رجال الدين الإيرانيون في الحديقة الخلفية
كيف يمكن التعامل مع القادة المنتخبين الذين يعتبرون معارضيهم المحليين وكلاء لقوى أجنبية ويفكرون أحيانا في غزو جيرانهم؟ لدى البرازيل بعض الخبرة في هذه المسألة بعد عشر سنوات من رئاسة هيوغو شافيز في فنزويلا. ولطالما كان جوابها عن هذا السؤال بسيط: قرّبهم إليك. وفي هذا الأسبوع، اتسع نطاق هذا النهج قليلا حين تم استقبال الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، في برازيليا في زيارة رسمية.
وقد عرض الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، تقديم الدعم لعمل إيران في التكنولوجيا النووية لاستخدامها لأغراض سلمية (كما يفترض). وتحدث أيضا عن حق إسرائيل في البقاء مكانها فقط على الخريطة، بحيث تتعايش مع الدولة الفلسطينية. وفي الخارج، لوح المتظاهرون بلافتات تذكّر أحمد نجاد أن الهولوكوست حدثت بالفعل، وبدأ الجدل حول السياسة الخارجية للبرازيل يحتدم أكثر فأكثر. وكتب Jose Serra، حاكم ولاية سان باولو والمرشح الرئيسي (غير المعلن) للانتخابات الرئاسية للعام المقبل، في صحيفة Folha: ''إقامة علاقات دبلوماسية مع الأنظمة الديكتاتورية يختلف تماما عن الترحيب بقادتهم في منزلك''. إلا أن هذا ما تفعله بعض دول أمريكا اللاتينية. وتقول Farideh Farhi، من مركز Woodrow Wilson، وهو مركز فكري في واشنطن العاصمة، إن إيران انتقلت إلى الحديقة الخلفية لأمريكا ''كوسيلة لإزعاجها، أو على الأقل إثبات وجهة نظرها''. وتراوح أدوات هذه السياسة من تصنيع سيارات ''مناهضة للرأسمالية'' في فنزويلا إلى إنتاج برامج إخبارية وأفلام وثائقية للتلفزيون البوليفي، لإعطاء نظرة عادلة ومتوازنة للشيطان الأكبر. وهناك تحركات مختلفة أيضا في مجال تمويل التجارة بين إيران والإكوادور ونيكاراغوا وبوليفيا وفنزويلا.
وتشمل ثمار تلك السياسة حتى الآن الدعم من فنزويلا وكوبا في التصويت في الوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرنامج النووي لإيران عام 2006 (كانت سورية الدولة الوحيدة الأخرى التي قدمت الدعم). والأهم من هذا بالنسبة لأحمدي نجاد هو أن زياراته إلى أمريكا اللاتينية تمنحه دفعة كبيرة في وقت لا يتم الترحيب به في العديد من الدول، وفي الوقت المعرض فيه للضغوط في الداخل بعد إعادة انتخابه المثيرة للجدل في حزيران (يونيو). ولمعرفة الطريقة التي تعمل بها سياسة إيران الخارجية في دول أمريكا اللاتينية الأصغر والأكثر تعاطفا من الناحية الأيديولوجية، خذ الإكوادور- الدولة التي تعاني مشكلات كبيرة في جمع المال بعد تخلفها عن سداد ديونها بحيث يمكن التأثير فيها بسهولة من خلال الأموال المقدمة من الحكومات الأجنبية. وتفكر الإكوادور في الانضمام إلى نيكاراغوا وفنزويلا والاعتراف باستقلال الأراضي الجورجية المنفصلة في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية على أمل الحصول على قروض من الحكومة الروسية.
وفي هذا الشهر، زار وفد إيراني مدينة كويتو، عاصمة الإكوادور، لمناقشة القروض لمحطات الطاقة الكهرومائية، وهي إحدى 25 اتفاقية ثنائية تم توقيعها حين زار رئيس الإكوادور، Rafael Correa، إيران العام الماضي. والإكوادور بحاجة ماسة إلى مصانع: اضطرت إلى البدء بتقنين الكهرباء هذا الشهر. وقد وضعت الحكومتان بالفعل ترتيبات تمويلية لتسهيل التجارة. وكانت الولايات المتحدة قد وضعت البنكين الإيرانيين المعنيين - بنك تنمية الصادرات الإيراني وفرعه في كاراكاس، Banco Internacional de Desarrollo، على القائمة السوداء بتهمة تمويل البرنامج النووي الإيراني. وهناك أيضا مخاوف من أن تغسل إيران الأموال من خلال الإكوادور، التي تستخدم الدولار الأمريكي كعملة لها. وقد أخبر مسؤول الامتثال في البنك المركزي للدولة البنك بأنه قد يتعرض للعقوبات الأمريكية، بما في ذلك تجميد الأموال في الخارج. وقبل هذا الأسبوع، لم تكن إيران قد حققت نجاحا كبيرا مع أكبر الدول في المنطقة. فالمكسيك ليست مهتمة بمبادرات إيران. وكولومبيا تتبنى نهجا قويا تجاه الدول المتهمة بالتعاون مع الإرهابيين. وعلاقات الأرجنتين غير ودية مع إيران، حيث يعود تاريخها إلى التفجيرات التي لم يتم حلها بعد للسفارة الإسرائيلية ومركز الجالية اليهودية في بوينس أيرس في التسعينيات. وهذا هو سبب أهمية الرحلة إلى البرازيل. ويقول Peter Hakim من مركز Inter-American Dialogue الأمريكي الفكري: ''بالنسبة لإيران، فإن زيارة رسمية إلى البرازيل تساوي عشر زيارات إلى فنزويلا''. وبالنسبة للبرازيل، فإن المخاطر أكبر بكثير. فالرئيس لولا يتحدث كثيرا عن مدى أهمية الديمقراطية، ويذكّر أعضاء من حكومته بتجربتهم في المنفى أو السجن على يد الحكومة العسكرية السابقة في البرازيل. وهذا سبب غرابة التقارير التي تقول إن الحكومة الإيرانية حكمت على خمسة من ناشطي المعارضة بالإعدام منذ الاحتجاجات التي تلت الانتخابات المثيرة للجدل. وتخاطر البرازيل بتجاوز الحد في سبيل رغبتها بأن ينظر إليها بوصفها دولة مهمة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، شمعون بيريز، في برازيليا، تحدث الرئيس لولا عن مساعدة البرازيل في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وكان اقتراحه بإقامة مباراة كرة قدم بين البرازيل وفريق مختلط من الإسرائيليين والفلسطينيين لطيفا بما فيه الكفاية. إلا أن البرازيل فشلت في تسوية نزاعات أبسط بين الأرجنتين وأوروغواي، وفنزويلا وكولومبيا، والخصوم السياسيين في هندوراس. وليس لديها فرصة كبيرة في النجاح في المجال الذي فشلت فيه دول أكثر قوة حتى الآن في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن اشتراك البرازيل في مشاكل العالم، وإن بصورة خجولة، أفضل بلا شك من عدم اشتراكها. وقد التزمت حكومة الولايات المتحدة الصمت بشأن موضوع زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى البرازيل. إلا أن فكرة أن هناك الآن على الأقل خط اتصال مفتوحا مع طهران، عبر برازيليا، قد تخفف انزعاجها من رؤية الزعيم الإيراني مرحبا به بحرارة في حديقتها الخلفية