الخداع والمساومة
الخداع والمساومة
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: ''أثبتوا لي أني مخادع''، محاولا إقناع قادة العالم، وإقناع الفلسطينيين من خلالهم، بأن وعده الأخير بتجميد بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية صادق، وإن كان مؤقتا وجزئيا. وهو يعترف بأنه مشهور بوصفه مخادعا. وفي خطاب له في التاسع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)، أشار إلى ''الأحكام المسبقة النمطية'' المسؤولة عن عرقلته في مجال الدبلوماسية.
وبعد بضعة أيام، في الأول من كانون الأول (ديسمبر)، عزز هذه الأحكام النمطية حين أخبر ''إخوانه وأخواته المستوطنين'' أنه سيتم استئناف البناء حال انتهاء تعليق البناء الذي يدوم عشرة أشهر. ويلمح المسؤولون إلى أنه لن يتم إعطاء الضوء الأخضر لاستئناف البناء إلا إذا لم تبدأ أية مفاوضات بحلول ذلك الوقت. لذا إذا وافق الفلسطينيون على العودة إلى محادثات السلام المتوقفة منذ فترة طويلة، سيكون من الصعب، وربما من المستحيل، على إسرائيل استئناف بناء المستوطنات. ويقول أحد المسؤولين الإسرائيليين: ''لقد رفضوا تجميد نتنياهو لأنه مؤقت. فلماذا لا يختبرونه من خلال الموافقة على الاستئناف المؤقت للمحادثات؟''.
ويرفض الفلسطينيون حتى الآن التراجع قيد أنملة عن إصرارهم على أن يكون التجميد تاما. ويشيرون بتشاؤم أيضا إلى رفض وزارة الداخلية الإسرائيلية أخيرا حقوق الإقامة لـ 4.577 عربي في القدس الشرقية العام الماضي، وهو أعلى رقم سنوي على الإطلاق. ويشيرون إلى تقرير الاتحاد الأوروبي الذي يتهم إسرائيل بمحاولة تغيير التوازن الديموغرافي في القدس بصورة كبيرة ضد العرب.
ويقول نتنياهو إنه اتخذ بعض الخطوات الكبيرة لإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المحادثات. ففي حزيران (يونيو)، وللمرة الأولى، وافق علنا على فكرة الدولة الفلسطينية، وإن كانت محدودة. وشجع التجارة في الضفة الغربية. وقد عرض الآن تجميد البناء، مع أن هذا التجميد لا يشمل القدس الشرقية، التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمتهم المستقبلية، ولا يشمل أيضا 3.000 منزل تحت الإنشاء بالفعل. وأضاف أن التجميد لا ينطبق على المعابد والمباني العامة. ويشير أيضا إلى مقاومة المستوطنين الشديدة حتى للتجميد الجزئي. وذكر أن حزبه اليميني يغلي اضطرابا بسبب هذه القضية.
ولتوضيح غضب المستوطنين، تقوم فتيات إسرائيليات يرتدين تنانير طويلة محتشمة بمنع مفتشي الجيش أثناء محاولتهم قيادة سياراتهم إلى المستوطنات لإبلاغ البناة والسلطات المحلية بالبدء في التجميد. وأقسم قادة المستوطنات على البناء في الليل، دون علم الجيش. وتم اعتقال رئيس بلدية متمرد. ويقول وزير الدفاع، إيهود باراك، الذي يترأس حزب العمل، أنه سيتم تطبيق التجميد بصرامة وقد وظف المزيد من المفتشين لوقف الجرافات وخلاطات الخرسانة.
ويحاول باراك إقناع الناس، خاصة داخل حزبه، أن نتنياهو صادق. وقد دعا العديد من أعضاء حزب العمل باراك إلى سحب حزبه من التحالف الحاكم بقيادة حزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو. ويقولون إن رئيس الوزراء استغل غضب وانزعاج المستوطنين في الليكود. وأشاروا إلى أنه اعترف بنفسه أنه قرر فرض التجميد، الذي كان ''صعبا للغاية'' عليه، فقط بسبب ''أسباب الأمن القومي''، رمز العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. وسواء كانت تمثيلية أم لا، فإن نتنياهو يستعد للمزيد من الاضطرابات في معسكره مع اقتراب الدبلوماسية السرية التي طال أمدها من تحقيق إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، من أيدي الجماعة الإسلامية الفلسطينية، حماس. وقد أكدت الحكومة الإسرائيلية أنها في المقابل ستتفاوض على إطلاق سراح 450 سجينا مواليا لـ ''حماس''. ولكن من المتوقع أن تفرج عن 530 فلسطينيا آخر كبادرة لمحمود عباس، الذي يترأس حزب فتح المنافس ويدير الضفة الغربية تحت مراقبة إسرائيل، بحيث لا تكسب حماس كل المجد وحدها.
لا يزال الأمل قائما
ولم يتم إنجاز الاتفاق بعد. فلا تزال إسرائيل متعنتة بشأن بعض الإرهابيين من حماس الذين تسببوا في مقتل الكثيرين، وتريد إرسال بعض سكان الضفة الغربية إلى غزة وترحيل آخرين. ويفترض على نطاق واسع أن يكون مروان البرغوثي ضمن الذين سيتم إطلاق سراحهم، وإن لم يكن من أوائل المفرج عنهم، سيتم الإفراج عنه بعد أسابيع من ذلك. والبرغوثي، الذي يحظى بالشعبية والذي يشار إليه غالبا كخليفة محتمل لعباس الذي قال الشهر الماضي إنه سيتنحي، يقضي خمسة أحكام بالسجن المؤبد لأنه قام تنظيم هجمات. وهو منشغل سياسيا في السجن، حيث يزوره بانتظام، من بين آخرين، حاييم أورون، عضو البرلمان الإسرائيلي اليساري البارز لينقل آراءه إلى الحكومة. ويعتقد الكثير من الفلسطينيين أن إطلاق سراحه سيساعد على التوصل إلى تقارب بين حماس وفتح، المنقسمتين بصورة كبيرة مما يصعب على الفلسطينيين عقد اتفاق مع إسرائيل يدوم طويلا.
وتبادل الأسرى هذا مثير للجدل في إسرائيل. فقد أيدت المحكمة العليا في إسرائيل جدار السرية للرقابة العسكرية حول المحادثات، التي يتم إجراؤها عبر وسيط من الحكومة الألمانية. إلا أن رئيس المحكمة العليا في إسرائيل يقول إن الصفقة، إذا تم عقدها، تستحق طرحها للنقاش العام. وقد طلب بعض آباء الضحايا، المدعومين من قبل مجموعة من السياسيين، من المحكمة أن تخبرهم فيما إذا كان سيتم تحرير قتلة أطفالهم ويريدون عرقلة الصفقة. وقد بدأ نتنياهو حياته المهنية كمدافع صريح عن ''عدم التعامل أبدا مع الإرهاب''. ويمكنه أن يتوقع أن يتم تذكيره بأقواله القديمة