أهي البداية أم النهاية؟
بعد لحظات من إعلان الرئيس باراك أوباما على زيادة تبلغ 30 ألف جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان، قال قائد قواته في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، مقتبسا عن ونستون تشرشل: ليست هذه النهاية، ولا حتى بداية النهاية، ولكنها قد تكون ''نهاية البداية''.
وحقيقة أن الجنرال ماكريستال قارن ضمنيا خطاب أوباما أمام الطلاب العسكريين في West Point بهزيمة جيش رومل في معركة العلمين توضح مدى صعوبة المعركة البيروقراطية خلال استعراض السياسات لأوباما الذي دام ثلاثة أشهر. ولم يحصل الجنرال ماكريستال على جميع الجنود الذين طلبهم، والبالغ عددهم 40 ألفا، في توصيته الرئيسة. ولكن بما أن حلف شمال الأطلسي وعد أن يقدم أعضاءه الآخرين ما لا يقل عن خمسة آلاف جندي إضافي، فإن المجموع قريب بما فيه الكفاية بالنسبة له لكي يخبر مرؤوسيه أنه ''سيحدث الكثير من الأمور، وأنها أمور جيدة''. ويأمل حلف شمال الأطلسي على أقل تقدير أن يتم إيقاف الأشياء السيئة التي تحدث في أفغانستان، التي تصبح فيها طالبان أكثر قوة وفتكا عاما بعد الآخر منذ أن تمت الإطاحة بها عام 2001. ويشير قرار أوباما إرسال الجنود بحلول الصيف المقبل، وهو الأمر الذي استبعده الكثير من القادة العسكريين، بالنظر إلى الممر الضيق الذي يجب أن تعبر الإمدادات من خلاله، إلى الرغبة بمحاولة كسر شوكة طالبان.
وكان لا بد أن يرسل أوباما للمتمردين رسالة تدل على التصميم الأمريكي، وفي الوقت نفسه طمأنة الأمريكيين أنه لن يخوض ''حربا لا نهاية لها''. لذا سلك الرئيس طريقا وسطا. فالقوات الأمريكية ستبدأ في الانسحاب ابتداء من تموز (يوليو) 2011، إلا أن وتيرة التخفيض، وتاريخ المغادرة النهائية، سيعتمدان على ''الظروف على أرض الواقع''. وعلى أوباما أيضا محاولة تنفيذ المهمة الصعبة بتقوية عزم باكستان على محاربة طالبان في ملاذاتها عبر الحدود.
ويتوقع أن يكون أساس التعزيز ما يعادل نحو أربع كتائب. واحدة لتدريب القوات الأفغانية وثلاث كتائب أخرى للقيام بمهام قتالية. وأول موجة من الجنود الإضافيين ستكون على الأرجح قوة قوامها تسعة آلاف من مشاة البحرية إلى مقاطعة هلمند في الجنوب، حيث تم نشر عشرة آلاف كتيبة بحرية استطلاعية، إضافة إلى عدد مماثل من القوات البريطانية.
وستتبعها على الأرجح كتيبة من الجيش لمقاطعة قندهار المجاورة وكتيبة أخرى لشرق أفغانستان. ويريد الجنرال ماكريستال التركيز على ''حماية السكان''. وستبدو طريقة نشر الجنود في قندهار وهلمند التي يسكنها البشتون العرقيين مثل أثقال اليدين: في الشمال، سيحمي الناتو مدينة قندهار وضواحيها، وفي الغرب، سيضمن أمن الأراضي الزراعية الخصبة حول المدن الرئيسة لهلمند، وهما Lashkar Gah وGereshk. وسيكون الحاجز بين المنطقتين هو المزيد من الأمن على الطريق التي تربط بينهما، للسماح بالحركة غير المقيدة للتبادل التجاري للمرة الأولى منذ سنوات. وفي الوقت نفسه، سيتم تعزيز المنطقة الشمالية والغربية اللتين تزدادان ضعفا بالمزيد من الجنود المختارين بصورة كبيرة من دول أخرى في حلف شمال الأطلسي.
وليس الجميع مقتنعا بالاستراتيجية الجديدة. فهناك بعض الشخصيات الأفغانية المهمة المقربة من الرئيس حميد كرازي غير راضية عن التركيز على المراكز السكانية، حيث تقول إن المزيد من الجنود سيؤدي إلى إثارة المشكلات للسكان العاديين. وتقول عضو البرلمان، Shukria Barakzai: ''لدينا الكثير من المشكلات على الحدود، حيث يأتي أفراد طالبان من باكستان، ويجب إرسال الجنود الأجانب للتعامل معهم بدلا من ذلك''.
وسيتم وضع هذه الاستراتيجية على المحك بصورة قاسية في أماكن مثل مدينة قندهار، ثاني أكبر مدينة في الدولة ومنبع طالبان. ويخشى حلف شمال الأطلسي منذ أشهر الآن من أن تكون طالبان على وشك الاستيلاء على المدينة - ليس عن طريق غزو عصابات المتمردين بل حملة تخويفية مريعة وقدرة طالبان الأكيدة على التحكيم في النزعات المحلية بطريقة عادلة نوعا ما. ويقول أحد الأجانب القلائل الذين يعيشون هناك: ''سنستيقظ ذات يوم جميعنا وندرك أن كل مصادر السلطة المحلية لم تعد بيد الحكومة - بل ستكون أساسا مدينة لطالبان''.
ولن يتمكن آلاف الجنود الأمريكيين، الذين يجهلون طرق البشتون، من فعل الكثير لمنع تسلل طالبان. ويعترف الأميرال Gregory Smith، المتحدث العسكري الأعلى في كابول، بأن المهمة ستكون صعبة؛ والمهمة هي ''تغيير هياكل الحكم'' للتصدي للنظام الفاسد، خاصة الشرطة، الذي يفترس المدنيين.
ويعتمد هذا على دعم الرئيس كرازي لعملية تنظيف جدية تتطلب، كما يقول الكثيرون، إزاحة أخيه غير الشقيق، أحمد والي، القوة السياسية المهيمنة في قندهار والذي يقال إنه أحد كبار تجار المخدرات. إلا أن الرئيس قد يرى أن شقيقه القوي هو من يقف في طريق استيلاء طالبان تماما على المدينة. ومن غير الواضح كيف سيتم التوفيق بين هذا ومطلب أوباما بأن تتعرض الحكومة للمساءلة، وتحذيره حاد اللهجة بأن ''أيام تقديم شيك على بياض قد انتهت''.
وقد رفض أوباما بحدة فكرة الالتزام المفتوح بالحرب، ''مشروع بناء الأمة الي يستغرق عقد من الزمن''، ووصفه بأنه غير منطقي ولا يتماشى مع المصالح الأمريكية. وكان حريصا على غرس ''شعور بالعجالة'' لضمان أن ''يتحمل الأفغان مسؤولية أمنهم''.
وبالنسبة للجنرال ماكريستال، فإن تدريب قوات الأمن الأفغانية هو الآن ''أهم شيء نفعله في المستقبل''. وقد طلب الجنرال زيادة عدد القوات الأفغانية بنسبة الضعف تقريبا إلى نحو 400 ألف جندي ورجل شرطة. إلا أنه ليس لأوباما نفوذ كبير في هذه الزيادة الأفغانية، والتي يمكن القول إنها أكثر أهمية من الزيادة الأمريكية. وقد أوضح مسؤولون في البيت الأبيض أن توسيع القوات الأفعانية سيتم على ''مراحل تدريجية سنوية''.
ولكن عن طريق استحضار الأزمة الاقتصادية، وتحديد الحد الزمني لاشتراك أمريكا، يعترف أوباما بالشكوك في حزبه. إلا أن الخطر هو أن الشعب الأفغاني، وكذلك طالبان، سيستنتجون أن أمريكا تعبت من القتال ولا يمكن أن تصمد. وسيكون هذا بداية النهاية بالنسبة للآمال الأمريكية في تحقيق النجاح