لا يوجد نظام في المملكة يحكم عمليات البنوك.. تخضع للعرض المصرفي
تعدّ الأنظمة التجارية من الركائز الأساسية لمتطلبات التنمية لأي دولة، وقد كانت هذه الأنظمة في الـ 50 سنة الأخيرة في المملكة موضع تعديلات عديدة ومهمة، طالت عديدا من الأنظمة التجارية إما بالإلغاء أو التعديل أو إصدار نظام جديد .. كما أن هذه الأنظمة تصبح في حاجة إلى أن تتجدد بشكل مستمر مع كل جديد اقتصادي لتساير هذه التطورات التي لا تعرف السكون ، في ظل اقتصاد المعلومات ، وثورة الإلكترونيات، وثورة الاتصالات اللاسلكية ، والقنوات الفضائية،وغير ذلك. ما جعل القائمين على وضع الأنظمة في العالم يبذلون جهوداً كبيرة لتطوير أحكام الأنظمة التجارية وتحديثها وتطويرها وإدخال التعديلات عليها لكي تتوافق مع متطلبات التنمية وتطور القطاع التجاري.
وتأتي أهمية دراسة الأنظمة التجارية السعودية ومتطلبات التنمية في المملكة تمشياً مع النهضة التشريعية الشاملة في المملكة ،وكون هذه الأنظمة أداة للوفاء بمتطلبات المستثمرين الوطني والأجنبي في علاقتهما بالتجارة الداخلية والخارجية ، كما تأتي في الوقت الذي يشهد فيه العالم سباقاً لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوطين الرساميل المحلية.
كما تأتي أهميتها كذلك نظرا لحاجة قطاع الأعمال إلى نقل صورة واضحة لمتخذ القرار في المملكة عن واقع الأنظمة التجارية، وجوانب القصور فيها، والرؤية نحو تطويرها وفقاً لأحدث الأنظمة التجارية العربية والأجنبية مع مراعاة الأسس التي تقوم عليها الأنظمة في المملكة في عدم تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى تحليل واقع الأنظمة التجارية السعودية الحالية من حيث تعارض بعضها مع بعضها الآخر أو عدمه، وخضوعها لسلطة القضاء التجاري أو الإداري في ظل الإصلاحات الحديثة التي طالت مرافق القضاء إلى جانب تغطيتها جميع العمليات التجارية التقليدية والحديثة.
كما تهدف الدراسة إلى مقارنة الأنظمة التجارية السعودية بالقوانين التجارية للدول الأخرى، وعلى وجه الخصوص القوانين التجارية الخليجية, واقتراح تعديل أو تحديث ما يلزم منها على ضوء نتائج تحليل واقعها, وتحديد أنظمة أخرى خلت منها المنظومة الحالية للأنظمة التجارية السعودية, كي تستجيب لمتطلبات التنمية, والاتفاقيات الدولية, واتجاه دول مجلس التعاون نحو السوق الخليجية المشتركة، ودراسة مدى إمكانية توحيد الأنظمة التجارية في نظام تجاري موحد, يضمن عدم التضارب والتعارض بين أحكامها، ويخضع النصوص المنظمة للعمليات التجارية كافة لرقابة القضاء,ويزيل تنازع الاختصاص بين الوزارات المعنية والهيئات المنظمة للقطاعات, وتطوير نظام التحكيم بوصفه وسيلة من وسائل فض المنازعات التجارية, ويقنن ما لم يتم تنظيمه في مجال التجارة، كالمعاملات التجارية المصرفية التقليدية والحديثة, وما استجد من الأنشطة التجارية كالتجارة الإلكترونية على سبيل المثال.
منهجية الدراسة
تقوم منهجية الدراسة على استخدام المنهج الوثائقي التحليلي الذي يعتمد على الاطلاع على الأنظمة واللوائح والقرارات والاتفاقيات والدراسات والأبحاث والتقارير والمواقع الإلكترونية والكتب ذات العلاقة ، وتحليل الواقع في المملكة والمنهج الاستقصائي الذي يعتمد على استقصاء آراء المسؤولين والمهتمين بموضوع الدراسة من خلال توزيع استبانات على تلك الفئات لاستقصاء آراء عينة من مجتمع الدراسة، والاستفادة من تجارب الدول من خلال قوانينها المقارنة.
التطور التاريخي للأنظمة التجارية
استعرضت الدراسة التطور التاريخي للأنظمة التجارية والقضاء التجاري في المملكة مبينة أن أول تنظيم تجاري في السعودية كان مشروع «نظام المجلس التجاري «وقد صدر في عام 1345هـ عن مجلس التجارة في جدة، والثابت أنه عمل به لمدة قاربت السنوات الخمس خلال حكم الملك عبد العزيز, رحمه الله، وهو مقتبس من القوانين العثمانية المأخوذة بدورها من القانون التجاري الفرنسي الصادر عام 1807م ، ثم صدر نظام المحكمة التجارية ومع مرور الزمن, ونظرا لعدم مواكبته للتطورات في مجال التجارة تم إلغاء عديد من أحكامه وصدرت عديد من الأنظمة التجارية الجديدة منها نظام الملاحة الجوية وعدد من القوانين الأخرى.
وقد أظهرت دراسة التطور التاريخي للأنظمة التجارية في المملكة أن هذه الأنظمة التجارية المتناثرة يجمعها لدى الدول المختارة للمقارنة قانون واحد باسم قانون التجارة.
واقع الأنظمة التجارية السعودية، ونتائج الدراسة
تبين من خلال دراسة التطور التاريخي للأنظمة التجارية في المملكة أن نظام المحكمة التجارية هو أول نظام تجاري سعودي، لا تزال بعض أحكامه ساريةً حتى اليوم لكنه لم يعد صالحا للتطبيق لكثرة ما اجتزئ منه من أنظمة ، ولوجود نواقص تشريعية في جميع الموضوعات التي عالجها هذا النظام ، والتي ما زالت باقية،ولاندثار بعض مصطلحاته في هذا الزمن.
وبينت الدراسة أن الأنظمة التجارية المتعددة في المملكة لا تنطلق من فلسفة تشريعية واحده ، ولهذا التنوع أثره السلبي عند التطبيق والقضاء ، ولعل مرد ذلك عدم وجود نظام تجاري موحد ، وعدم وجود مدونة مدنية في المملكة تكون مرجعاً للأنظمة التجارية.
وكشفت أن هناك قصوراً في تنظيم الأحكام المتعلقة بالأعمال التجارية، والتاجر والدفاتر التجارية والسجل التجاري،والعقود التجارية المنظمة،وشهر الإفلاس،والصلح الواقي منه، والأوراق التجارية وأنها تحتاج إلى تحديث يتماشى مع التطورات الواردة في هذا الشأن.
كما بينت الدراسة عدم وجود تنظيم لأنواع من العقود مثل عقد البيع التجاري ، وعقد نقل التكنولوجيا ، ووضع تنظيم شامل وتفصيلي لعقد النقل البري، وعقد التوريد مشيرة أن نظام المحكمة التجارية لم يفرق بين ما هو لمرة واحدة أو على سبيل الاحتراف من الأعمال التجارية.
كما توصلت الدراسة إلى وجود فوارق كبيرة بين الأعمال التجارية وفقا لنظام المحكمة التجارية وما هي عليه الحال في التشريعات التجارية المقارنة تمثلت في قصور تشريعي في جانب الأعمال التجارية التي يجب أن تتواكب مع تطور الحياة التجارية داخل المملكة، وهو تطور تفرضه متطلبات التنمية.
وقامت الدراسة برصد ما يحتاج إلى صدور تشريعات حديثة استناداً إلى ما هي عليه الحال في التشريعات المقارنة حيث أكدت عدم وجود نظام في المملكة يحكم عمليات البنوك، مشيرة إلى أن ما يحكم عمليات البنوك في الوقت الحالي هو قواعد العرف المصرفي, وعدد من القرارات الوزارية والتعاميم الصادرة من وزارة المالية ومؤسسة النقد, وأنها أدرجت هذه القواعد في عقودها مع الأفراد وفي أعمالها من خلال عقود نموذجية تتفق في غالبها مع العقود القواعد الدولية السائدة في أعمال البنوك .
كما أشارت إلى قصور في تنظيم الوكالات التجارية والسمسرة المخازن العمومية،والعمليات الاستخراجية لموارد الثروة الطبيعية كالمناجم والمحاجر والنفط وغيرها ، وأعمال التوريد والتعهدات سواء تعلقت بالسلع أو بالخدمات، وعمليات التأمين وإعادة التأمين على اختلاف أنواعه وغيرها من المعاملات المماثلة.
وتوصلت الدراسة, ضمن النتائج التي توصلت إليها, إلى أن الموضوعات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية فيما يتعلق بشقها التجاري وضعت في أنظمة متناثرة ويحتاج الأمر تجميعها في نظام واحد.
ونوهت الدراسة إلى أن الأنظمة التجارية في المملكة لم تتضمن أحكام المحل التجاري والمنافسة غير المشروعة بين التجار ، وأن نظام التحكيم لا يعد صالحا للفصل في المنازعات التجارية كونه تحكيماً عاماً لا يراعي ما للتجارة من أحكام خاصة، فضلا عن إن هناك موضوعات تجارية لم تنظم بعد في المملكة ، ومنها مصادر القانون التجاري في المملكة.
وأكدت الدراسة أن هناك حاجة إلى تحديث وتطوير الأنظمة التجارية في المملكة وذلك بإضافة عديد من الأحكام إليها ، والحاجة كذلك إلى استكمال ما لم يتم تنظيمه وجمع كل ذلك في نظام تجاري واحد ، مع إبقاء بعضها بحسبما فصلته الدراسة وما ورد ضمن التوصيات خارج النظام التجاري.
وقالت الدراسة إن السجل التجاري لا يعد يمثل ضماناً يعول عليه في تحديد ملاءة المنشأة التجارية من قبل المتعاملين معها، وأن ثقة المتعاملين بالشيكات تتوقف على ثقتهم بالساحب لا على الشيك نفسه، كما إن الوصول إلى الحقوق عن طريق القضاء يحتاج إلى نحو سنتين بحسب قناعة الأكثرية.
وأشارت إلى أن الغالبية ممن شملتهم الدراسة يرون أن إجراءات وزارة التجارة ضد من يسحبون شيكات دون رصيد غير فعالة، وأنه يوجد في السوق شركات في حكم المفلسة ومع ذلك فهي لم تخضع إلى نظام الإفلاس.