبطئ من درجة وسرعة التعافي في طرف أو مكان آخر منه. سبق أن قلت في بعض مقالاتي التي نشرت في «الاقتصادية» إنه يمكن حماية الاقتصاد الأمريكي من الانهيار المالي والاقتصادي الشامل مؤقتا عن طريق اتباع بعض السياسات المالية والنقدية، بيد أنه يصعب الاستمرار في ذلك دونما تغيّرات حقيقية في عيوب النظام المالي والاقتصادي. النظام المالي الأنجلوسكسوني في حاجة إلى إعادة صياغة بضوابط مالية تمنع تكرار ما حدث، ولا ينبغي الاستحماء بالحريات الاقتصادية لتعطيل هذه الضوابط. من ناحية أخرى، علينا الانتباه إلى أن العالم يمر بمرحلة تحول في موازين القوى الاقتصادية، وهي مرحلة ستفرض تغيرات تدريجية واسعة. ستفقد الولايات المتحدة تدريجيا مركزها كقاطرة محركة للاقتصاد العالمي، ولن تستطيع الاستمرار في تمويل رفاهيتها على حساب الدول الأخرى عن طريق الاقتراض من الخارج. بل لا بد كي يحافظ الاقتصاد الأمريكي على قوته النسبية القيام بتطوير حقيقي وإضافة جديدة يسهم بها في حلبة المنافسة الدولية. أمريكا في حاجة إلى دفعة من قطاع ما كدفعة صناعة تقنية الإنترنت في التسعينيات. وفي تصوري أن أقرب مجال يمكن أن يكون للأمريكان باع فيه ويدعم موقف الاقتصاد الأمريكي عالميا, هو تطويرهم لتقنيات جديدة في مجال المحافظة على البيئة وتقليص التلوث بجميع أشكاله. في العقود الثلاثة الأخيرة بنت أمريكا رفاهيتها على حساب الآخر عن طريق الاستدانة، وكان لا بد أن يأتي اليوم الذي يسدد فيه الاقتصاد الأمريكي ما عليه. الاقتصاد الأمريكي في حاجة إلى تحسين هيكلي ينعكس على ميزان المدفوعات. وفي جميع الأحوال، أعتقد أن العالم يتغير ولا بد أن يتغير الوضع النسبي للاقتصاد الأمريكي ليعكس مقدار مساهمته الحقيقية في الإنتاج العالمي، لقد استنفد الاقتصاد الأمريكي طاقته على الاستدانة، وعليه الاعتماد في استمرار رفاهيته على زيادة الإنتاج وتوسيع قدرته التنافسية. ## كيف تقيسون توجهات الاقتصاد السعودي في عام 2010.. هل تتوقعون العودة إلى مستويات النمو للاقتصاد الكلي للاقتراب من معدلات 2007 و2006 .. وكذلك توجهات الاقتصاد الخليجي؟ ما زال اقتصادنا يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، وهذا بدوره يعتمد على أسعار النفط. أعتقد أن أسعار النفط في العام الجديد ستحافظ على معدلاتها التي تحققت عام 2009، وستكون عند 70 دولارا للبرميل كمتوسط على الأقل. وقد يرتفع هذا السعر حتى 100 دولار اعتمادا على مدى نمو الطلب العالمي وخاصة في الاقتصادين الصيني والهندي وبقية الاقتصادات الصاعدة في الشرق بالدرجة الأولى ثم نمو الطلب في بعض الدول الأوروبية وبقية دول العالم بدرجة أقل. ## القطاع المالي السعودي محجم عن الائتمان, الأمر الذي دفع الحكومة ممثلة في صناديق التمويل (الصناعي والتنمية والاستثمار) إلى رفع تمويلاتها للمشاريع.. هل تتوقعون استمرار هذا النهج خلال هذا العام, أم أن البنوك ستعاود نشاطها الائتماني؟ أعتقد أن إحجام البنوك المحلية عن تقديم الائتمان للقطاع الخاص في العام سيستمر، نعم قد يتحسن قليلا في تمويل بعض النشاطات لكنه سيستمر في قطاعات معينة ذات مخاطر مرتفعة خاصة في قطاع العقارات، وقد أضافت أزمة دبي الأخيرة مزيدا من التوجس لدى البنوك. بيد أن هناك سببا آخر لاستمرار هذا التحفظ وهو رغبة البنوك في تغطية المخصصات التي جنبتها لمواجهة الآثار الناجمة عن هذه الأزمة. بيد أنها ستعوض ذلك وتنشط كثيرا في مجال التمويل الشخصي ثم التمويل الحكومي لتدني مخاطرهما النسبية. ## ما توقعاتكم لاتجاه الدولار خلال عام 2010, وبالتالي انعكاسه على حركة السياسة النقدية في العالم بما فيها السعودية؟ كثيرا ما أشرت في مقالاتي وحذرت من أن مستقبل الدولار مظلم، قلت هذا مبكرا من قبل أزمة 2008، قلته في أواخر 2006 أو أوائل عام 2007. فما أراه هو أن عصر الدولار في أفول. من يعرف التاريخ ويفهم أسباب صعود قوة عملة لتصبح عملة رائدة عالميا وأسباب تراجع هذه القوة، سيلاحظ من خلال متابعة تطور الظروف المحيطة بها نوع الاتجاه العام الذي تسلكه هذه العملة، ويستطيع من ثم أن يقدر مستقبلها. إن تراجع الأهمية النسبية للدولار تدريجيا يعود ببساطة إلى التراجع التدريجي الظاهر في الدور القيادي للاقتصاد الأمريكي لمصلحة قوى جديدة تظهر في الشرق ضمن الاقتصاد العالمي. الطلب العالمي على أي عملة هو طلب مشتق من الطلب على منتجات اقتصاد هذه العملة. ببساطة، كما تراجع الاسترليني عقب الحرب العالمية الثانية نتيجة تراجع أهمية الاقتصاد البريطاني النسبية ضمن الاقتصاد العالمي، سيتراجع الدولار لأسباب موضوعية هيكلية بحتة تتعلق بالاقتصاد الأمريكي. تقلبات الدولار في العقد الأخير لا تعود إلى أسباب دورية مؤقتة بل إلى أسباب هيكلية أساسية في صلب قوة الاقتصاد الأمريكي. ## الفائدة لدينا حاليا في أدنى مستوياتها تاريخيا.. هل تتوقع رفعها تدريجيا لمواجهة الضغوط التضخمية المرتقبة, وكذلك فتح قنوات استثمارية لإبقاء أموال البنوك في الداخل؟ لا يمكن الجمع بين سياسات متعارضة في وقت واحد، إما أن تعالج السلطات النقدية آثار الكساد أو التضخم. وفي تصوري، أن السلطات النقدية في عدد من دول العالم، بالذات في الولايات المتحدة وبريطانيا، ستحافظ على مستويات الفائدة المنخفضة لبعض الوقت حتى تظهر بوادر تحسن حقيقي وثابت في مؤشرات الاقتصاد الكلي. وقد أعلن البنك المركزي الأوربي في 4 كانون الأول (ديسمبر) الماضي عن إبقائه على المعدلات عند مستوياتها المنخفضة، وهكذا سيكون الوضع في أمريكا. في اعتقادي، أن علاج مظاهر الكساد والقضاء على مخاطر الأزمة ما زال يتقدم في الأهمية على مخاطر التضخم.
إنشرها

أضف تعليق