هدر كبير ومتراكم للموارد المائية وغياب التخطيط الاستراتيجي طويل المدى

هدر كبير ومتراكم للموارد المائية وغياب التخطيط الاستراتيجي طويل المدى

تهدف دراسة الأمن المائي والغذائي والتنمية المستدامة في المملكة، إلى دراسة مصادر العرض والطلب على الموارد المائية المتاحة والمستخدمة في كافة أنحاء المملكة، ودراسة الإنتاج والاستهلاك والواردات والصادرات لأهم السلع الزراعية الاستراتيجية مع تحديد نسبة الاكتفاء الذاتي المتحققة، فضلا عن استعراض تجارب الدول الأخرى في مجال الأمن المائي للاستفادة من الأساليب المستخدمة لترشيد وتنمية الموارد المائية بما في ذلك الموارد غير التقليدية ومقارنة ذلك بالمملكة وكذلك الحال بالنسبة لتجارب الأمن الغذائي.
كما سعت الدراسة إلى تحديد الميزة النسبية لإنتاج المحاصيل السائدة حالياً في التركيب المحصولي لمختلف المناطق الإنتاجية بالمملكة، وتقدير الإنتاجية الجزئية والعائد الاقتصادي لوحدة المياه المستخدمة في مختلف الأنشطة الإنتاجية الزراعية في عام 2007م، بالإضافة إلى التوصل للتركيب المحصولي الأوفق على مستوى المملكة للوصول إلى اقتراح عدد من التوصيات اللازمة والكفيلة بتحقيق التوازن بين اعتبارات الأمن المائي والغذائي والتنمية المستدامة.
وذلك في ظل ما تعانيه المملكة من قلة مياه الأمطار وعدم وجود أنهار جارية كما تقع في منطقة جافة وصحراوية المناخ، وعليه فإن المياه تعد هي المورد الأكثر تقييداً أو تحديداً للإنتاج أو التنمية الزراعية بالمملكة بوجه خاص، وإن اعتماد الزراعة السعودية على المياه الجوفية القابلة للنضوب، التي تكونت بفعل التراكم عبر آلاف السنين،وما صاحب ذلك من زيادة معدلات السحب السنوي من المخزون المائي عن معدلات الاستعاضة للمياه المسحوبة،قد ساهما في حدوث تعارض واضح بين اعتبارات كل من الأمن المائي والغذائي والتنمية المستدامة.

مشكلة الدراسة

صاحب السياسة التوسعية الطموحة وغير المحدودة بالقطاع الزراعي وذلك خلال العقود الثلاثة الماضية، حدوث اختلال للتوازن بين اعتبارات الأمن المائي والغذائي والتنمية المستدامة ومن أهم هذه السياسات، سياسة التوسع الزراعي الأفقي، وسياسة تحقيق الأمن الغذائي بتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل محلياً من بعض السلع الزراعية، فضلاً عن غياب وجود سياسة لتسعير المياه بوصفه سلعة اقتصادية نادرة في ظل ظروف المملكة،وسياسات الدعم والإقراض للقطاع الزراعي، وهو ما نجم عنه سيادة أوضاع لا تتوافق مع اعتبارات الميزة النسبية أو التخصص الإنتاجي أو التخصيص الأمثل للموارد المائية، وقد نجم عن تلك السياسات السابقة حدوث هدر كبير وواضح ومتراكم عبر الزمن،سواء أكان بالموارد المائية أم الأرضية أم الرأسمالية أو العمالية.

سياسة انكماشية

وقد تبنى مجلس الوزراء الاتجاه إلى سياسة انكماشية بصفة عامة في المنتجات الزراعية، وفي إنتاج القمح بصفة خاصة، الذي كان إنتاجه المحلي قد تجاوز معدلات تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل بثلاثة أضعاف (300 في المائة) إلى أن صدر قرار إيقاف زراعة القمح تدريجياً، ذلك خلال مدة أقصاها ثماني سنوات وبمتوسط معدل انخفاض قدره 12.5 في المائة سنوياً، لتصبح بعدها نسبة الاكتفاء الذاتي المتحققة بمحصول القمح في عام 1437هـ مساوية إلى (صفراً في المائة).
وعليه فإن المشكلة الرئيسة في هذه الدراسة تتمثل في وجود خلل متراكم في إدارة الموارد المائية بالمملكة وغياب التخطيط الاستراتيجي طويل المدى لمورد المياه.
وبذلك فإن الدراسة الحالية تستهدف تقويم الوضع الراهن للمياه بالمملكة بصفة عامة، وبالقطاع الزراعي بصفة خاصة، من أجل اقتراح التوصيات اللازمة لتحقيق التوازن بين اعتبارات كل من الأمن المائي والغذائي والتنمية المستدامة معاً وفي الوقت نفسه.

معوقات الدراسة

ومن أهم العقبات التي واجهت الباحثين عند إعداد هذه الدراسة عدم توافر البيانات والمعلومات الحديثة والدقيقة والتفصيلية عن أرصدة المياه المتاحة للزراعة بمختلف مناطق المملكة وما يرتبط بها من بيانات مثل المقننات المائية للمحاصيل الزراعية بمختلف المناطق الإنتاجية، وعليه فإن استخدام نموذج للبرمجة الخطية من أجل تحديد كمية المياه المستهلكة بالتركيب المحصولي الراهن بمختلف المناطق لم يكن في متناول الباحثين عند إعداد الدراسة ، وكان الحل البديل تحت هذه الظروف هو استخدام نموذج تقريبي(PROXY) للمشكلة وهو نموذج لمعظمة العائد من وحده المياه المستخدمة.

نتائج عن الموارد المائية الحالية

وتبلغ كمية هذه المياه التي تشمل الموارد التقليدية والمياه السطحية والمياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة كمصدر سنوي نحو 2000 مليون متر مكعب. ويستغل منها مباشرة عن طريق السدود نحو 950 مليون متر مكعب عام 1430هـ. وهناك مجال لزيادة هذه الكمية إلى نحو 1500 مليون متر مكعب عام 1445? وذلك بإنشاء المزيد من السدود في المستقبل. أما المياه الجوفية المتجددة وهي المياه التي تتأثر إيجاباً بعد هطول الأمطار نتيجة لتغذيتها بمياه السيول. وتقدر كميات المياه التي تغذي هذه الطبقات الرسوبية بنحو 2940 مليون متر مكعب في السنة. أما المياه الجوفية العميقة وهي المياه التي اختزنت في باطن الأرض منذ آلاف السنين على أعماق بعيدة قد تصل إلى آلاف الأمتار وتوجد في طبقات جيولوجية متعاقبة ولها امتداد أفقي واسع. وتقدر تغذيتها السنوية بنحو مليوني متر مكعب. وهناك تقديرات أخرى تشير إلى أن الاحتياطي المحتمل للتكوينات الرئيسة بلغ نحو 565 مليار متر مكعب، وإذا أضيف لذلك التقديرات المؤكدة للطبقات الثانوية، التي تم تقديرها بنحو 162.5 مليار متر مكعب، فيكون الاحتياطي الإجمالي المحتمل هو 727.5 مليار متر مكعب, وهذه الأرقام تتعارض مع التقديرات الواردة بخطة التنمية الرابعة عن مخزون المياه الجوفية المؤكدة بنحو 500مليون متر مكعب عام 1980. وبغض النظر عن كمية المياه غير المتجددة المتوافرة والتي يصعب تقديرها حالياً فإن تحقيق هدف التنمية المستدامة يتطلب سرعة تخفيض الاعتماد على تلك الموارد والاحتفاظ بها كاحتياطي استراتيجي للمستقبل.
واستعرضت الدراسة الموارد غير التقليدية من مياه البحر المحلاة ومياه الصرف الصحي المعالجة. وقد وفرت محطات التحلية نحو 2.92 مليون متر مكعب يومياً عام 1424/1425? وهذه الكمية تمثل نحو 50 في المائة من إجمالي استهلاك المياه على مستوى المملكة، أما في المدن الرئيسة فقد تصل هذه النسبة إلى نحو 90 في المائة كما في مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة والطائف، ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي إنتاج محطات التحلية 2144 مليون متر مكعب عام 1445?. أما بالنسبة لمياه الصرف الصحي المعالجة فستزداد أهمية هذه المياه واستغلالها مستقبلاً، إذ تم التركيز في السنوات الأخيرة على ضرورة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة للأغراض الزراعية على أن تقوم الجهات ذات العلاقة برفع كفاءة درجة معالجة هذه النوعية من المياه إلى الدرجة الثلاثية وذلك وفق برنامج زمني محدد، وذلك لتعظيم الفائدة من هذه المياه بوصفها مصدراً جديداً لزيادة عرض المياه في المناطق. وتوقعت الدراسة أن تصل كمية مياه الصرف الصحي المعالجة إلى 1408ملايين متر مكعب عام 1445هـ.

استهلاك المياه الحالي في كافة القطاعات المستهلكة

أوضحت الدراسة أن نمط التركيب المحصولي السائد خلال متوسط الفترة (2003- 2007م)، بين أن الحبوب احتلت المرتبة الأولى في هيكل التركيب المحصولي في المملكة، إذ بلغ متوسط مساحة الحبوب نحو 640.19 ألف هكتار، يمثل 56.71 في المائة من متوسط المساحة المحصولية البالغة 1128.92 ألف هكتار خلال الفترة نفسها، في حين احتلت الفاكهة المرتبة الثانية، بنسبة بلغت 19.07 في المائة، تليها الأعلاف والخضراوات، بنسب بلغت 14.25 في المائة، 9.97 في المائة على التوالي.
وأكدت الدراسة أنه في ضوء الاحتياجات المائية للوحدة الأرضية (الهكتار) ومتوسط المساحة المزروعة قدرت كمية الموارد المائية المستخدمة بنحو 17.019 مليار متر مكعب، استهلكت محاصيل الحبوب منها نحو 6.118 مليار متر مكعب، بنسبة تبلغ 35.95 في المائة ثم تلاها محاصيل الفاكهة بنسبة تبلغ 33.49 في المائة ثم الأعلاف والخضروات بنسب بلغت 25.4 في المائة، 5.16 في المائة على التوالي خلال الفترة نفسها.
وأشارت الدراسة إلى ازدياد استهلاك المياه في الأغراض البلدية من 1388 مليون متر مكعب عام 1415هـ إلى نحو 2479 مليون متر مكعب عام 1430هـ، متوقعة أن تزداد إلى نحو 3591 مليون متر مكعب عام 1445?. كما زاد استهلاك المياه في الأغراض الصناعية من 400 مليون متر مكعب عام 1415هـ، إلى 800 مليون متر مكعب عام 1430هــ، ومتوقعة أن يزداد إلى نحو 1280 مليون متر مكعب عام 1445هـ. أما بالنسبة لاستهلاك المياه بالقطاع الزارعي فأشارت إلى أنه من المتوقع أن يتناقص حجم الاستهلاك الكلي له بفعل القرار (335) وخطة الترشيد التي تتبناها الدولة.
ودعت الدراسة إلى ضرورة ترشيد المياه باستخدام نظام الري بالرش والتنقيط، لتقليل استهلاك المياه إلى جانب تغطية قنوات الري الكبيرة المكشوفة، وتبطينها واستخدام أجهزة قياس الرطوبة في التربة لتحديد مواعيد الري. إضافة إلى غير ذلك من وسائل الترشيد الأخرى، كما يجب التركيز في المملكة على استخدام البيوت المحمية في الزراعة التي تحقق كفاءة عالية في استخدام وحده المياه.

الأكثر قراءة