المستحقون والمستفيدون ضحايا بعض المؤسسات الخيرية غير المنضبطة

المستحقون والمستفيدون ضحايا بعض المؤسسات الخيرية غير المنضبطة

أثار الدكتور محمد آل عباس في مقاله المنشور في صحيفة ''الاقتصادية'' العدد (5870) بتاريخ 18/11/1430هـ قضية غاية في الأهمية، وهي ما يتعلق بالعمل الخيري، وموضوع الجمع بين الثقة والحذر.
كان مقال الدكتور صدىً لما صرح به اللواء منصور التركي المتحدث الأمني بوزارة الداخلية، والذي يؤكد أهمية الحذر عند التبرع، ''لكن دون أن نفقد الثقة بالعمل الخيري''.
وقد كان مقال الدكتور محمد آل عباس مشتملاً على عدد من القضايا المهمة في العمل الخيري، والتبرعات للمؤسسات الخيرية، حيث تم القبض على رئيس مؤسسة خيرية رسمية.
كما أشار إلى أن القائمين على المؤسسات الخيرية هم الذين يعتمدون المشاريع الخيرية، وطريقة تمويلها، وقبول التبرعات، وفوق كل هذا فإنهم يعدون التقارير المالية، ويختارون ويعينون ويقيلون مراجع الحسابات، وهم من يدفع أتعابه!!
إن القائمين على بعض المؤسسات الخيرية يعملون بطريقة فردية وفق قناعاتهم الشخصية التي سيتبين بعد زمن - ربما ليس بقصير - أنهم لم يكونوا على طريقة صحيحة فيضطرون إلى تغيير أساليب العمل والتبرعات، وستكون سنوات عملهم السابق تجارب غير منضبطة، الخاسر فيها ليس مدير المؤسسة، بل العمل الخيري والمستحقون المستفيدون من قيام هذه المؤسسات الخيرية وأساس وجودها.
إن غياب الرقابة على المؤسسات الخيرية أدى إلى وجود تجاوزات في بعض هذه المؤسسات، لاسيما مع وجود الفردية لدى مديري هذه المؤسسات، مما أضر بسمعة المؤسسات الأخرى القائمة على أساس إداري وتنظيمي ومحاسبي واضح.
إن مديري بعض المؤسسات الخيرية لا يمكن تغييرهم أو إبعادهم حتى من مجلس الإدارة أو ما يسمى مجلس الأمناء، لأنهم فرضوا أنفسهم بأساليب متعددة، فهم المتصرفون بالأموال والتبرعات وطرق الدعم وغيرها، أصبحت هذه المؤسسة التي يديرها تعطيه القوة في مواجهة المسؤولين بالمؤسسة من خلال علاقات مدير المؤسسة بالمتبرعين أو الجهات الرسمية، حتى أصبحت كلمته مسموعة، مما أضعف دور مجلس الإدارة أو مجلس الأمناء، الذي أصبح وجوده صورياً، فلا يتخذ قرارات ولا يقر استراتيجيات، بل يعجز عن تغيير مدير المؤسسة مهما كثرت أخطاؤه.
إن عدم وجود المرجعية عند المؤسسات الخيرية تسبب في وجود العديد من الأخطاء، فلا يدرى هل المسؤول هو وزارة الشؤون الإسلامية، أم وزارة الشؤون الاجتماعية؟ بل إن بعض المؤسسات استطاعت التحرر من سيطرة هاتين الوزارتين حتى تتحرر من الرقابة وفرض ضوابط تقيد عمل هذه المؤسسات، بحيث تكون تابعة لبعض الجهات المستقلة عن هاتين الوزارتين، وهي جهات لا تملك الكفاءات أو الجهاز الإداري المتكامل الذي يحقق مسألة الرقابة والمتابعة.
إن السؤال الأهم الذي أثاره كاتب المقال هو من يختار مجلس الإدارة في المؤسسات الخيرية؟ ومن ينتخبهم؟ ما الشروط الواجبة فيمن يقوم بمهام رئيس مجلس الإدارة؟ هل هناك لجان مراجعة داخلية؟ لمن يوجه تقرير مراجع الحسابات ..إلخ.
إن الوضع المحاسبي في بعض المؤسسات الخيرية ضعيف وهش، فيعين مكتب محاسبي ضعيف بمبلغ ضئيل لمجرد استيفاء شرط تعيين مكتب محاسبي، وربما يقتصر دوره على الختم والمصادقة.
ومدير المؤسسة هو الذي يرشحه ويستبعده بدون الرجوع إلى مجلس الإدارة أو مجلس الأمناء، وهو الذي يدفع له، ويعمل تحت إدارته وتوجيهه، كذلك لا يوجد مراجع داخلي لأعمال الرقابة الداخلية مستقل عن المدير التنفيذي، والذي من المفترض وجوده في كل مؤسسة خيرية، ويكون مرجعه مجلس الإدارة لا المدير التنفيذي.
إن وجود بعض القائمين على المؤسسات الخيرية سنوات طويلة، ربما تغير خلالها عدة وزراء لوزارة واحدة وهو باقٍ في إدارته للمؤسسة الخيرية هو دليل ضعف لهذه المؤسسات.
وفي الحديث عن هذه المؤسسات الخيرية يجب التفريق بين المؤسسات الخيرية العائلية، والمؤسسات الخيرية الأخرى، ففي الأولى يزيد الضبط لكونها أموالاً عائلية، وإن كان بعضها يدار بطريقة غير مهنية، أما المؤسسات الخيرية غير العائلية فيها التجاوزات والفردية والارتجال في القرارات، بل ويكتنف بعضها الغموض.
إن سعي بعض القائمين على مؤسسات خيرية ''فردية'' إلى أن يكون نشاط تلك المؤسسة في الخارج هو سعي لدى بعضهم في الابتعاد عن الرقابة ومعرفة ما يقومون به من أعمال بعيداً عن الأنظار، بل وصل الأمر ببعض مسؤولي تلك المؤسسات إلى التحايل على الأنظمة، سواء أنظمة الدولة، أو أنظمة الرقابة، وذلك بإيداع مبالغ كبيرة في حساباتهم الشخصية، أو إفراغ عقارات تصل قيمتها إلى مئات الملايين بأسمائهم الشخصية، والأخطر أن منهم من يفاوض بعض أصحاب الأموال بتسليمهم الأموال في الداخل على أن يسلموها لهم في دول خارجية، وما زالت كذلك حتى بعد تصريح المتحدث الرسمي؟!!
إن بعض القائمين على المؤسسات الخيرية تحولوا من أنصاف متعلمين إلى مشايخ أو وضعوا حرف الدال أمام أسمائهم لإضفاء قيمة شرعية واجتماعية، وتحولوا من متوسطي الحال إلى أغنياء وأصحاب ثروات في سنوات قليلة!! أليس من العدل وضبط أمور العمل الخيري مراجعة الحسابات الشخصية لهؤلاء لمعرفة مدى التجاوز؟
إن التجاوز ليس فقط في دعم الإرهاب، وهو بلا شك جريمة، ولكن اختلاس الأموال المخصصة للعمل الخيري هو أيضاً جريمة، في حق الدولة والمجتمع والمتبرعين، فلماذا لا يحاسب من تجاوز بالتلاعب والاختلاس؟!
إذن فمن المفترض أن تكون جميع المؤسسات الخيرية تابعة بشكل مباشر إلى وزارة الشؤون الإسلامية إذا كان نشاطها دعوياً، وإلى وزارة الشؤون الاجتماعية إذا كان عملها مجتمعياً، وأن تقوم الوزارة بتعيين محاسب معتمد ذي خبرة لإصدار الميزانيات، وتعيين مراجع داخلي يرفع تقريره لمجلس الإدارة، وأن ترفع التقارير إلى جهة مختصة لدى الوزارة، ويمكن الاستعانة ببيوت الخبرة المالية للمراجعة.
وكذلك فمن الأفضل ألا يستمر مدير المؤسسة أكثر من أربع سنوات أسوة بالوزراء، وأن يكون هناك مجلس إدارة منتخب، على أن يكون من ضمنهم ممثل للوزارة للإطلاع على أعمال المؤسسة، ومن الأفضل إدخال رجال أعمال في مجالس تلك المؤسسات ليكون العمل احترافياً، فإن كثيراً من أعمال تلك المؤسسات هو عمل استثماري، سواء بشراء العقارات أو بنائها أو الاستثمارات التي تحقق المصلحة لتلك المؤسسات، لاسيما أن هناك أوقافاً واستثمارات خيرية لا يتجاوز العائد فيها أكثر من 2 في المائة.
وقد قامت بعض الجهات الخيرية بالاستعانة بعدد من المختصين في مجالات الاستثمار لتطوير مواردها واستثمار أموالها بالشكل الصحيح، فحققت نتائج جيدة تحقق النمو لهذه المؤسسات والاستثمارات.
إن قيام عدد من رجال الأعمال والأثرياء في هذا البلد بوقف الأوقاف الضخمة هو دليل خيرية في أبناء هذا البلد، وحب لأعمال الخير، وحرص الناس على مختلف مستوياتهم على الصدقة والتبرعات مما يوجب على الدولة وضع لوائح وضوابط صارمة ونظام مالي صارم وإيجاد الرقابة التي تجعل الناس يثقون بالمؤسسات الخيرية بعد أن أحجم كثيرون عن التبرعات لفقدان الثقة والخوف من عدم وصول التبرعات إلى مستحقيها.
إن إعادة الثقة لا تكون بتصريح من المتحدث الرسمي أو غيره، بل تكون بوضع الأنظمة الصارمة وتعيين الأكفاء، والإفصاح والشفافية فيما يتعلق بالأمور المالية، وهذا هو المؤمل ولعله يرى النور قريباً، أما الحوكمة في المؤسسات الخيرية فهي حلم في ظل الوضع الراهن.

طارق بن زيد الفياض
مهندس استشاري
عضو مؤسسة الدعوة الصحفية الإسلامية
نائب رئيس لجنة الاستثمار في الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في الرياض
نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية للخدمات الهندسية

الأكثر قراءة