مؤشرات التنمية بين الجمود الإداري والحاجة إلى التغيير!!

بلادنا إحدى الدول النامية Developing Countries في معيار أنفسنا ومعيار الأمم المتحدة، لذا يفترض بنا النمو والتطور بشكل يتناسب مع ميزانياتنا السنوية التي بفضل الله تنمو تصاعدياً بشكل طيب، وكذلك مع طموحات قائد هذه البلاد ـ حفظه الله ـ التي تبدو جلية من خلال اعتماد مخصصات ضخمة من الميزانيات السنوية للتعليم والتنمية البشرية والصحة والبنى التحتية وجوانب التنمية الأخرى كافة، ومن خلال الدفع القوي نحو بناء المدن الصناعية والشركات الصناعية الضخمة والجامعات ومراكز الأبحاث وغيرها مما يظهر بجلاء ما لدى قيادتنا من طموح كبير واهتمام بدفع عجلة التنمية ورفع البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة، وجدير بها مع هذا كله أن ترقى لمثل هذا، فما النتيجة وكيف يمكن قياسها؟
نحن نحتاج إلى معايير حقيقية لقياس إنجازات الوطن في مجال التنمية بشكل دقيق سنوياً حتى ندرك من خلالها بشكل دقيق معدلات النمو بشكل عام وبشكل تفصيلي لكل جانب من جوانب التنمية وندرك معه أين يكمن الخلل إن وجد، ومن خلال تحليل الباحثين والمختصين لنتائج هذه القياسات نستطيع أن نشخص الأسباب الحقيقية لحالات الإخفاق في مسيرة التنمية لمعالجتها بشكل صحيح ودقيق.
لقد أدرك الملك ـ حفظه الله ـ بحكمته وحسه القيادي هذا الخلل في بعض مشاريع التنمية عندما صرح مع إعلان ميزانية هذا العام 2010 بكل شفافية قائلاً ''أسمع وأحس بنفسي أن بعض المشاريع إلى الآن، ما بينت، ضائعة ولا مجال للتهاون فيما يعيق التنفيذ..''، في الحقيقة رغم عدم و جود نتائج قياس وإحصائيات رسمية دقيقة حول مشكلات التنمية هذه، أو قل إن شئت عدم وجود شفافية في نشر الموجود منها، إلا أنه يمكن ملامسة بعض من جوانب الخلل من خلال أعراضه الظاهرة للجميع.
ففي مجال البنى التحتية أظهرت كارثة جدة الماضية أحد جوانب هذا الضياع الذي أشار إليه الملك ـ حفظه الله، أما فيما يخص الخلل في جوانب التعليم والتدريب وتوفير الفرص الوظيفية والقضاء على البطالة والفقر وهي أهم جوانب التنمية البشرية Human Development Index فهناك الكثير من المؤشرات، ومنها ما جاء في التقرير الذي أعد لـ ''الاقتصادية'' لعدد الثلاثاء 5/1/1431هـ على هامش منتدى الرياض الاقتصادي، حيث قدرت دراسة حول الاستثمار في رأس المال البشري الفاقد المالي المترتب على بطالة المتعلّمين في سوق العمل السعودي بنحو 170 مليار ريال عام 1428/1429هـ، وبمقارنة هذا بما نشر في صحيفة ''الجزيرة'' عن السعودة في السبت السادس من جمادى الآخرة 1430هـ، والذي يشير إلى أن نسبة السعودة في القطاع الخاص لم تتجاوز 15 في المائة حتى نهاية عام 1429هـ رغم مضي نحو 15 عاماً من قرار مجلس الوزراء رقم 50 المتضمن إلزام القطاع الخاص بتخصيص 5 في المائة سنوياً من وظائفها للسعوديين بغية الوصول إلى نسبة سعودة لا تقل عن النصف عام 1431هـ، وكذلك ما نشر في الصحيفة نفسها عن ''معوقات السعودة في القطاع الخاص'' في عدد السبت السادس من المحرم 1430هـ بأن عدد من تم توظيفهم من السعوديين في القطاع الخاص خلال الفترة من 1416هـ وحتى 1422هـ بلغ (238.548) مواطناً سنوياً بينما خلال الفترة نفسها تم توظيف 494.022 من غير السعوديين، بمقارنة هذا كله يتضح أن هناك خللا كبيرا في أكثر مؤسسات التعليم والتدريب التي لم تنجح كما ينبغي لها في تأهيل الشباب السعودي بالشكل الذي تطمح له معظم شركات ومؤسسات القطاع الخاص بل حتى القطاع العام وعلى رأسها تلك الجهات المسؤولة عن تخريج هؤلاء الشباب والتي تعزف عن توظيف خريجيها رغم حصولهم على معدلات ممتازة وتفضل عليهم العمالة الأجنبية، وهذا اعتراف عملي بضعف تأهيلهم لخريجيهم وفشلهم في دفع مسيرة التنمية البشرية بالشكل الذي يتناسب مع ما يتلقونه من مخصصات سنوية كبيرة ومع ما تطمح له القيادة ويطمح له المجتمع.
يظهر تقرير التنمية البشرية الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي United Nations Development Program في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) 2009 والذي جمع على أساس بيانات عام 2007 ويغطي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تراجع السعودية في الترتيب إلى 59 بمعدل درجة عن عام 2006، وذلك في مؤشر التنمية البشرية HDI، ومقارنة بالكويت التي جاءت في الترتيب 31، وقطر في المرتبة 33، والإمارات التي حصلت على الترتيب 35 وبتقدم درجتين على عام 2006.
هنا يتبين بشكل واضح أن الخلل في تأخر بعض مشاريع التنمية ليس بسبب الاعتمادات المالية ولا في طموح وتوجهات القيادة وإنما في تنفيذ تلك المشاريع على مستوى بعض القيادات التنفيذية في الجهات الحكومية، حيث يأتي الخلل أحياناً بسبب الفساد الإداري الذي تُحذِر تقارير هيئة الرقابة والتحقيق من تفشيه بشكل واضح، كما يأتي غالباً بسبب عقلية الإدارة الجامدة لدى أكثر المسؤولين التنفيذيين الذين يرفضون ويقاومون اتباع منهجيات وأنماط وأساليب الإدارة العصرية - التي تتطور دائماً لتواكب روح العصر ومتغيراته - في بناء الخطط الاستراتيجية لمشاريع التنمية وتنفيذها ومتابعتها بالشكل المطلوب، لذا فنحن في حاجة ماسة إلى التغيير الذي بدأ خطواته الأولى خادم الحرمين ـ حفظه الله ـ أولاً عند تشكيل لجنة التحقيق في كارثة جدة و التي منحها صلاحية ''استدعاء أي شخص أو مسؤول كائناً من كان بطلب إفادته، أو مساءلته - عند الاقتضاء'' ثم ثانياً في كلمته التي وجهها بعيد إعلان الميزانية إلى أصحاب السمو والمعالي الوزراء وحث فيها على العمل بجد وإخلاص وسرعة وعدم التهاون في إنجاز المشاريع، وأكد على أن ''.. اللوم إذا جاء يجيء على الوزير فقط..''، ثم إننا في حاجة إلى التغيير والتطور حتى في أساليب إدارة العمل وأنماط التفكير عبر الانتقال إلى أساليب التفكير الجماعي والمشاركة في الرأي والاستشارة السليمة والتطوير المستمر للموظفين وبيئات العمل وآلياته وأنظمته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي