تعزيز الشراكة التجارية بين دول الخليج وماليزيا

شاركت بورقة عمل الأسبوع الماضي في كوالامبور في المنتدى الماليزي -العربي التجاري، حيث أكدت أهمية التوصل لاتفاقية للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي وماليزيا. وشددت في ورقتي على ضرورة اتخاذ الجانب الماليزي خطوات محددة للتوصل لاتفاقية للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون شأنها في ذلك شأن جارتها سنغافورة. وكانت دول المجلس قد أبرمت اتفاقية للتجارة مع سنغافورة في نهاية عام 2008. وقد بدأت دول الخليج عملية التصديق على الاتفاقية في عام 2009، حيث حظيت بمصادقة أكثر من نصف الدول الأعضاء حتى تاريخ كتابة هذا المقال.

التجارة البينية
وخلال عملية إعداد الورقة تبين لي الفارق الكبير في القيمة المالية للتجارة البينية بين دول مجلس التعاون وكل من: ماليزيا وسنغافورة. بلغت قيمة التجارة البينية مع ماليزيا 10.7 مليار دولار في عام 2008، حيث مال الميزان التجاري بنحو 700 مليون دولار لصالح ماليزيا على خلفية تصديرها الآلات والأجهزة والأثاث، فضلا عن المجوهرات والزيوت النباتية. في المقابل، تركزت الصادرات الخليجية على النفط الخام والمشتقات النفطية مثل البتروكيماويات.
من جهة أخرى، تبلغ قيمة التجارة البينية بين دول مجلس التعاون وسنغافورة نحو 31 مليار دولار حسب آخر الأرقام المتوافرة. خلافا لما عليه الحال مع ماليزيا، تتمتع دول الخليج بفائض تجاري مريح مع سنغافورة فاق حد 19 مليار دولار في الإحصائية المشار إليها بالنظر لقوة الصادرات النفطية. توفر دول مجلس التعاون 40 في المائة من الواردات النفطية لسنغافورة. كما تعد موانئ سنغافورة مصدرا حيويا للنفط الخليجي الموجه لجنوب شرق آسيا. تحتل الاقتصادات الخليجية المرتبة السابعة من حيث الأهمية النسبية للتجارة الخارجية لسنغافورة.

قواسم مشتركة
وفي كل الأحوال، طلبت من الجانب الماليزي عدم الخلود للراحة مستفيدة من القواسم المشتركة مع الجانب الخليجي مثل العقيدة الدينية. يعتنق نحو 60 في المائة من سكان ماليزيا الدين الإسلامي. وأشرت بشكل واضح إلى نجاح سنغافورة وليس ماليزيا في التوصل لاتفاقية للتجارة الحرة مع مجلس التعاون وهي الأولى من نوعها لدول الخليج بشكل جماعي.
يبلغ عدد سكان ماليزيا أقل من 27 مليون نسمة، حيث يشكل أولئك الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة نحو 31 في المائة من السكان. في المقابل، توقعت دراسة حديثة لوحدة ''الإيكونومست'' البريطانية أن يرتفع عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي من 40 مليون نسمة في 2008 إلى 53 مليونا في 2020 جلهم تحت 25 عاما. ما يهم في هذا المجال هو أن سكان دول الخليج والذين يميلون بطبعهم للاستهلاك سينمون نحو الثلث في غضون 12 عاما.

فرص واعدة
وأكدت في ورقتي بأن وجود اتفاقية للتجارة أمر ضروري لماليزيا حتى تستفيد من الفرص الواعدة في دول مجلس التعاون. من جملة الأمور، أشرت إلى الإحصائية الحديثة التي تؤكد أن حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي الست قد فاق حاجز تريليون دولار. كما تطرقت لمسألة القوة الشرائية، حيث أشرت إلى مستوى دخل الفرد في قطر الذي يبلغ نحو 75 ألف دولار في السنة حسب مفهوم القوة الشرائية. حقيقة القول، تحتل قطر المرتبة الثالثة دوليا على معيار الدخل بعد كل ليختتشتاتين ولوكسمبورج.
إضافة إلى ذلك، تحدثت بإسهاب عن مشروع السوق الخليجية المشتركة الذي يسمح لعوامل الإنتاج بالتحرك داخل الدول الأعضاء دون قيد أو شرط. دخل المشروع حيز التنفيذ في بداية عام 2008 ويغطي عشرة مسارات وهي: 1) حرية التنقل والإقامة. 2) العمل في القطاعات الحكومية والأهلية. 3) التأمين الاجتماعي والتقاعد. 4) ممارسة المهن والحرف. 5) مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية. 6) تملك العقار. 7) انتقال رؤوس الأموال. 8) المساواة في المعاملة الضريبة. 9) تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات. 10) الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.

تعزيز القوة التفاوضية
وحسب الأمانة العامة لمجلس التعاون يهدف المشروع ''إلى إيجاد سوق واحدة يتم من خلالها استفادة مواطني دول المجلس من الفرص المتاحة في الاقتصاد الخليجي، وفتح مجال أوسع للاستثمار البيني والأجنبي، وتعظيم الفوائد الناجمة عن اقتصاديات الحجم، ورفع الكفاءة في الإنتاج، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين الوضع التفاوضي لدول المجلس وتعزيز مكانتها الفاعلة والمؤثرة بين التجمعات الاقتصادية الدولية''. وعلى هذا الأساس، يوفر مشروع السوق الخليجية المشتركة قوة تفاوضية عند التحاور مع الأطراف الأخرى لغرض إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة. وتبين ذلك جليا في وقت سابق من عام 2009 عند نجاح دول الخليج في إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية والمعروفة اختصارا باسم ايفتا التي تتشكل من سويسرا والنرويج وأيسلندا وإمارة ليختنشتاتين. وربما حان الوقت للتوصل لاتفاقية للتجارة الحرة مع ماليزيا خدمة لمصالح الطرفين، خصوصا الجانب الماليزي والذي يشعر بغبن، نظرا لوجود اتفاقية خاصة بين مجلس التعاون وسنغافورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي