لو كانت الكلمات طعاما لن يجوع أحد

لو كانت الكلمات طعاما لن يجوع أحد

لو كانت الكلمات طعاما لن يجوع أحد

خاطب بيل جيتس العلماء الزراعيين الذين اجتمعوا أخيرا لتكريم الراحل Norman Borlaug، أب الثورة الخضراء، بالقول: ''عاد الاهتمام العالمي للتركيز على قضيتكم.'' وكان جيتس، رجل الأعمال فاحش الثراء الذي تحول إلى محسن على حق. فقد عقد العالم هذا الأسبوع- بحضور ما يقرب من 60 رئيس دولة بمن فيهم البابا- أول قمة حول الغذاء للأمم المتحدة منذ عام 2002. ومع تحول اهتمام العالم بعيدا عن الأزمة المالية المتراجعة، بدءا بالتحول إلى الأزمة الناشئة في الزراعة.
وقد تم عقد مؤتمر الأمم المتحدة حول الأمن الغذائي في مرحلة من الهدوء النسبي بين عاصفتين. حدثت الأولى عام 2007 - 08، حين شهدت أسعار الغذاء العالمية أكبر زيادة لها منذ 30 عاما. واجتاحت أعمال الشغب المتعلقة بالغذاء عشرات الدول وأطاحت الأحداث الناتجة عن ارتفاعات الأسعار بحكومتين (حكومة هاييتي وحكومة مدغشقر).
ومن المرجح أن تحدث العاصفة التالية في غضون بضع سنوات ويخشى الجميع من وصولها. وقد كان ارتفاع الأسعار عام 2007 - 08 ناتجا عن اختلالات هيكلية في سلسلة الغذاء العالمية، وليس فقط تقلبات مؤقتة مثل سوء الأحوال الجوية أو أخطاء الحكومة. ولم يتم القضاء على هذه الاختلالات: لا يزال الطلب على الغذاء في ارتفاع بسبب تغير الرغبات الغذائية وارتفاع الدخول في الأسواق الناشئة؛ ولا يزال الوقود الحيوي يتنافس مع المحاصيل الغذائية للحصول على الأراضي المتاحة؛ ونمو محاصيل الحبوب آخذ في الانخفاض.
وفي عام 2008 - 09، غطت الأزمة المالية على المشكلات الغذائية لبعض الوقت. ولكن كما قال Jacques Diouf، رئيس منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، هذا الأسبوع، فإنه ''حين يحدث الانتعاش، سنعود إلى نقطة البداية''. ويقول Jeffrey Currie من Goldman Sachs إنه في حين أن معظم الصناعات التي ضربها الركود في العالم الغني تعمل بـ 60 - 70 في المائة من قدرتها، إلا أن الزراعة تعمل بكامل طاقتها، بمعنى أن محصول الحبوب العام الماضي كان الأكبر على الإطلاق وأن هناك القليل من الأراضي غير المزروعة الجاهزة لإعدادها للزراعة. وإذا حدثت صدمة عرض أو طلب أخرى، لن يخفف نظام التجارة الزراعية الضربة.
وقد يحدث هذا في غضون بضع سنوات. ففي الأشهر العشرة الأولى من هذا العام، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 9.8 في المائة، مما أثار مخاوف استئناف الطفرة التي بدأت عام 2007، العام الأول من عامي الأزمة. ويتم تداول ''سلع وجبة الإفطار'' (الشاي والكاكاو والسكر ومصادر السعرات الحرارية المهمة في بعض أجزاء العالم) بأعلى مستوياتها منذ 30 عاما. والأسوأ من ذلك هو أن فترة انخفاض الأسعار لم تفد، طالما دامت، أشد الناس فقرا وضعفا. ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة، زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في العالم إلى أكثر من مليار شخص هذا العام، بعد أن بلغ 915 مليون شخص عام 2008. ويعتقد الاقتصاديون في البنك الدولي أن عدد أولئك الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار يوميا سيرتفع بمقدار 89 مليون شخص بين الأعوام 2008 و2010، في حين سيزيد عدد أولئك الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم بمقدار 120 مليون شخص. وبعد ربع قرن من حدوث المجاعة في إثيوبيا التي أبرزت أوجه القصور في النظام الغذائي، تطارد المجاعة من جديد القرن الإفريقي. ألم يتم فعل أي شيء للاستعداد للصدمات الغذائية المستقبلية؟
تقول معظم الحكومات إنه تم بالتأكيد فعل شيء ما. فقد بدأت الأموال في التدفق إلى الزراعة بعد 30 عاما من إهمالها. وحدثت موجة من الإصلاحات المؤسسية. وزاد القطاعان العام والخاص جهودهما لمساعدة المزارعين أكثر من أي وقت مضى.
وفي اجتماعها في L'Aquila في تموز (يوليو)، وعدت الاقتصادات الغنية الكبيرة في مجموعة الثماني بزيادة الإنفاق على التنمية الزراعية بمقدار 20 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ولم يكن الكثير من هذه الأموال أموالا جديدة (ربما 3 - 5 مليارات دولار) والمبلغ الذي تم تسليمه، إن تم تسليم شيء، غير معروف بعد. كما أن هذا المبلغ أقل بكثير من المبلغ الذي تتوقع منظمة الأغذية والزراعة أنه سيكون ضروريا كل عام للقضاء على سوء التغذية، وهو 44 مليار دولار، (وأقل بكثير، كما تقول وكالات المعونة، من المبالغ التي تصبها الدول الغنية في بنوكها، والبالغة 14 تريليون دولار). ومع ذلك، فإن هذا المبلغ ليس ضئيلا. وسيمول لمدة ثلاث سنوات السبعة مليارات السنوية التي يقدّر المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وهو معهد فكري في واشنطن العاصمة، أن الدول النامية ستحتاج إليه لحماية الزراعة من تأثير التغير المناخي. وهو يستثني المبالغ الأكبر بكثير التي تعد الدول النامية بتقديمها للزراعة.
لقد أصبحت الزراعة والأمن الغذائي ''أساس الأجندة الدولية''، كما وصفتها مجموعة الثماني. وفي عام 2009، زاد البنك الدولي إنفاقه على الزراعة بنسبة 50 في المائة، ليصل إلى ستة مليارات دولار. ويعمل البنك الإسلامي للتنمية على تأسيس دائرة زراعية للمرة الأولى.
وقد طلب باراك أوباما من الكونجرس مضاعفة مساعدات أمريكا المقدمة للتنمية الزراعية عام 2010 لتصل إلى أكثر بقليل من مليار دولار. وفي إشارة على أن إنتاجية الغذاء تعني أكثر من مجرد كلمات دافئة وأموال، قام بتعيين خبير متخصص، وليس سياسيا، لرئاسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الوكالة المساعدة: Rajiv Shah، كبير العلماء في وزارة الزراعة. وفي الغرب، هناك إجماع آراء جديد على ضرورة زيادة الاستثمار في الزراعة في الأسواق الناشئة.
ويقول Jeffery Sachs، الاقتصادي في جامعة كولومبيا في أمريكا، إن الخطوة التالية هي إنشاء هيئة دولية جديدة لتنسيق كل الأموال وربما تكون لها ميزانية خاصة بها. وهو يريد شيئا مماثلا للصندوق العالمي لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وكانت حالات نقص الغذاء السابقة في السبعينيات قد أنتجت أيضا تغييرات مؤسسية جذرية: تم حينها تأسيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية.
إلا أن الأزمة الأخيرة لم تنتج أي هيئات منبثقة مؤسسية، ويعود ذلك أساسا إلى أن وكالات الأمم المتحدة الغذائية- منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الغذاء العالمي - قضت وقتا طويلا في التشاجر. وبدلا من ذلك، اتخذ البناء المؤسسي شكل الترقيع. وبدأت فكرة ما تم وصفه بأنه شراكة عالمية بشأن الأمن الغذائي مع الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في ربيع عام 2008 وتحولت إلى لجنة للأمم المتحدة و''قوة عمل رفيعة المستوى'' مرتبطة بمكتب الأمين العام. ويبدو هذا الترتيب المتواضع ناجحا حتى الآن بصورة جيدة، على الأقل من حيث حشد الاهتمام والموارد.
إلا أن النشاط الأكثر أهمية يحدث على المستوى الوطني. فقد أدت ارتفاعات الأسعار هنا في عام 2007 - 08 إلى إطلاق العنان لمجموعة غير مسبوقة من السياسات. وقد فعلت جميع الدول النامية تقريبا، مهما بلغت شدة الضائقة المالية التي تعاني منها، شيئا ما (الكثير غالبا) لمساعدة المزارعين. وبدأت الحكومات الإفريقية أخيرا بالوفاء بالوعد الذي قطعته عام 2003 بإنفاق 10 في المائة من ميزانياتها على الزراعة. وكانت التدابير الأكثر شعبية هي بناء الطرق الريفية، ودعم المدخلات مثل البذور والأسمدة، ومنح مساعدة خاصة لصغار المزارعين الأشد فقرا كنوع من شبكة الأمان، والتدخل في عمل الأسواق، أحيانا لتحسينها وأحيانا للسيطرة عليها.
وقد أنشأت الفلبين بنك بذور لتحسين نوعية البذور وتوفير احتياطات في الأحيان التي تدمر فيها الأعاصير المحاصيل (الدولة عرضة لمثل هذه الكوارث). وأنشأت ليسوتو وأوغندا ''معارض بذور'' على أمل زيادة الأنواع المعروضة لإعطاء المزارعين. وحاولت تنزانيا ومالي تحقيق الغاية نفسها عن طريق تقديم الدعم لتجار الحبوب والأسمدة مباشرة. وعرضت نيبال وجامايكا معدات رخيصة (مضخات، التغذية بالتنقيط) لإقناع صغار المزارعين بري حقولهم. وواصلت ملاوي إعانات الأسمدة المدروسة، التي تمنح الأسمدة مجانا لأشد المزارعين فقرا. ولم يتم بعد اتخاذ قرار بشأن ماذا سيحدث إذاً وحين لا تعود الدولة قادرة على تحمل تكاليف البرنامج، الذي يستنزف 4.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن ليس هناك شك في تأثيره حتى الآن: حوّل البرنامج ملاوي إلى مصدر للحبوب: في عام 2005، استوردت الدولة ما يزيد على 40 في المائة من غذائها؛ وستصدر هذا العام أكثر من نصف ناتجها، بما في ذلك إلى كينيا المتضررة من المجاعة، بعد أن زادت محصول الذرة ثلاثة أضعاف خلال أربع سنوات.
وقدمت البرازيل الدعم أيضا للمدخلات، حيث أطلقت برنامجا يقدم الائتمان إلى 14 ألف جرار زراعي في عامه الأول. إلا أن تدخلها الأكبر هو توسيع شبكة الأمان التي تسمح لأصحاب المزارع العائلية ببيع أغذية بقيمة 800 دولار إلى الحكومة كل عام؛ تستخدم الحكومة جزءا من الغذاء كاحتياطات للمساعدة على تحقيق استقرار الأسعار وتستخدم جزءا آخر للوجبات الغذائية في المدارس التي تعتبر جزءا من خطة التحويلات النقدية المشروطة في الدولة التي تلقت الكثير من الثناء، وهي Bolsa Familia.
وتستخدم الكثير من الدول المساعدة المقدمة للمزارعين كإجراء لمكافحة الفقر. فقد وسعت الهند العام الماضي مثلا نطاق قانون ضمانات التوظيف الريفي الوطني ليشمل كل المناطق الريفية، ويضمن هذا القانون 100 يوم من التوظيف بالحد الأدنى من الأجور في الأشغال العامة لكل عائلة ريفية تطلب ذلك. ويعود الفضل لهذا القانون، الذي يعتبر أحد أكبر مخططات إيجاد فرص العمل في العالم، في الحفاظ على الطلب الريفي في مواجهة إحدى أسوأ الرياح الموسمية منذ سنوات. وأدخلت الهند أيضا برنامج التنازل عن الديون الزراعية لمرة واحدة لنحو 40 مليون مزارع.
وفي ذروة ارتفاع أسعار الغذاء عام 2008، حظرت العديد من أكبر الدول المنتجة للأغذية تصدير المحاصيل (كانت تسعى لتخفيف التأثير المحلي للأسعار العالمية المرتفعة). وتم رفع معظم هذه القيود واستبدالها بمجموعة من سياسات الأسعار والتسويق، التي تعتبر العديد منها حكيمة. وتشير تقديرات أوغندا مثلا إلى أن المزارعين زادوا محاصيلهم بنسبة 5-15 في المائة بعد نشر معلومات الأسعار والأسواق على نطاق أوسع. وحسنت كينيا تغذية شعبها عن طريق إزالة القيود المفروضة على بيع الحليب غير المبستر (يعتبر الحليب إحدى أهم المواد الغذائية في شرق إفريقيا). وينتشر الآن أيضا إنشاء احتياطات للحبوب للتخفيف من حدة تقلبات الأسعار المحلية من خلال بناء الصوامع في القرى: هذا ما تفعله بوركينا فاسو وبوروندي وجامبيا.
يبدو كل هذا مثيرا للإعجاب، كما أنه مصحوب بوتيرة محمومة بالقدر نفسه تقريبا للتغيير بين شركات الأغذية التجارية. وقد بدأت بعضها بالاستثمار مباشرة- للمرة الأولى غالبا- في الزراعة في الدول الفقيرة، حيث تقدم للمزارعين مجموعة منوعة من البذور أو النباتات المقاومة للجفاف والأمراض. وتنتشر المراكز التجارية الزراعية في كل مكان، وهي مراكز موحدة لتقديم الخدمات حيث يمكن للمزارعين شراء البذور والأسمدة واستئجار المعدات الزراعية والحصول على التأمين على المحاصيل.
إلا أن هناك إشارات مثيرة للقلق تدل على أن ليس كل شيء على ما يرام. فإلى جانب زيادات الاستثمار والاهتمام، هناك شيء ما أكثر خطرا: التحول بعيدا عن التجارة والأسواق والكفاءة. واعتمادا على المدى الذي يمكن أن يذهب به هذا الاتجاه، قد يؤدي إلى إبطال الكثير من فوائد الاستثمارات الجديدة.
لقد كانت زيادات الأسعار عام 2008 مؤلمة. فحين منعت تايلاند وفيتنام، أكبر دولتين مصدرتين للأرز في العالم، الصادرات، استنتجت الفلبين، أكبر دولة مستوردة في العالم، أنه لا يمكن بعد الآن الوثوق بتجارة القمح الدولية لتزويدها باحتياجاتها. وخوفا مما قد يحدث نتيجة لضعف محصول الهند هذا العام، أبرمت الفلبين في الأسبوعين الماضيين عقودا لشراء 1.5 مليون طن من الأرز - ما يعادل 5 في المائة من إجمالي التجارة السنوية في الحبوب. وهذا الشراء المدفوع بالذعر ناتج عن انعدام الثقة. وفي المقابل، تتفاوض الهند مباشرة مع تايلاند وفيتنام لشراء الأرز، مما قد يقلل بصورة أكبر من الإمدادات القابلة للتداول من هذه السلعة القليلة أصلا.
وتعتبر حالات ''شراء الأراضي'' الكبيرة في إفريقيا وآسيا أيضا دلائل على انعدام الثقة بالأسواق العالمية. واختارت الدول المستوردة للغذاء التي تملك المال - مثل السعودية والكويت والصين وكوريا الجنوبية - زراعة المحاصيل على أراض تملكها أو تسيطر عليها في الخارج بدلا من استيرادها من خلال التجارة الدولية. وأبرم ''المشترون للأراضي'' (معظمهم من الشركات المملوكة للدولة أو الحكومات) عقودا لشراء أو تأجير نحو 20 مليون هكتار (50 مليون فدان) من أفضل الأراضي الزراعية في الدول الفقيرة.
يبدو أن الثقة بأسواق الحبوب العالمية ضعيفة بين الدول الصناعية أيضا. وتتحمل الدول الغربية جزء من اللوم على فشلها في استكمال جولة الدوحة للمحادثات التجارية. فهي لم تبذل جهودا كافية لتقليل الإعانات المقدمة للوقود الحيوي، الذي أخذ كميات كبيرة من الذرة من أسواق الغذاء وحولها إلى وقود. وقد حث المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية وغيره الدول على تهدئة أعنف تقلبات الأسعار (وبالتالي توفير قدر من الاطمئنان للمستوردين) عن طريق وضع نظام لاحتياطات الحبوب الإقليمية أو الدولية أو عن طريق توفير التمويل في حالات الطوارئ الذي يمكن استخدامه إذا ارتفعت الأسعار. إلا أن القمة لم تفعل شيئا لتحسين عمل الأسواق العالمية أو لتخفيض إعانات الوقود الحيوي.
وتماما مثلما يبدو أن انعدام الثقة بالتجارة العالمية بدأ بالتزايد، كذلك بدأت الثقة بالأسواق المحلية في الانخفاض. ووفقا لاستعراض للسياسات الزراعية الوطنية من قبل منظمة الأغذية والزراعة، اتخذت نحو ثلثي الدول النامية إجراءات من نوع ما لا تستند إلى السوق لدعم المزارعين منذ عام 2007، بما في ذلك إعانات المدخلات والتدخلات في الأسعار. وبدأت حكومتا بوركينا فاسو وسيراليون في التفاوض مع تجار الجملة للسيطرة على الأسعار مباشرة. وفرضت دول أخرى، مثل مدغشقر، ضوابط أسعار مباشرة. والصورة هنا مشوشة: تسعى بعض الدول لتحسين عمل أسواقها. إلا أن ستا من الدول الإفريقية الـ 34 التي أبلغت منظمة الأغذية والزراعة باستجاباتها قالت إنها ستقترح ضوابط على الأسعار.
ولعل الاتجاه الأكثر إثارة للدهشة هو الانتقال من ''الأمن الغذائي'' إلى ''تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي'' كهدف للسياسة الوطنية. ويعني الأول ضمان أن يكون لدى الجميع ما يكفي من الطعام؛ ويعني الثاني أن تزرع غذاءك بنفسك. وتقول الفلبين إنها تأمل في أن تزرع 98 في المائة من الأرز الذي تحتاج إليه بحلول العام المقبل، مع أنه من غير الواضح فيما إذا كانت قادرة على تحقيق هذا الهدف. وفي العام الماضي، قال الرئيس Susilo Bambang Yudhoyono: ''على إندونيسيا أن تكافح لبلوغ الاكتفاء الذاتي الغذائي،'' معلنا عن زيادات كبيرة في البذور والأسمدة والإعانات الائتمانية. وتستورد السنغال 80 في المائة من الأرز الذي تحتاج إليه، مما يضع هذه الدولة الإفريقية الصغيرة ضمن أكبر عشر دول مستوردة للأرز. واستجابت الدولة التي هزتها أعمال الشغب بسبب الغذاء عام 2008، من خلال ما وصفته بـ ''الهجوم العظيم للحصول على الغذاء والوفرة''، ووعدت بأن تحقق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية الأساسية. ومن بين الدول الأخرى التي تريد تحقيق الهدف نفسه، هناك الصين وماليزيا وكولومبيا وهندوراس.
ويتزامن هذا التحول نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي مع تزايد الشكوك بشأن التجارة العالمية، والأمثلة على ضوابط الأسعار، وتوسيع نطاق المشاركة الحكومية. ولمحت منظمة الأغذية والزراعة إلى أن التحول قد يكون ''تغيير النموذج'' في الزراعة.
وقد يؤدي مثل هذا التحول إلى تبديد الآمال التي أثارتها الاستثمارات الجديدة لأن المزارعين سيحصلون على مؤشرات أسعار وهمية، ولأنه سيتم تعريض الكفاءة للخطر، ولأنه، كما يقول رئيس العمليات في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ''من الصعب تنفيذ مشاريع جيدة حين تكون بيئة السياسات سيئة''. ولم يسبق أن كانت السياسة الغذائية حرة. فمنذ الـ 20 عاما الماضية, يسيطر الانخفاض التدريجي في الاستثمار والتحول نحو بيئة السياسات الليبرالية نوعا ما على الزراعة في الدول النامية. وقد تم الآن عكس مسار الاتجاه الأول، نحو الأفضل. ومصدر القلق هو أن يتم عكس مسار الاتجاه الثاني أيضا - نحو الأسوأ

الأكثر قراءة