نقد ذاتي عنيف.. رياض الأطفال تثير جدلا.. وأعضاء الشورى يتذكرون توصياتهم
واصل منتدى الرياض الاقتصادي أمس أعماله وسط حضور لافت على المستويات كافة. وحظيت جلسة الاستثمار في رأس المال البشري بنقاشات ساخنة دفعت ثلاثة من أعضاء مجلس الشورى إلى التعليق والتداخل مع المحاضرين.
وعلى الرغم من كثافة التعليقات فقد اتفقت جميعها على أهمية الموضوع وجدية الدراسة وواقعيتها، حيث كشفت الدراسة عن معدلات الهدر التي يتسبب فيها غياب الجهة المسؤولة عن تحديد السياسات الخاصة بالاستثمار البشري، فضلا عن وجود رؤية واضحة لذلك. على الجانب الآخر، كان صباح أمس ساخنا، حيث شهد جلسة الأمن المائي والغذائي التي أدارها وزير الزراعة وحضرها وزير المياه، وحاولت دراسة المنتدى الوصول إلى حقائق وحلول للمشكلة دون الدخول في حقول ألغام الطرفين. على الجانب المالي كانت الجلسة الثالثة التي خصصت للتحديات التي تواجه المصارف السعودية في ظل الأزمة العالمية هادئة ومليئة بالأرقام والرسومات، وأثار خلالها الاقتصادي مطشر المرشد قضية مهمة تتعلق باحتكار جهات معينة لمسائل التمويل، حيث تسيطر على البنوك. وطالب بحل عاجل لهذه المشكلة لضمان عدم تأثر الاقتصاد المحلي. وتطرق سعيد الشيخ وهو خبير مصرفي معروف إلى ارتفاع احتياطيات البنوك السعودية التي بات تخوفها من التمويل ظاهرا، وقدر الشيخ حجم المشاريع التي أرجئ تنفيذها بسبب نقص التمويل بنحو 39 مليار ريال. جلسات منتدى الرياض أمس كانت مليئة بالحيوية والدقة والشفافية وأضفى عليها المبنى الجديد مركز الرياض للمعارض رونقا جميلا حيث بدا بحلة مميزة واتساع لافت. فريق ''الاقتصادية'' تابع أمس الفعاليات وخرج بالتغطية التالية .. فإلى التفاصيل:
#2#
تحولت جلسة الاستثمار في الموارد البشرية البارحة الأولى إلى ما يشبه النقد الذاتي العنيف على إثر انتهاء المحاضر الدكتور إبراهيم القعيد من تقديم الدراسة التي تبناها منتدى الرياض الاقتصادي. وفيما أثارت الدراسة نقاشا في القاعتين النسائية والرجالية على حد سواء، بدا أنها حركت أشياء دفينة داخل صدور بعض الحضور وخاصة ممن كانوا أو ما زالوا في مجلس الشورى الذي تركزت مداخلاتهم على التساؤل عن مصير توصيات وقرارات تصب في ذات اتجاه الدراسة وتم تجاهلها من قبل الجهات التنفيذية.
وقال الدكتور عبد الرحمن الزامل عضو مجلس الشورى في مداخلة مطولة إن المجلس رفع دراسة إلى المقام السامي تهدف إلى تحمل الدولة تكاليف الدراسة في الجامعات الأهلية، وأن البيروقراطيين ''قتلوها'' حيث حصرت بعشرة آلاف طالب والمبالغ بعشرين ألف ريال. وجاء إيراد هذه المداخلة على إثر توصية في الدراسة إلى الهدر المالي الكبير الذي يتسبب فيه الرسوب والتسرب من الدراسة.
ومثل الزامل تداخل عبد المحسن الزكري وهو عضو سابق في مجلس الشورى وتطرق إلى توصية رفعها الشورى تتعلق بضرورة تحمل الدولة تكاليف الدراسة في المدارس الأهلية مع رفع كفاءتها، وهي توصية لم تطبق. وجاءت مداخلة العضو الثالث في مجلس الشورى مختلفة حيث جاء في مداخلة الدكتور عيد الشمري وهو عضو سابق في المجلس مختلفة وتساءل عن جدوى إلقاء اللائمة على الجهات الحكومية مثل التربية أو غيرها في حين لم توجد استراتيجية للاستثمار في رأس المال البشري، فضلا عن أنه لا توجد جهة مسؤولة عن تطبيق هذا الهدف.
وعاد الزامل للقول إن هذه الدراسة إدانة كبيرة للطبقة المثقفة المسؤولة عن تطبيق خطط الميزانيات المختلفة للدولة، لأنها فشلت فشلا ذريعا – على حد وصفه.
ولم تقتصر المداخلات على الرجال إذ انتقدت مداخلة من القسم النسائي فقرة في التوصيات تستهدف إدخال 50 في المائة من الأطفال في السعودية إلى رياض الأطفال في عام 1450هـ وقالت إن هذه التوصية غير فعالة وإن استهداف هذه الأرقام غير مجد حاليا حيث يتطور العالم كل دقيقة. وهي تطالب على ما يبدو بإطلاق مشروع شامل لرياض الأطفال خاصة أن الدراسة رأت أن من أسباب تعثر نجاح الاستثمار في رأس المال البشري إهمال رياض الأطفال حيث لا يدرس حاليا فيها سوى أقل من 5 في المائة. وقال الجوهرة العطيشان – سيدة أعمال – إن المناهج تفتقر إلى تشجيع الحرف والعمل الحر، كما أنها لا تدعو ولا تشجع المبادرة التي يجب أن ترافق الأطفال منذ سنوات الدراسة الأولى.
من جانبه قال المحاضر الدكتور القعيد إن دراسة الاستثمار في رأس المال البشري واقتصاد المعرفة التي يتناولها منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الرابعة تعد من أبرز الدراسات التي تسعى إلى تحليل أسباب قصور فاعلية الاستثمار في رأس المال البشري، وإلى طرح رؤية مستقبلية لتفعيل دوره في بناء الركائز الأساسية التي من شأنها تسريع انتقال المملكة إلى الاقتصاد المعرفي في مدى زمني مناسب (1430 – 1450هـ).
وتناول تحليل الوضع الراهن للاستثمارات في مجال تنمية رأس المال البشري من منظور الفاعلية والكفاءة وتقويمه، حيث كشفت دراسته عن التواضع النسبي لمساهمة التنمية البشرية في النمو الاقتصادي حيث لم تتجاوز 7 في المائة، في حين أنها تزيد على 20 في المائة في كثيرٍ من الدول الصناعية المتقدّمة والاقتصاديات الناشئة التي ترغب في الانطلاق في رحاب اقتصاد المعرفة.
وأظهرت نتائج الدراسة التي عرضها أن مساهمة الإنتاجية الكلية للعناصر في النمو الاقتصادي جاءت سلبية، بنسب مساهمة تراوحت ما بين -14 في المائة و-24 في المائة، وأنه خلال الفترة (1975 – 2007م) التي بلغ خلالها معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 6.8 في المائة - كانت مشاركة رأس المال بنحو 5.2 نقطة مئوية، والعمل بنحو 2.6 نقطة مئوية، بينما ساهمت الإنتاجية الكلية للعناصر بصورة سالبة بنحو نقطة مئوية واحدة، وهو ما يعكس استمرار اعتماد المملكة – بدرجة كبيرة – على تراكم رأس المال المادي في النهوض بالقدرات الإنتاجية وفي تواصل معدلات النمو الاقتصادي. وأبرز الباحث ضَعف العلاقة الارتباطية بين المستوى التعليمي للقوى العاملة والإنتاجية المتوسطة بوجهٍ عام (باستثناء القطاع النفطي)، وأشارت التقديرات إلى عدم حدوث تحسّن ملموس في إنتاجية العمل على امتداد الفترة (1999 – 2008م)، سواء في القطاع الخاص غير النفطي أو القطاع الحكومي.
وأوضح التحليل الوارد في الدراسة قصور كفاءة منظومة التنمية البشرية بأبعادها المختلفة، وبصفةٍ خاصة الكفاءة الداخلية والخارجية لمنظومة التعليم والتدريب، فعلى الرغم من تخصيص نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وما يعادل 25 في المائة من الميزانية العامة للدولة للإنفاق على التنمية البشرية ــ وهي نسب مرتفعة بالمقاييس العالمية ــ إلا أن كفاءة الاستثمار في رأس المال البشري لم ترتق بعد إلى المستوى المنشود. وأرجعت الدراسة جوهر المشكلة – بالدرجة الأولى – إلى النمط السائد لتوزيع الاعتمادات المالية بين أوجه الإنفاق على تنمية الموارد البشرية، الذي يركز على اعتبارات «الكم» قبل «الكيف» ويعاني اختلالات كبيرة أثرت سلباً في الركائز الأساسية لبناء الاقتصاد المعرفي، وحالت بالتالي دون التقدّم السريع للمملكة في تدعيم هذا البناء. وفي مجال التعليم والتعلّم والتدريب بينت الدراسة تُوجّه أغلب الاعتمادات الحكومية للتعليم العام والعالي وعلى حساب التدريب التقني العالي والمتوسط، وهو ما يأتي انعكاساً للهيكل التعليمي حيث لا تتعدى نسبة الطلبة المقيّدين في التدريب التقني 8 في المائة من إجمالي المقيّدين في التعليم العالي، وتتدنّى إلى أقل من 1 في المائة في حالة التدريب التقني المتوسط.
وعلى مستوى التعليم العام، أشارت الدراسة إلى أن هناك اختلالا واضحا في هيكل التعليم الثانوي لصالح الأقسام الأدبية والدراسات الشرعية، ويقابله اختلال آخر في هيكل التعليم العالي لصالح الدراسات الإنسانية والاجتماعية.
وكشفت الدراسة بالتفصيل عددا من الاختلالات الأخرى التي تعانيها منظومة التعليم والتعلّم والتدريب، كما كشفت الدراسة أن توزيع الاعتمادات الحكومية بين أبواب الميزانية يعكس استئثار الرواتب والأجور بالشطر الأكبر من ميزانيات وزارتي التعليم العام والتعليم الجامعي والعالي، وأكدت الدراسة ضعف علاقات الترابط بين جهود البحث العلمي والتطوير التقني ومسارات النمو الداعمة لاقتصاد المعرفة.
وأشارت الدراسة إلى أن الاختلالات في نظم التعليم أدت إلى انخفاض جودة العملية التعليمية التي ضاعف من حِدتها تقليدية المناهج الدراسية وأساليب التدريس ونظم تقويم الأداء ومحدودية تقنيات التعليم بوجهٍ عام، مبينة أن الاختلالات في ارتفاع معدلات التسرّب والرسوب وإعادة القيد وعدم توافق مُخرجات التعليم والتدريب والمراكز البحثية انعكست على احتياجات سوق العمل ومتطلبات الاقتصاد المعرفي من التخصّصات والمؤهّلات العلمية والخبرات المهنية والتقنية، مما أدى إلى تنامي حجم الهدر المالي ومشاكل البطالة والإنتاجية المنخفضة للعمل.
وقدّرت الدراسة الفاقد المالي الناجم عن الرسوب بنحو أربعة مليارات ريال، وعن التسرّب بنحو 12.8 مليار ريال، بما يعادل 23 في المائة من جملة المخصّصات المالية المقرّرة للتعليم العام (1427/1428هـ)، كما قدّرت الفاقد المالي المترتب على بطالة المتعلّمين في سوق العمل بنحو 170 مليار ريال عام 1428/1429هـ، وهو ما يفوق الاعتمادات المالية للتعليم في العام نفسه والبالغ قدره 105 مليارات ريال. وكذلك أوضحت الدراسة جسامة الأمر بالنسبة للإناث، حيث يصل الفاقد في حالة المتعطلات الحاصلات على شهادة البكالوريوس أو الليسانس إلى نحو 83 مليار ريال. وبرغم تعادل نصيب الذكور والإناث من الإنفاق العام على التعليم إلا أن معدل البطالة يصل إلى نحو 25 في المائة في حالة الإناث مقابل 7 في المائة فقط في حالة الذكور، دلالة على ضخامة الهدر المالي الناجم عن تعطل الإناث بعد إتمامهن مراحل التعليم. ودعت الدراسة إلى أهمية تبنّي منهج التوافق الاجتماعي لبناء مجتمع المعرفة من خلال مشاركة جميع كيانات المجتمع بما يمكّن من إحداث تغيير جذري في الاتجاهات الفكرية والقيم السلوكية وبما ينمّي الإدراك الواعي والشديد بالحاجة إلى الإنجاز ويوفر الإرادة القوية للتغيير والتحرّك الفاعل صوب الاقتصاد المعرفي مشيرة إلى أهمية التراكم المعرفي – وليس التراكم الكمي لعناصر الإنتاج أو الموارد العينية ــ في دفع عجلة النمو وتنويع الهيكل الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. وطالبت الدراسة باتساع مفهوم الاستثمار في تنمية رأس المال البشري لتشمل عناصره صور الإنفاق على التعلّم كافة ــ بجانب التعليم العام والجامعي ــ كالتعلّم طوال الحياة والتعلّم التقني والتعليم الإلكتروني والتعلّم عن بُعد والتدريب المهني، إضافة إلى الإنفاق على البحث والتطوير والابتكار، والإنفاق على العلوم وتقنية المعلومات والاتصالات وضرورة تكثيف الجهود التنموية على جميع الركائز والمحاور الأساسية للاقتصاد المعرفي لتسريع الانتقال المتوازن مع مراعاة التركيز على محور «التعليم» قبل كل شيء باعتباره المدخل الرئيس لتنمية الموارد البشرية. ودعت الدراسة إلى ضرورة وجود هيئة عليا أو مجلس أعلى للاقتصاد المعرفي تكون له من الاختصاصات أو السلطات ما يُمكنه من طرح الرؤية الاستراتيجية وما يتبعها من سياسات وخطط، ومن إصدار القرارات وإنفاذها عملاً، وبما يضمن تضافر الجهود والتنسيق المستمر بين أصحاب المصلحة مع تأكيد المسؤولية المشتركة لجميع أصحاب المصلحة في بناء الاقتصاد المعرفي، مع مراعاة أن تكون الريادة للقطاع الحكومي من خلال دوره في توفير الأُطُر التنظيمية والإشرافية والاعتمادات المالية لإقامة البنية الأساسية والإنفاق على التعليم والمراكز البحثية، مع إشراك قطاع الأعمال الخاص وتنظيمات المجتمع المعرفي ــ بصورة فاعلة ومتزايدة ــ في منظومة الاستثمار في رأس المال البشري.