سقوط المراكز

سقوط المراكز

في أحد فروع مطعم Nando في دبي، تم تعليق لافتة تقول للزبائن إن ''جيراننا أغنياء بالنفط «مليئون بالزيت»، ليس نحن''. وربما يطمئن هذا أصحاب المطعم ولكنه يفسد شهية دائني دبي. ولأن دبي ليست غنية بالنفط، اضطرت إلى اقتراض مبالغ طائلة لدفع تكاليف طموحاتها. واستخدمت شركات تطوير العقار التي ترعاها الحكومة مثل شركة نخيل بعض هذه الأموال لبناء مبان هائلة تحدثت عنها الصحف في كل مكان.
ولكن تكلفة كل هذه الأموال المقترضة هائلة. ففي الـ 14 من كانون الأول (ديسمبر)، من المقرر أن تسدد شركة نخيل 4.05 مليار دولار إلى حاملي الصكوك، أي السندات الإسلامية. وهذا مجرد جزء من الدين البالغ 26 مليار دولار الذي تسعى المجموعة الأم، Dubai World، إلى إعادة هيكلته، بعد أن طلبت تجميد دفعات السداد. وإذا تمت إضافة الالتزامات المالية للحكومة والشركات الأخرى التي تسيطر عليها، يتجاوز إجمالي ديون ''Dubai Inc'' على الأرجح 100 مليار دولار، وذلك وفقا لوكالة Moody's للتصنيف الائتماني. ويشمل المبلغ الكلي 15 مليار دولار جمعتها دبي هذا العام من أبو ظبي، الدولة الغنية بالنفط والعضو في الإمارات العربية المتحدة. وطالما ظلت أبو ظبي واقفة وراء جارتها المحاصرة، كانت ديون دبي تبدو مقبولة. ولكن لم يعد الدائنون يأخذون تضامن الإمارات العربية المتحدة كأمر مسلم به. فقد أخبر أحد كبار المسؤولين في أبو ظبي وكالة Reuter الإخبارية أنها ''ستختار وتنتقي متى وأين ستقدم المساعدة''. ويمكنها أن تكون انتقائية ولكنها لا يسعها أن تكون غير مبالية. فمشكلات Dubai World ستنتشر إلى البنوك والمستثمرين في أبو ظبي. ولمنع أي شكوك أو قلق بشأن النظام المصرفي، قال البنك المركزي للإمارات العربية المتحدة في الـ 29 من تشرين الثاني (نوفمبر) إنه ''يقف وراء'' جميع البنوك في الاتحاد، بما في ذلك فروع البنوك الأجنبية، حيث يعرض إقراضها المال بحرية بسعر أعلى. ومن المفترض أن يحتوي هذا أي ضرر مباشر على النظام المصرفي للإمارات العربية المتحدة. ولكنه قد لا يمنع الضرر الدائم على طموحات دبي بأن تصبح مركزا ماليا عالميا. وموقع هذه الطموحات هو مركز دبي المالي العالمي، ''المنطقة الحرة'' بمساحة 110 أفدنة التي لا تدفع فيها الشركات المالية الضرائب ولا تضطر إلى توظيف الإماراتيين المحليين. ويشرف على مركز دبي المالي العالمي النظام القضائي الخاص به، الذي يستند إلى القانون العام. ولا يزال المستثمرون الأجانب يطالبون بأن يتم تنظيم السندات بقوانين السلطات القضائية الراسخة. فعلى سبيل المثال، تم إدراج صكوك شركة نخيل في بورصة مركز دبي المالي العالمي، ناسداك دبي، ولكنها منظمة بموجب القانون الإنجليزي في المحاكم الإنجليزية.
ولكن حتى لو كسب دائنو شركة نخيل في أي محكمة إنجليزية، ستتم إعادة النظر في الحكم في دبي. وحتى لو تم تأييد حكم المحكمة الإنجليزية، قد لا يحصل الدائنون بالضرورة على أي شيء يعتبر ملكية حكومية، والتي تشمل معظم الأصول المحلية لشركة Dubai World. وبالتالي يواجه الدائنون أسوأ خيارين: ليس لمطالبهم أي ضمانات سيادية، سواء ضمنية أم صريحة، وأية أصول قد يحصلون عليها تتمتع على الأرجح بحصانة سيادية، إلا إذا قررت الحكومة التخلي عنها. ويقول أحد المحامين في دبي إن ''الناس معجبة بالمباني ووسائل الترفيه'' ولكنها لا تدرك أن النظام القانوني خارج مركز دبي المالي العالمي ''غير متطور البتة''. فكثير من الشركات تفشل ولكن لا تعلن أي شركة إفلاسها. ويحل الدائنون والمدينون خلافاتهما بصورة غير رسمية. والضمان الوحيد المهم حقا هو الاسم الجيد للمقترض.
وستبذل دبي الآن جهودا جبارة لاستعادة هذا الاسم. وإذا كانت البنوك حذرة من الإقراض لشركة Dubai Inc، قد تقلل وجودها أيضا في مركز دبي المالي العالمي. ففي النهاية، دبي ليست المركز المالي الطموح الوحيد في الخليج. فبعد ستة أشهر من افتتاح مركز دبي المالي العالمي، افتتحت قطر مركز قطر المالي، الذي أدخل أيضا المبادئ القانونية الأجنبية في الدولة المضيفة. ويفتخر بأن له قوانين ومحكمة وهيئة تحكيم خاصة به، برئاسة كبير القضاة السابق لإنجلترا وويلز (مع أن المحكمة لم تنظر في أي نزاع بعد). وخلافا لدبي، التي لا تستطيع الشركات في مركز دبي المالي العالمي من أخذ ودائع التجزئة أو القيام بالأعمال باستخدام الدرهم، فإن الشركات المنظمة من قبل مركز قطر المالي قادرة على التعامل بحرية مع القطريين.
ويحرص المركز على الإشارة إلى أن قطر هي أحد أسرع الاقتصادات نموا في العالم، ولديها احتياطات غاز قد تدوم أكثر من 150 عاما. وفي أعقاب كارثة دبي، قد يفضل المقرضون إلى الخليج الدول التي يمكنها اللجوء إلى ''أصول حقيقية''، مثل الغاز والنفط.
إلا أن مثل هذه الثروات الطبيعية لا تشكل ضمانة لحقوق الدائنين. فالدولة المجاورة لقطر، السعودية، تملك أعمق احتياطات العالم من النفط وأقل البنوك توسعا في المنطقة. ومع ذلك، لا يزال المقرضون يعانون من التخلف عن سداد مبالغ هائلة من قبل أبرز مجموعتين تجاريتين في المملكة، هما شركة أحمد حمد القصيبي وإخوانه ومجموعة سعد، برئاسة معن الصانع، الملياردير الذي تزوج من عائلة القصيبي. وفيما بينهما، اقترضت المجموعتان ما يصل إلى 20 مليار دولار من أكثر من 100 بنك في جميع أنحاء العالم، استنادا إلى قوة اسميهما فقط غالبا. وبعد التخلف عن سداد بعض التزاماتهما المالية، تزعم شركة القصيبي أن الصانع احتال عليها بمليارات الدولارات، حيث اقترض المال باسم الشركة، دون موافقتهم. ويتم عادة حل مثل هذه الخلافات وراء الأبواب المغلقة. وفي الواقع، يشير البعض إلى أن السلطات السعودية توسطت للتوصل إلى سلام بين مجموعة سعد ودائنيها المحليين.
لكن البنك المركزي في البحرين، حيث تخلفت البنوك المملوكة من قبل المجموعتين عن السداد أولا. فبعد شهرين وضعت كلتا المجموعتين تحت إدارة شخص مختص. وفي الواقع، صمدت البحرين، أول مركز مالي في الخليج، بصورة جيدة خلال الأزمة الائتمانية. ولا يعتبر أي من بنوكها البالغ عددها 78 كبيرا جدا بحيث لا يجب أن يفشل، كما يقول رشيد المعراج، محافظ البنك المركزي (على الرغم من أنها لا تستطيع إنقاذها جميعها على أية حال بما أن أصولها تساوي 860 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة). ولم يكن أي من بنوك التجزئة المنظمة بشدة فيها بحاجة إلى الإنقاذ. وقاوم البنك المركزي النداءات لضمان جميع ودائع التجزئة. ويقول المعراج: ''نحن نبحر بوتيرة بطيئة، حيث نتجنب الاضطراب في أعالي البحار''.
والبحرين، التي اختطفت من بيروت لقب المركز المالي في المنطقة في الثمانينيات، أصبحت تسير وراء دبي. ووفقا لتصنيفات مدينة لندن، تحتل البحرين المكانة 44 من أصل 75 مركزا ماليا في جميع أنحاء العالم، أي بعد دبي بـ 23 مرتبة (وبعد قطر مباشرة). وستسد هذه الفجوة الآن. وحتى لو ترتقي البحرين أكثر، فإن دبي ستقع بالتأكيد

الأكثر قراءة