صوامع عالية ولكن فتاكة

صوامع عالية ولكن فتاكة

صوامع عالية ولكن فتاكة

لا توجد صناعة تنفق على تكنولوجيا المعلومات أكثر مما تنفق الخدمات المالية: نحو 500 مليار دولار على الصعيد العالمي، أي أكثر من خمس المجموع. ويقبع كثير من أجهزة الكمبيوتر في العالم والشبكات وأنظمة التخزين في مراكز البيانات الضخمة التي تديرها البنوك. ويقول Hugo Banziger، مدير قسم المخاطر في بنك Deutsche: ''إن البنوك هي أساسا شركات تكنولوجيا''. ولكن نادرا ما تتم مناقشة دور تكنولوجيا المعلومات في الأزمة.
ولكن يجب مناقشته. فغالبا ما تكون أنظمة تكنولوجيا المعلومات للشركات - مجموعات من أجهزة الكمبيوتر والتطبيقات وقواعد البيانات - فوضوية، إلا أن أنظمة تكنولوجيا المعلومات للبنوك سيئة بصورة خاصة. وقد كانت هي أول من تبنى أجهزة الكمبيوتر: لا تزال أجهزة الكمبيوتر الكبيرة القديمة مستخدمة. والكثير من الابتكار في المنتجات يعني أنظمة جديدة، وكذلك أنشطة الاندماج، التي انتشرت في الصناعة في السنوات الأخيرة: كان لدى Citigroup نظام تكنولوجيا معلومات مفكك حين دخلت في الأزمة. وما يزيد الأمور تعقيدا هو ضرورة الالتزام بالقوانين والحضور العالمي للبنوك الكبيرة. وتزيد مطالب الأسواق المالية الوضع سوءا. فحماية المواقع والاتجار بالمشتقات وتشكيل المنتجات المالية تتطلب برامج متطورة للغاية مكيفة لتناسب فقط فئات أصول معينة. ولا بد من تطوير رمز المنتجات المالية الجديدة بسرعة. وغالبا ما يحدث الابتكار على جداول بيانات برنامج إكسل على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالتجار. ويقول أحد مديري المخاطر الذي يبتكر مصرفه 1.000 نوع مختلف من المنتجات سنويا: ''المهمة الكبرى للإدارة هي تخفيض عدد جداول البيانات''.
ونتيجة لذلك، يعاني عديد من البنوك مشكلات كبيرة فيما يتعلق بجودة البيانات. فغالبا ما يتم تحديد الأنواع نفسها من الأصول بصورة مختلفة في البرامج المختلفة. ولا يثق المديرون من الأقسام المختلفة بأرقام بعضهم البعض. وفهم كل هذه الأنظمة أشبه بعمل التحريين، على حد تعبير مدير سابق لتكنولوجيا المعلومات في بنك بريطاني كبير. وأنظمة تكنولوجيا المعلومات المفككة هذه تجعل من الصعب للغاية تتبع تعرض البنك للمخاطر قبل وأثناء الأزمة. ونتيجة لاتفاقيات رأس المال لبازل 2، وضع عديد من البنوك أنظمة جديدة لحساب تعرضها الكلي. وأنفق بنك اسكتلندا الملكي أكثر من 100 مليون دولار للامتثال لقواعد بازل 2. ولكن في معظم الحالات، كان يتم حساب المخاطر الكلية مرة يوميا فقط ولم تكن بعض الأرقام كبيرة جدا.
وخلال الاضطراب، اضطر عديد من البنوك إلى تنفيذ مهام كبيرة لتقصي الحقائق لمعرفة وضعها. ويقول Peyman Mestchian، الشريك الإداري لشركة Chartis Research الاستشارية: ''من المفترض أن تستغرق الإجابة عن أسئلة مثل ''ما هو تعرضي لهذا النظير؟'' دقائق قليلة. ولكنها تستغرق عادة ساعات، إن لم يكن أياما''. ويقول المطلعون في Lehman Brothers إن الذراع الأوروبية لها كانت تفتقر إلى الصورة المتكاملة للمخاطر المعرض لها خلال الأيام قبل انهياره.
وسواء كانت الصناعة المالية ستتمكن من التوقف أو الإبطاء لو كان لديها بيانات رقمية تظهر التعرض الكلي للبنوك هي مسألة مثيرة للجدل. فربما لم يكن بعض المديرين لينظروا إليها أصلا. ولم تكن تكنولوجيا المعلومات الأفضل ستفعل الكثير للتصدي للقوى الأكبر وراء الأزمة، مثل الاختلالات الاقتصادية العالمية.
ومع ذلك، يتفق معظم العاملين في هذه الصناعة أن أنظمة تكنولوجيا المعلومات المريعة أدت، على حد تعبير Banziger، إلى ''تفاقم الأزمة''. فقد أنفقت الصناعة المليارات للتمكن من الاتجار بشكل أسرع وكسب المزيد من المال، ولكنها لم تنفق ما يكفي لإيجاد الشفافية اللازمة. ويقول Roger Portnoy من شركة Daylight Venture Partners للاستثمار التي تستثمر في شركات إدارة المخاطر الناشئة: ''كان لدى البنوك الكثير من الأدوات لإيجاد الرفع المالي، ولكن لم يكن لديها الكثير لإدارة المخاطر''.
وربما تكون التكنولوجيا ساهمت في الأزمة بطرق أخرى. فقد أدت أنظمة تكنولوجيا المعلومات إلى ''نزع المهارات من عملية المخاطر،'' كما يقول Steve O'Sullivan من شركة Accenture الاستشارية. وعلى أحد أطراف سلسلة الائتمان، لم يتم منح موظفي البنوك الحوافز الملائمة لاستعراض استمارات طلبات القروض على الشاشة (مثلا كان لدى أحد البنوك البريطانية الكبيرة عدد كبير من ''رواد الفضاء'' الذين قدموا طلبات للحصول على قروض لأن الوصف الوظيفي كان الخيار الأول في القائمة المنسدلة، كما يقول أحد الموظفين السابقين). وعلى الطرف الآخر، كانت أرقام المخاطر التي أنتجها الكمبيوتر تعطي المديرين التنفيذيين شعورا زائفا بالأمان.
ويعتقد آخرون أن تكنولوجيا المعلومات لعبت دورا جوهريا في الأزمة. ولأن الأمور كانت مترابطة بصورة كبيرة، بسبب التكنولوجيا، كان يمكن أن تؤدي مشكلة في أحد أجزاء النظام إلى مشكلات في أجزاء أخرى. وقد تطورت الأسواق المالية العالمية على مر السنين إلى شبكة غير مستقرة، كما يقول Till Guldimann، الخبير الاستراتيجي في شركة SunGard للبرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات. والتفكيك السريع للمواقع من قبل برامج التداول الكمية السريعة في بداية الأزمة الائتمانية في آب (أغسطس) 2007 هو أحد الأمثلة على التأثير المتتالي.
هل تعلم المصرفيون درسهم؟ ينفق بعضهم الآن الكثير من المال على بناء أنظمة متكاملة من النوع الذي كانت بنوك قليلة، مثل Deutsche وJPMorgan Chase وGoldman Sachs، تستخدمه قبل الأزمة. ولا يفرّغ بنك Deutsche جميع معلومات التداول في ما يسمى ''مستودع البيانات'' ثم يدققه بشق الأنفس بعد ذلك حين تنشأ الحاجة. وبدلا من ذلك، طورت الشركة نظام ''تغذية'' يمنحها إمكانية الحصول على المعلومات بوقت قصير.
ولكن لا يزال كثير من البنوك الأخرى في وضع مكافحة الحرائق، كما يقول Mestchian. وكثير من الأموال المستثمرة في تكنولوجيا المعلومات لا تزال تذهب إلى جعل الأمور أسرع بدلا من جعلها أكثر شفافية. وهناك علامة استفهام حول فيما إذا كانت أكبر البنوك ستتمكن فعلا من تنظيم وترتيب أنظمتها. وقد أصبح كثير من البنوك معقدا جدا بحيث لا يمكن إدارته على نحو ملائم، كما يقول Glenn Woodcock، مدير Andromeda Capital Management والرئيس السابق للبنية التحتية للمخاطر الائتمانية في RBS. ولا يمكن لتكنولوجيا المعلومات وحدها إصلاح المشكلة بالنسبة لهم

الأكثر قراءة