هل تتحول الصناديق السيادية الخليجية إلى إسلامية !؟
هل تتحول الصناديق السيادية الخليجية إلى إسلامية؟ سؤال يطرح بعد الأزمة المالية العالمية، وبعد أن لجأ عديد من دول العالم للمصرفية الإسلامية، وبخاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. وهناك حديث معلن عن منافسة عالمية حيال الدولة التي ستصبح مستقبلا عاصمة التمويل الإسلامي.
هذا النقاش دفع شركة كندية للبوح عن بأن أحد الصناديق الخليجية عبر عن رغبته الحقيقية في تغيير استراتيجيته الاستثمارية، والبحث عن بدائل للمحافظة على أصوله وموجوداته, وذلك بتحويل %15 من أصوله لتصبح متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
لكن, على الطرف الآخر, هل يسمح الغرب فعلا لاندماجات بنكية أو تحولات في طبيعة أعمال الصناديق السيادية لتصبح مع الوقت قوة رافدة للمصرفية الإسلامية، الأمر الذي كشف عنه عديد من الخبراء والمحللين الذين قالوا إن نشوء صندوق تمويل إسلامي يثير مخاوف الغربيين من سيطرة هذا التوجه على المؤسسات المالية الغربية .
> ظهر في الآونة الأخيرة تقرير صادر عن الأمم المتحدة يفيد بأن الصناديق السيادية التي تتبع لأربع حكومات خليجية خسرت ما يقارب 350 مليار دولار في عام 2008، وذلك بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أثرت في استثماراتها، إلا أن هذه الحكومات حاولت تعويض خسائرها قدر الإمكان مع نهاية 2008 من خلال تغذية صناديقها بعوائد النفط الذي بلغت أسعاره مستويات قياسية خلال العام الماضي.
وقال تقرير الاستثمار العالمي الصادر عام 2009 إن موجودات الصناديق السيادية الخليجية الأربعة ذاتها انخفضت من 1.16 تريليون دولار في نهاية 2007 إلى 1.11 تريليون دولار في نهاية 2008. ومن أجل تعويض هذه الخسائر التي بلغت 350 مليار دولار، قامت حكومات تلك الدول بضخ 300 مليار دولار من عائدات النفط ووضعتها في هذه الصناديق. ويشير التقرير إلى أن جهاز أبو ظبي للاستثمار (الصندوق السيادي التابع لأبو ظبي) كان الأكثر تأثرا، حيث خسر 183 مليار دولار من 453 مليار دولار كان يمتلكها نهاية 2007، إلا أن الجهاز حظي بـ 57 مليار دولار من مال النفط لينهي عام 2008 عند مستوى 329 مليار دولار، وتليه الهيئة الكويتية العامة للاستثمار (الصندوق الكويتي السيادي) الذي خسر 94 مليار دولار من 262 مليار دولار كانت تمتلكها في نهاية 2007, إلا أنها أنهت عام 2008 عند مستوى 228 مليار دولار بعد ضخ 59 مليار دولار في موجوداتها. وأنهى الصندوق القطري العام الماضي مسجلا ارتفاعا في موجوداته بقيمة مليار دولار بعد ضخ 28 مليار دولار, مقابل خسائر في 2008 بلغت 27 مليار دولار. أما الموجودات السعودية التي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي) فقد ارتفعت بشكل كبير في 2008 لتصل 501 مليار دولار وذلك بعد أن قامت الحكومة بضخ 162 مليار دولار في صندوقها السيادي. وخسرت الموجودات السعودية 46 مليار دولار في 2008 نتيجة الأزمة، حيث كانت قد أنهت عام 2007 عند مستوى 385 مليار دولار.
هذا وقد ذكر التقرير الصادر عن الأمم المتحدة أن الصناديق السيادية الخليجية، اعتمدت خلال السنوات الماضية على الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية بشكل حذر، ثم قامت بعد ذلك بمقاربات استثمارية أكثر خطورة وسعت إلى استثمارات استراتيجية في شركات عالمية وإلى استثمارات في الأسواق المالية والعقارية. وقال التقرير إن «الانهيار الأخير في الأسواق العقارية والأسواق المالية تسبب في خسائر كبيرة للصناديق السيادية لكنه قدم أيضا فرصا استثمارية». ونتيجة لذلك، تبدي بعض الصناديق السيادية الخليجية مزيدا من الحذر في الاستثمار في الخارج وهي توجه مزيدا من استثماراتها إلى الداخل. المعلوم أنه عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية رصدت عدة دول، خاصة الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، أموالا طائلة لإنقاذ شركاتها من الانهيار وما يترتب عليه من الدول الخليجية والآسيوية للمساهمة في هذا الإنقاذ. إلا أن المقدرة المالية المحدودة للصناديق تعطل الأنشطة الاقتصادية، كما اتجهت أنظار هذه الدول إلى الصناديق السيادية الخليجية التي هبطت في الآونة الأخيرة تحت تأثير عدة عوامل في مقدمتها تراجع أسعار النفط وتضررها بسبب مساهمتها في شركات هبطت أسعار أسهمها. وقد تطالبها دولها بعدم استثمار أرباحها لتعويض هبوط أسعار النفط, وهذه هي الحكمة الأساسية من تأسيسها. كما بات المستثمرون داخل منطقة الخليج يطالبون حكوماتهم بالتدخل لإنقاذ شركاتهم الوطنية من الإفلاس بدلا من ضخ الأموال في الشركات الأجنبية في الخارج. وطالبوا بضرورة تدخل الصناديق السيادية لإنقاذ اقتصاديات المنطقة من حال الكساد والتعثر في الأداء الاقتصادي بعد الأزمة المالية، ورفع نسبة الاستثمارات في السوق من 5 في المائة حاليا إلى ما بين 20 إلى 30 في المائة, ولا سيما بعد تعرض هذه الصناديق لخسائر بنحو 450 مليار دولار. وقد تزيد إلى 600 مليار دولار إذا حاولت الصناديق تسييل الأصول التي استثمرت فيها خارجيا.
ونتيجة لحجم هذه الخسائر التي أصبحت تهدد الصناديق السيادية الخليجية وتهدد مستقبلها، لم يعد أمامها فرص استثمارية عالمية. ويبدو أن واحدا من هذه الصناديق على وشك أن يكون أول صندوق سيادي يحول جزءاً من أصوله نحو صناعة المال القائمة على أسس الشريعة الإسلامية. وبحسب عمر كلاير المؤسس والمدير التنفيذي لمجموعة UM Financial للاستثمارات، هناك مجموعة عقارية كندية متخصصة في تقديم خدمات الرهون العقارية المتوافقة مع الشريعة والقريبة من التنفيذيين القائمين على أحد الصناديق السيادية الخليجية، أشارت إلى أن أحد هذه الصناديق ينوي بشكل جدي تغيير استراتيجيته الاستثمارية، والبحث عن بدائل من أجل المحافظة على أصوله وموجوداته، وذلك من خلال "تحويل 5 إلى 15 في المئة من هذه الأصول لتصبح متوافقة مع معاملات الشريعة", وقد أشارت بعض المصادر إلى أن هذا الصندوق السيادي لديه "تفويض" للقيام بعملية التحويل هذه، إلا أن المصادر فضلت عدم الإفصاح عن اسم الدولة التي ينتمي إليها هذا الصندوق السيادي، وبرر المسؤولون ذلك بأن هذه العملية ما زالت في طور التفاوض، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي، إلا أن التوقعات تشير إلى أن اتفاقاً قد يتم التوصل إليه خلال السنة المقبلة.
وكل تلك التطورات في تحول توجهات الصناديق السيادية تأتي لتعكس مدى الضغوط الشعبية على هذه الصناديق من أجل جعلها تتوجه نحو الاستثمارات المتطابقة مع الشريعة الإسلامية، كما ينتظر أن تدعم هذه الخطوة رأس مال المؤسسات المالية الإسلامية التي تمكنت في الفترة الأخيرة من الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية، فضلا عن أن هذا التوجه قد يتبعه تغير ملحوظ من الصناديق السيادية الأخرى لتنويع جزء من محافظها وتحويله إلى التعامل بالأصول الإسلامية. وتشير بعض المصادر إلى أن هذه المفاوضات بدأت مع المجموعة العقارية الكندية في السنة الماضية، حيث وجهت وزارة المالية لإحدى الدول الخليجية, التي تملك صندوقا سياديا تصل قيمته إلى بضع مئات من مليارات الدولارات, دعوة للشركة من أجل تحويل جزء من ممتلكات الصندوق إلى الاستثمار بالطريقة الإسلامية، فقد كان لديهم تفويض بمحاولة تغيير أصوله حتى تصبح ملتزمة بالأحكام الشرعية على المدى الطويل، وبالتأكيد فإن هناك إرادة سيادية حقيقية للاستفادة من النظام الإسلامي، وذلك عن طريق جعل هذه الاستثمارات متوافقة مع الشريعة وأحكامها في الصيرفة وقواعد السوق، ومن المحتمل أن يكون تحويل أموال هذا الصندوق نحو التعاملات الإسلامية مفتاحا وهاديا للصناديق السيادية الخليجية الأخرى، وتشجيعها على تحويل جزء من أصولها إلى إسلامية خلال المستقبل القريب، ويتوقع المختصون أن يكون هناك مزيد من البلدان الإسلامية التي لديها مثل هذه الصناديق، وسوف تحول جزءا كبيرا من استثماراتها لتكون موجودات مالية إسلامية نظرا لكون صناعة المال الإسلامية لا تزال في بداياتها، ولم تتطور إلى الحد الذي تصبح معه نظاما عالميا لإدارة الأموال واستثمارها. >