يا أخي المسيحي.. تعالَ معي للجامِع!
* أهلاً بكم في مقتطفاتِ الجمعة رقم 328.
***
* حافزُ الجمعة: « أمنيتي أن أعيش بدون أن أكرَه أحداً، وأن أُحبَّ بدون أن أكون غيوراً من أحدِ، وأن أعلو بدون أن أصعدَ على حسابِ أحد، وأن أمضي في طريقي بدون أن أدوس على أحد.. وأن أتفوقَ بدون أن أكون حاسداً لمن تفوّق علي!» أمين الريحاني، عن الإنجليزية.
***
* موضوعُ الجمعة: أراجعُ، ضمن اهتمامي بعلم الإنسان، نفسيةَ وطرائقَ تفكير أولئك الذين أشعلوا روحَ مقاومةِ الاستعمار، ووقفتُ طويلاً عند من قاموا برَمْي أول حجرةٍ في بحيرة الاستعمارِ ببلادِ المغرب العربي، والتي كان قصدُ فرنسا أن تشكلها عجينةً تشبعها بخمائرها وتخبزها كيفما تشاء.. فوجدتُ شيئاً. في الجزائر من نصوص كتاب لِـ «مالك بن نبي» وعنوانه «شروط النهضة»، ورَد بها أن الذي بدأ في بعثِ روح الفورةِ الاستقلالية الأول في الجزائر هو الشيخُ «ابن باديس» مردّداً على جماعته آية قرآنية صارت شعاراً لكل مقاتلٍ من أجل الحرية وهي:«إن اللهَ لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفُسِهم»، وكان يقول:» يجب أن نعمل بترك البدَع الشنيعة، يجب أن نتعلم، ونجدد صلتنا بالسلفِ الصالح ونُحْيي شعائرَ المجتمع الإسلامي». وما حدثَ في الجزائر وجدتُ أنه حدث في تونس والمغرب وليبيا، حركاتُ التحرّرِ بدأت من أثر الدين وعلمائه، من جامع القرويين في المغرب، وجامع الزيتونة في تونس، والزوايا السنوسية في ليبيا، والإسلامُ الذي اعتمده هؤلاء هو الإسلامُ المصفَّى من الأفهام السقيمة. أما عن «ابن باديس» فحين هدده وزيرٌ فرنسيٌ بأن لدى فرنسا مدافع طويلة، ردّ عليه:»لدينا مدافع أطول.. مدافعُ الله!».
***
* أنا معجبٌ بأمين الريحاني، بالذاتِ حين يكتب بالإنجليزيةِ بعيداً عن الأهويةِ العربية في عصره. ففي الإنجليزيةِ يكتب للأمريكان من أول القرن العشرين، يكتبُ صافيا، ثريّ الحصيلةِ، مستروحاً الحقيقة العليا، وهو رائدُ الكتابةِ الروحانية الأول في أمريكا حينها، وإجادة الريحاني للإنجليزية بالمناسبةِ أفضل من إنجليزية «جبران» صاحب كتاب «النبي». وعربية «جبران» أروع من عربية «الريحاني» تصوفا وألقاً وحكمة. الريحاني وهو المسيحي لا يكتب بالإنجليزية كلمة God حين يذكر الله، بل يدعوه هكذا Allah. وله مقالة ضمن مقالاتٍ جمعها في كتابه المعنوان بـ»درب الرؤية The Path of Vision» بعنوان: «الكنيسة والجامع».. سأنقل لكم من الإنجليزية مقاطعَ منها في المقتطفِ الذي يلي..
***
* « من كلِّ المعابد التي زرتها في تجوالي، لم يؤثر في وجداني شيءٌ منها كما أثر فيَّ الجامعُ، لأنه الأكثر ديموقراطية وبعداً عن الزوائفِ من السلوكيات المتعالية. ومع خطبة الجمعة التي هي من أعظم الكلِم لأنها من الاسترشاد القرآني العظيم تُسْحَرُ أسماعُك وتطير بمجامع روحك.. في صمتٍ انعتاقيٍّ سماوي أرضي خالٍ من الصنوج والأجراس وموسيقى الأُرْغُن وأناشيد الخورَس، خالٍ من التماثيلِ والأيقوناتِ واللوحات التصويرية، فلا تشتعل إلا مصابيحُ الإيمان واليقين اليقظ، والإدراك المتجلـِّي.. كأن تطفو النفْسُ فوق تيارٍ يسوقها لمصبِّ الحق.. إلى اللانهائيات الإلهية.. إلى الواحد الأحد - الله. وحول الكنيسة وداخلها صخبٌ ومظاهرٌ وترَفٌ من الأباطيل.. ومع الموسيقى الكنـَسِيَّةِ لا أعود أستطيع مواصلة صلاتي وخشوعي. فيا أخي المسيحي تعال معي.. تعالَ إلى الجامع!».
***
* وبما أننا في صددِ الموارنة المسيحيين الذين تولـّعوا بالإسلام، فمن يغفل ذكرَ «أحمد الشدياق» صاحب مذكراته «الساق على الساق»، والذي توفي في آخر العقد التاسع من القرن التاسع عشر الميلادي. اهتم بالإسلامِ لفترةٍ طويلة، إلى أن جرَتْ مناظرةٌ ونقاشٌ له مع شيخ الإسلام في تونس فكانت الفاصلة، فاعتنق الإسلامَ وبدّل اسمَه من «فارس» إلى «أحمد».. ومات مسلماً.
***
* وقصة حب سادرة وحالمة بين أمين الريحاني وزوجته الأمريكية التشكيلية «بيرثا كايس».. مات عنها في عام 1940 في بلدته «الفريكة» بلبنان، وبقيت الزوجةُ المحبة على ذكراه وزارت بلدتـَهُ مرارا، وسكنتْ بها في منزل أخيه «ألبرت الريحاني».. توفيت عن تسعين عاما في عام 1970م، وأوصت بأن يُدفن رفاتُها بجانب قبر الرجل الوحيد الذي أحبته.. وهذا ما كان.
***
* شخصية الأسبوع: يبقى رائدُ ثقافة الصوالين الأستاذ «عبد المقصود خوجة» صاحب الإثنينية الأشهر في جدة، واحدة من علامات جدة. وفي صالون الأستاذ خوجة يُناقش طيفٌ واسعٌ من المواضيع، مع شخصياتٍ لامعةٍ في مجالاتٍ متعددة، وتكاد تكون الندوة الأولى في البلاد. ولعل أستاذنا الجليل يجعلَ من صالونه مكاناً لمناقشة القضايا الحيوية الكبرى الآنِيـّة التي تحدث بمدينته وباقي مدن البلاد ولو يُخصص لها واحدة من الجلساتِ الشهرية الأربع. وربما أيضا طوِّر لهذا الصالون منتدىً ملحقٌ افتراضيٌ وواقعي، وجائزة خاصة به لأصحاب الإنتاج والإبداع والإنجاز. هذا الرجلُ يبرز منارةً إرشاديةً في بحرٍ صاخب.
***
* نقاشُ الأسبوع: هل تعتقد أن الاطلاعَ والتعمّق في دراسةِ الأديان الأخرى مكسب أم تهديد؟
****
أنا من سمائي، وأرضي، وقطوفي ومن ثــوْرةِ الرّوحِ لــــحـْنِـــــــــي
وأحرقتُ ذاتي في ضــوءِ التــُرابِ وغَنَّيْتُهُ العمرَ.. ماذا تريدون مني؟
في أمان الله..