عندما سألني صاحبي الأمريكي: أين المزارع السعودي؟
كنت كثير الفخر أمام أصدقائي الأجانب بمنطقتي الزراعية في المملكة، وإنها أكبر واحة في تلك البقعة من الأرض الصحراوية، وإن الأهالي منذ نعومة أظفارهم وهم يعملون بالزراعة وينتجون أفخر أنواع التمور، وكثيرا من الثمار ذات الجودة العالية, عندها طلب مني صديق أمريكي مختص في دراسة المجتمعات الزراعية الحديثة والقديمة أن أصاحبه في زيارة بحثية لمدينتي الزراعية التي أكثر الحديث عنها كنموذج للمجتمعات الزراعية القديمة والحديثة، تقدمنا للقنصلية السعودية التي رحبت بالفكرة وأصدرت التأشيرة المطلوبة لصديقي الأمريكي.
انطلقنا إلى مطار المنطقة الإقليمي ثم بالسيارة إلى المنطقة الزراعية التي أقصدها وبعد استراحة ليوم توجهنا إلى منطقة المزارع لإلقاء نظرة عابرة بصحبة أحد المرافقين المختصين فزرنا إحدى مزارع النخيل الكبيرة وكنت محرجا بعض الشيء أنني نقلت لذلك الأمريكي أن المزارعين هم من أبناء البلد لكن الذي شاهده في تلك المزرعة وغيرها من المزارع أن المزارعين هم من العمالة الأجنبية، ثم انتقلنا إلى بعض مزارع الخضار ومزارع تربية الدواجن ومزارع تسمين المواشي، فلم نجد إلا الهندي أو البنغالي هم من يدير تلك المنظومات الزراعية بطريقة الملاك وأصحاب الأرض، وليس كأجراء, فطلب مني ذلك الدكتور أن يرى سعوديين مواطنين يمارسون العمل الزراعي بأيديهم، وليس بنغالا أشبعهم دراسة وبحثا في وطنهم الأصلي.
سألنا بعض العاملين الأجانب في هذه المزارع أين نجد سعوديين من بين تلك المزارع لنتحدث إليهم، فأشاروا إلينا إلى مزرعة على طرف الطريق ففرحت أنني سأريه بعض أبناء وطني يعملون في الزراعة لكن عندما ذهبنا وجدنا شبابا بملابس مهمله مجتمعين حول ليات الشيشة ويلعبون البلوت حيث كانت تلك استراحة لهم.
خرجنا من المزارع لأريه القرى والريف السعودي الجميل فوجدنا قرى قد تحولت إلى علب أسمنتية وأسوار كالقلاع حول البيوت غير المتعارف عليه في أرياف العالم التي تحيط بها الأسيجة الخضراء وبيوت من خامات المنطقة.
كان صاحبي يخطط للبقاء شهرا كاملا بين المزارعين والقرويين وفي سكك القرى والأرياف لكن الصدمة جعلته يختصر الرحلة إلى أسبوع واحد فقط ليتوجه بعدها إلى دبي المجاورة للاستراحة والاستجمام، ولكن قبل أن يغادر قال لي إن الأنشطة الزراعية التي يزاولها فئة معينة من المواطنين في أي مجتمع هي نوع من الأمن الغذائي الاستراتيجي لذلك المجتمع، أما أنتم فماذا لو غادركم هؤلاء المزارعون فمن سيعمر المزارع بدلا منهم؟ وقبل أن يدخل صالة المغادرة أشار لي بإصبعه وهو يهزه قائلا: اعلم يا صديقي أن أمنكم الغذائي في خطر!!!
وأتساءل هل حقا هو الحال الزراعي الذي شاهدناه؟ وزاد أحد الإخوة معلومة أخرى عن صيد السمك وتقلص أعداد السعوديين الذين يزاولونها، وطلب مني آخر أن أزور سوق المواشي وحظائر تربية الماشية لأرى كيف تدار بأيد غير وطنية، ما جعلني أردد قول ذلك الأمريكي (إن أمننا الغذائي في خطر).
عدد القراءات:: 138
* هذه المادة منتقاة من الإقتصادية الإلكترونية تم نشرها اليوم في النسخة الورقية