كريسـمـاسـهــم!

الفكرة آتية من الداخل وللداخل، فهي للصغار عن البقاء في البيت وانتظار الهدايا وللكبار عن العودة إلى البيت لإحضار الهدايا. التفاصيل الفانتازية، كـ ''سانتا كلوز'' و ''غزلان المطر'' و''الجورب'' المعلق فوق المدفأة (عند الميسورين) وقرب النافذة (عند الفقراء)، لا تعدو كونها بهاراً يشعل شهية خيال طفل ولا يحرقه شوقاً لمناسبة.. ''تفريح''. و''كريسماسهم'' بهذا لا يحمل زخم ما تحمله ''فكرة'' عيد الأضحى من النحر واختصاص المحتاجين والمعارف بالثلثين من الأضحية، وبرغم ما توفره مناسبات أخرى (عيد الفصح مثلاً) من مشاركة في الموجود، إلا أن عيد الفطر عندنا لا يترك كثيراً من حيز المقارنة بحضور قيمة عظيمة كزكاة الفطر!
يحدثني صديق أن ابنته طلبت منه شجرة عيد ميلاد، تماماً كالتي رأتها في فيلم الرسوم المتحركة وفيلم سينمائي للأطفال بثته فضائية ''عربية''! وعندما سألها عن السبب قالت: ''شكلها يونّس''!! وأكاد أجزم أن ما شد انتباه الطفلة هو تعلق الشخوص الكارتونية بفكرة الشجرة كدليل على قرب حلول الأعياد، وبقائهم في البيت تجسيداً لفكرة سيناريو يسعى إلى نمذجة حميمية الركون إلى المكان وانتظار الفرح في خانة محددة.
هذا هو بالضبط ما دفع ''علاء الدين'' و''مصباحه السحري'' للتقديم على تأشيرة للرحيل إلى هوليوود! وهو ما زج بـ ''السندباد'' للوقوف في طابور لطلب تأشيرة عمل بدافع الغيرة، ما أصاب علاء من مجد وشهرة!
إليك الحقيقة: رغم أن البلاد العربية من أثرى دول العالم في العنصرين البشري والمادي.. مع هذا لم تبادر أي دولة عربية لإظهار ثقافتنا وتراثنا للآخر بعيداً عن الخطاب التعبوي! أو لنقل لطرح مشروع ثقافي يمول بسخاء.. أو حتى بـ ''شُحٍ'' في لج المؤتمرات والندوات الفكرية والثقافية التي تقام بالعشرات في كل عام. الحقيقة الصادمة الأخرى هي أن تكلفة واحد من هذه المؤتمرات ونفقاته كفيلة بصنع أعمال ومنتجات ثقافية ستكفل لنا.
قارنوا حال ''أساطيرنا'' بـ ''شخوصهم''!
قارنوا معرفة أبنائنا بـ ''شخوصهم'' مقابل معرفتهم بـ ''أساطيرنا''!
الفرق مخزٍ! فلو لم تنتشل هوليوود علاء الدين من رفوفنا لبقي قزماً مقارنة بـ ''ليلي الحمراء''.. قزم نستحضره كلما احتاجت دار نشر عربية لبيع قصص تسبب النعاس لأطفال العواصم العربية، ولو لم يمرر مثقف أمريكي شجاعة السندباد وسحر رحلاته إلى راصدي الأحلام في ''ديزني''.. لبقي السندباد نادلاً يبيع الشيشة في مقهى سياحي عربي اسمه ''ليالي بغداد''!
هل تعرفون لم صار صغارنا متعلقين بمنتجاتهم؟
الغرب لديه شيئان، أيها السيدات والسادة: حكومة تدعم ومؤسسات مصرفية تمول.
أما نحن، حتى إن توفرت الأولى في حالات قليلة، فإن الثانية من الصعب أن تتحقق في ظل وجود إدارات لا ترى في غير تمويل المساكن والسيارات مصدراً لمضاعفة الربح! يبدو لي أن ليس بينهم من يدرك أن شخصية كارتونية تخرج للأسواق اليوم.. ستكون رفيقة لطفلة اليوم ورفيقة لطفلة ستولد في عام 2099!!
مضطر لتوديعكم هنا، إذ تطالبني ابنتي أن أتوقف عند مكتبة لشراء عروسة من نوع ''باربي''.. وكنت قد وعدتها بهدية إن جاء تقريرها مدججاً برقم (1) في إتقان جميع المواد!
وحقاً فعلت.. غير أنني لم أستسلم بسرعة وسجلت تحفظاتي قائلاً: ''ثاني مرة لا عاد تجيبين التقرير معرفط.. أنت هالحين في سنة أولى.. وعن تصرفاتك مسؤولة''!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي