تطوير منطقة الظهيرة .. هل نلحق الفأس قبل أن تقع على الرأس؟
لفت انتباهي خبر نشر الأسبوع الماضي مفاده قيام شركة الرياض للتعمير بصفتها قائدة التحالف لتطوير منطقة الظهيرة, باستعراض المرحلة الخامسة والأخيرة لتصاميم مشروع الظهيرة، حيث أعلنت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في وقت سابق موافقتها على تطوير منطقة الظهيرة وسط العاصمة، وهو مشروع ضخم يصب في مصلحة العاصمة. وللقراء ممن لا يعرفون منطقة الظهيرة, فهي أحد أهم وأشهر الأحياء القديمة في وسط العاصمة الرياض وتقع قريبة من منطقة قصر الحكم وأسواق الرياض القديمة على مساحة 750 ألف متر مربع، وتمثل جزءا رئيسا من الرياض القديمة ولها تاريخ حافل يحكي تاريخ الرياض من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ومنطقة الظهيرة بلا شك جزء أثير لدى كثير من سكان الرياض من الرعيل الأول الذين عاشوا حقبة سوق الجفرة وسويقة والمقيبرة وسوق أهل أوشيقر والحلة، ومن بقي من هذا الجيل يبتئس بلا شك عند زيارته الظهيرة اليوم، فواقعها اليوم يختلف عن ماضيها الذي عايشوه صغارا وشبوا عليه فتياناً وغادروه مأسوفاً عليه كباراً، فهي مجموعة من بيوت الطين التي أصاب كثير منها العطب ولا يسكن باقي بيوتها التي لم تسقط سوى العمالة في الغالب الأعم، حيث أصبحت منطقة مليئة بالمخالفات النظامية والعمالية والشرعية، وهذا ما يجعل توجه الهيئة في تطوير منطقة الظهيرة توجها محموداً تشكر عليه.
لقد قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بمشاريع كثيرة تصب في مصلحة العاصمة، ولها جهود مشكورة في هذا الصدد، ومن أبرز هذه المشاريع ما يتعلق بتطوير منطقة وسط الرياض التي شملت منطقة الحكم، وقد كان نجاح الهيئة بارزا في تطوير منطقة قصر الحكم والجامع الكبير والمرافق التي شملها المشروع، إلا أن هذا التطوير لم يحالفه التوفيق عند تبني الهيئة للمشاريع الاستثمارية حيث قامت شركات ضخمة أسست خصيصاً لتبني مشاريع وسط العاصمة ''الرياض القديمة''، وأدعو الهيئة والمستثمرين قبل التحرك خطوة في هذا المشروع إلى دراسة متأنية لواقع المشاريع القائمة من الناحية الاستثمارية والتشغيلية والتسويقية.
من أبرز هذه المشاريع ''أسواق المعيقلية'' و''مركز التعمير''، اللذان واجهتهما كثير من العقبات الاستثمارية في سبيل تحقيق أهدافهما الاستثمارية ويشترك مع هذين المشروعين ''مركز ابن سليمان التجاري'' الذي يقع وسط الرياض بين شارعي البطحاء والوزير، وعلى الرغم من بذل الشركات المستثمرة كثيرا من الجهود في تصميم وتشييد هذه المشاريع وإدارتها وتشغيلها وتسويقها، إلا أن هذه الجهود كانت تتحطم على صخرة الموقع، الذي شكل حجر عثرة في سبيل نجاح هذه المشاريع، حيث إن القاعدة الذهبية في المشاريع العقارية تنص على ثلاثة أمور يجب إعطاؤها الأولوية القصوى قبل البدء في المشروع العقاري، وهي الموقع ثم الموقع ثم الموقع.
ومع الأسف فإن موقع هذه المشاريع، وأي مشاريع أخرى مستقبلية في منطقة وسط الرياض بما فيها منطقة الظهيرة وإن كانت ذات تأثير عاطفي كبير في سكان الرياض, إلا أنها لا تتمتع بأي جاذبية تسويقية للجمهور (وأتحدث هنا عن المستخدم النهائي للمشروع), وذلك لسبب رئيس واحد, وهو الموقع، والمشكلة هنا أن أحد أبرز مكونات التكلفة الاستثمارية للمشاريع العقارية هي الأرض، وفي وسط الرياض تقع المشكلة أن قيمة الأرض ستكون العامل الأبرز والأكثر تأثيراً نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي في تلك المنطقة، في حين أنه العامل الأكثر سلبية من وجهة نظري، لذلك أرى أن تتم دراسة مشروع الظهيرة والتعامل معه بحساسية عالية، خاصة من حيث العملاء المستهدفين، ويجب أن تركز الدراسة على مكونات المشروع المناسبة للمنطقة، وكذلك حجم المشروع الذي ستتم إقامته، الذي يجب أن يتمتع بالتصميم الأنسب وليس الأجمل أو الأفخم، وبالتالي أقترح على التكتل الاستثماري لمشروع الظهيرة الإجابة عن الأسئلة التالية التي يصعب الإجابة عنها، وهي :
* هل سيتم استرجاع التكاليف المستثمرة في المشروع؟ ومتى؟
* هل سيحقق المشروع عوائد مناسبة للمستثمرين؟
* هل بذل الجهد والمال والوقت في مشروع الظهيرة هو الخيار الأنسب للمستثمرين؟
* هل أولوية مشاريع العاصمة تصب في الظهيرة وفي مشروع عقاري، أم أن الرياض في حاجة إلى مشاريع أخرى أكثر أولوية وأمس حاجةً وتأثيراً؟ في رأيي أن أنسب استخدام لمنطقة الظهيرة ولوسط الرياض بشكل عام، هو أن يتم استثمارها بإنشاء حدائق ومتنزهات ومناطق عامة، وملاعب وساحات مفتوحة للشباب، وتتضمن المكونات الاستثمارية المتناسبة مع هذا التوجه والمتناغمة معه، وأن يكون المشروع فعلاً متنفساً جديداً لأهل الرياض ورئة إضافية لمنطقة وسط العاصمة المزدحمة أصلاً، ورحمة بالشركات المستثمرة من تجميد أموالها وأموال مساهميها في مبان ومنشآت ضخمة يملؤها الفراغ وتبقى متنزهاً للشمس والهواء.
أقترح على الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لتخفيض تكلفة المشروع على الأمانة أو على المستثمرين، أن يتم نزع ملكيات الأراضي وتعويض ملاك الأراضي في منطقة الظهيرة بأراض بديلة في مواقع سكنية أو تجارية متميزة في مدينة الرياض وفقاً لمواقع أراضيهم الحالية في منطقة الظهيرة، واعتبار الأراضي المنزوعة مساهمة من الهيئة في المشروع. والله من وراء القصد.