جدل متحيز لليوان
في أول زيارة له إلى الصين هذا الأسبوع، حث الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحكومة على السماح لعملتها بالارتفاع. واختار الرئيس هيو جينتاو تجاهله بأدب. وفي الأسابيع الأخيرة، دعا رئيس البنك المركزي الأوروبي، كان كلود تريشيه، والمدير الإداري لصندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس خان، أيضا إلى تقوية اليوان. إلا أن الصين لن تعدل قيمة عملتها إلا حين ترى أن ذلك مناسبا، وليس استجابة للضغوط الخارجية.
وقد سمحت الصين لليوان بالارتفاع بنسبة 21 في المائة مقابل الدولار في السنوات الثلاث حتى تموز (يوليو) 2008، ولكنها أبقت السعر ثابتا تقريبا منذ ذلك الحين. ونتيجة لذلك، انخفضت القيمة المرجحة تجاريا لليوان هذا العام بسبب الدولار الضعيف، في حين ارتفع عديد من العملات الأخرى. ومنذ آذار (مارس)، اكتسبت الريال البرازيلي وعملة كوريا الجنوبية، الوون، 42 في المائة و36 في المائة على التوالي مقابل اليوان، مما أضعف بصورة خطيرة القدرة التنافسية لهما.
وزادت التكهنات بشأن تغيير سياسة العملة في الصين في الأسبوع السابق لزيارة أوباما، بعد أن غير بنك الشعب الصيني الصياغة المعتادة لتقريره الفصلي حول السياسة النقدية. فقد أسقط عبارة بشأن إبقاء اليوان ''مستقرا بصورة أساسية'' وأضاف أن سياسة الصرف الأجنبي ستأخذ في الحسبان ''التدفقات الرأسمالية الدولية والتغيرات في العملات الرئيسية''. إلا أن مجلس الدولة، وليس البنك المركزي، هو الذي يقرر سياسة أسعار الصرف. ولا يفضل عديد من صنّاع السياسة، خاصة في وزارة التجارة، رفع قيمة العملة في الوقت الراهن.
وفي الواقع، أصبح المسؤولون الصينيون أكثر جرأة في التصدي لأمريكا. وقد قال متحدث باسم وزارة التجارة في السادس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر): ''لا نعتقد أنه من الجيد لانتعاش الاقتصاد العالمي أن تطلب من الآخرين رفع قيمة عملتهم في الوقت الذي تخفض فيه عملتك.. كما أن ذلك غير عادل''. وفي اليوم السابق، انتقد Liu Mingkang، رئيس لجنة التنظيم المصرفي في الصين، أمريكا بسبب انخفاض أسعار فائدتها وبسبب تراجع الدولار، الذي قد يشجع، كما لمح، على تجارة المناقلة بالدولار، وبالتالي تشكل فقاعات عالمية لأسعار الأصول. والغريب أنه تجاهل حقيقة أن السياسة النقدية المتساهلة جدا في الصين، التي تعود جزئيا إلى سعر الصرف الثابت فيها، قد تؤدي إلى فقاعات في أسواق العقارات والأسهم هناك.
ويقول الأجانب إن اليوان القوي لن يساعد فقط على تخفيف الاختلالات العالمية، مثل العجز التجاري في أمريكا، ولكنه سيفيد الصين أيضا. فهو سيساعد الصين على استعادة السيطرة على سياستها النقدية. وعن طريق ربط عملتها بالدولار، فهي تستورد، في الواقع، السياسة النقدية الأمريكية، المتراخية جدا بالنسبة للاقتصاد الصيني سريع النمو. وسيساعد اليوان القوي أيضا على إعادة التوازن للاقتصاد الصيني، حيث سيجعله أقل اعتمادا على الصادرات، مما يضع النمو المستقبلي على مسار أكثر استدامة.
إذا كان سعر الصرف الأقوى في مصلحة الصين، لماذا تعارض ذلك؟ ترفض بكين الاتهام بأن سياستها لأسعار الصرف منحتها ميزة غير عادلة. وصحيح أن عملات أخرى في الأسواق الناشئة ارتفعت بصورة حادة هذا العام، إلا أن هذا يتجاهل الصورة الكاملة. ففي العام الماضي، ثبتت الصين عملتها مقابل الدولار طوال فترة الأزمة المالية العالمية، في حين انخفضت عملات أخرى. ومنذ بداية عام 2008، ارتفع اليوان فعليا مقابل كل عملة باستثناء الين.
وتقول الصين أيضا إنها فعلت الكثير للمساعدة على إعادة التوازن العالمي. وبفضل حوافزها النقدية والمالية، أسهم الطلب المحلي بـ 12 نقطة مئوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، في حين خسرت أربع نقاط مئوية تقريبا بسبب صافي الصادرات. وانخفض فائض حسابها الجاري بنسبة النصف تقريبا، إلى نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من 11 في المائة عام 2007. ويتقبل صنّاع السياسة في الصين حقيقة أنه يجب رفع قيمة اليوان على المدى الطويل، ولكنهم يقولون إن الوقت الآن غير مناسب، لأن الصادرات الصينية لا تزال آخذة في الانخفاض، بنسبة 14 في المائة خلال الاثني عشر شهرا الماضية.
وهناك سبب آخر للتردد، وهو أن النظرية القائلة إن رفع قيمة اليوان سيسمح لبكين بتشديد سياستها النقدية نظرية بسيطة جدا. فتجربة الصين منذ 2005 تظهر أن الارتفاع التدريجي يشجع المستثمرين على المراهنة على رفع قيمة العملة أكثر؛ وحينها تؤدي تدفقات الأموال الساخنة إلى تضخم السيولة. وقد تنجح زيادة كبيرة لمرة واحدة، حيث ستقضي على التوقعات بزيادة أخرى. إلا أن نوع الزيادة اللازمة - ربما 25 في المائة - غير مقبولة سياسيا لأنها ستؤدي إلى إفلاس عديد من المصدرين بين عشية وضحاها. ويحذر بعض الاقتصاديين الصينيين من أن المنافع التي ستعود على أمريكا جراء رفع قيمة اليوان مبالغ فيها كثيرا. فاليوان القوي لن يخفض بصورة كبيرة العجز التجاري في أمريكا. وليس هناك كثير من التداخل بين الإنتاجين الأمريكي والصيني، لذا قد لا تحل السلع الأمريكية محل المستوردات الصينية. وبدلا من ذلك، قد يدفع المستهلكون مزيدا من المال لشراء المستوردات من الصين أو من دول منتجة أخرى، مثل فيتنام. وسيكون هذا أشبه بفرض ضريبة على المستهلكين الأمريكيين. وتساعد هذه الحجج على تفسير سبب تلكؤ الصين. ومع ذلك، فإن اليوان القوي سيفيد، على المدى الطويل، الاقتصاد الصيني - والاقتصاد العالمي - عن طريق المساعدة على تحويل النمو من الاستثمار والصادرات نحو الاستهلاك. ومن شأنه أيضا تعزيز القوة الشرائية للمستهلكين والضغط على أرباح الشركات، التي تشكل معظم الزيادة في الادخار المحلي المفرط في الصين في السنوات الأخيرة. ومن المرجح أن تسمح الصين لليوان بالبدء بالارتفاع ثانية في وقت مبكر من العام المقبل. ولن يكون هذا نتيجة الضغوط الخارجية - في الواقع، قد تغير الصين سياستها إذا التزم صناع السياسة الأجانب الصمت. ولكن بحلول أوائل العام المقبل، من المتوقع أن تبدأ الصادرات الصينية بالنمو من جديد، وقد يقترب نمو ناتجها المحلي الإجمالي على أساس سنوي من 10 في المائة وسيصبح معدل التضخم فيها إيجابيا. وحينها، ستبدو الحجج الداعية لرفع قيمة العملة أكثر أهمية بكثير