فظاعة أكثر من أي وقت مضى

فظاعة أكثر من أي وقت مضى

كانت هناك لحظة نادرة هذا الأسبوع في العاصمة الصومالية، مقديشو، حين سارت مجموعة من المتظاهرين عبر ساحل المدينة المدمر وأحرقت العلم الأسود لحركة شباب، الميليشيا الجهادية التي تهدد بالاستيلاء على الدولة. وتطارد حركة شباب منتقديها، وتقطع رؤوسهم أحيانا، لذا كان إحراق رايتهم في وضح النهار عملا شجاعا. ولكن ربما كانت هذه الشجاعة ناتجة من الخراب. فمعظم المتظاهرين هم من عائلات أو أصدقاء طلاب كلية الطب في جامعة بنادير الذين قتلوا في تفجير انتحاري في الثالث من كانون الأول (ديسمبر).
وليس هناك في الصومال حكومة فاعلة منذ 18 عاما. ومنذ عام 2007، تشير التقارير إلى مقتل 19 ألف صومالي مدني وتهجير 1.5 مليون شخص؛ يحتاج أكثر من ثلاثة ملايين من السكان من أصل ثمانية ملايين إلى مساعدات طارئة. ومع ذلك، في وسط كل هذا العنف واليأس، غالبا ما يغفل الناس عن الجهود الجريئة لمؤسسات مثل جامعة بنادير لتغيير الدولة. ورغم كل الصعاب، تدرب الجامعة المحاصرة الصوماليين الشباب ليكونوا أطباء في مستشفيات مقديشو المريعة. وكان من المفترض أن يكون حفل تخريج أحدث دفعة من أطبائها حدثا احتفاليا. وقد تمت إقامته في فندق في الجزء الوحيد من المدينة الذي لا تزال الحكومة الانتقالية الضعيفة في الصومال تسيطر عليه وذلك بحضور عديد من وزراء الحكومة. ويقول الناجون إن المفجر كان رجلا يرتدي البرقع. وقد اقترب من الطلاب وفجر نفسه، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 22 شخصا، كثير منهم أطباء تأهلوا حديثا، وإصابة 60 آخرين. ولقي ثلاثة وزراء حتفهم؛ وأصيب رابع بجروح خطيرة. وكان الهجوم وحشيا للغاية إلى درجة أنه حتى حركة شباب لم تجرؤ على الإعلان عن مسؤوليتها عنه.
وقد أثارت جثث الوزراء القتلى الملفوفة بالأعلام الصومالية الزرقاء والبيضاء موجة نادرة من الشعور القومي في مجتمع يتميز بانقسامه المرير. ويأمل البعض أن تمثل هذه التفجيرات بداية نهاية الجهاديين.
إلا أن هذا مستبعد. فحركة شباب تسيطر على معظم أنحاء جنوب ووسط الصومال، بل لا تزال منطقة عملياتها في اتساع. وتغطي حركة شباب نفقاتها من الضرائب والرسوم الجمركية وحواجز الطرق. وتضم عددا من الانتهازيين ولكنها في جوهرها تتكون من المقاتلين الشرسين المرتبطين بالقاعدة والعازمين على إنشاء خلافة في الصومال الكبرى، بما في ذلك أجزاء من إثيوبيا وكينيا. ويبدو أن حركة شباب تدير كتيبتين على الأقل من المفجرين الانتحاريين، مكونة في معظمها من الفتيان في سن المراهقة. وقد يكون مفجر جامعة بنادير أحدهم.
ويعتبر موت الوزراء ضربة كبيرة للحكومة التي تكافح بالفعل لإبقاء وزراءها وبرلمانييها في الدولة. والرئيس ذو النوايا الطيبة، شريف أحمد، الإسلامي المعتدل الذي كان يعمل مدرسا للجغرافيا، عديم الفاعلية. ويقول رئيس وزرائه العلماني، عمر شارماركي، الذي كان والده رئيسا للصومال تم اغتياله، إنه يريد مزيدا من المساعدة لتدريب الجيش والشرطة في الدولة. وهو يريد أيضا وضع برنامج ضخم لتدريب الصوماليين الشباب العاطلين عن العمل. وهو يقول إنه ليس من واجب القوات البحرية الدولية مطاردة القراصنة فقط، بل أيضا حماية المياه الصومالية من الصيد غير المشروع. ويبدو أن الغرباء غير قادرين على السيطرة على زمام الأمور. فلا يزال الاتحاد الإفريقي يملك قوة قوامها نحو خمسة آلاف جندي لحفظ السلام، معظمهم من أوغندا وبوروندي، الذين لقي 17 منهم حتفهم على يد مفجر انتحاري من حركة شباب في أيلول (سبتمبر). إلا أن قوة الاتحاد الإفريقي لا تستطيع المراقبة والحراسة بحرية إلا في عدة شوارع في أحد أجزاء مقديشو. وترسل أمريكا الأسلحة والأموال. وتعهدت الدول الأوروبية بتقديم الدعم - ولكنه غير كاف لهزيمة حركة شباب.
وتشعر الدول المجاورة للصومال، خاصة كينيا، بالقلق بصورة متزايدة. ويقول قادة حركة شباب الذين يسيطرون على جنوب الصومال إنهم لن ينشروا جهادهم عبر الحدود شريطة أن يتركهم الجيش الكيني وشأنهم. إلا أن عديدا من الصوماليين الكينيين، الذين تغطي منطقتهم مساحة كبيرة من شمال شرق كينيا، يتوقون منذ عقود للانضمام لإخوانهم. ويخشى رجال الاستخبارات الغربية في نيروبي، العاصمة الكينية، منذ وقت طويل أن ينشر الجهاديون الصوماليون أجنحتهم في الدول المجاورة أو أبعد منها

الأكثر قراءة