لعبة دومينو جديدة

لعبة دومينو جديدة

عرّف السفير الأمريكي الجديد إلى ألمانيا، Philip Murphy، عن نفسه لأهل برلين أخيرا في جامعة Humboldt. وأعلن قائلا: ''العلاقة بين ألمانيا وأمريكا هي أهم علاقة خلال الستين عاما الماضية''. ولعل هذا كان صحيحا حين كان جدار برلين قائما، حيث كان Murphy يتحدث إلى شباب المدينة على الجزء الغربي منه. ولكنه لم يعد صحيحا حين سقط الجدار قبل 20 عاما.
وطالما كان الجدار قائما، كانت ألمانيا الغربية على الخط الأمامي للمواجهة مع الاتحاد السوفياتي. وأدى سقوطه، الذي أحياه الزعماء الأوروبيون هذا الأسبوع بالألعاب النارية وإسقاط 1.000 حجر دومينو مرسوم باليد، إلى زيادة عدد سكان ألمانيا بنسبة الربع، وزيادة أراضيها بنسبة الخمسين، وزيادة اقتصادها بنسبة العشر. ولم تكن فرنسا وبريطانيا الوحيدتين اللتين تشعران بالقلق من عودة الألمان إلى وسائلهم المتعجرفة. وفي الواقع، تضاءلت الأهمية النسبية لألمانيا. وهي اليوم قوة متوسطة الحجم نفوذها كبير داخل أوروبا ولكن ليس خارجها.
وتدرك أنجيلا ميركل، التي بدأت للتو فترة ولايتها الثانية كمستشارة، هذا. ولكنها تريد أيضا أن تظل ألمانيا مهمة. والدبلوماسية هي أحد الطرق المفضلة لديها ومصدر شعبيتها. وقد قالت في مقابلة هذا الأسبوع إن أكبر مهمة لألمانيا خلال الـ 20 عاما المقبلة هي المساعدة على حل النزاعات خارج حدودها. فهي أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي، وتحتل المرتبة الثانية في كلا المقياسين بعد أمريكا في الناتو. وربما لا تدير ميركل قوة عظمى ولكن يمكنها أن تصف نفسها بأنها أفضل زعيم من الدرجة الثانية.
وكانت ميركل حذرة وانتقائية في فترة ولايتها الأولى. فقد كانت في مركز الصدارة فيما يتعلق بالتغير المناخي، وهو موقف تعتزم الحفاظ عليه في قمة كوبنهاجن في الشهر المقبل. وقد حذرت في وقت سابق أن المضاربات المالية غير المنظمة خطرة، وهي تدعو بقوة منذ أن اندلعت الأزمة إلى فرض تنظيمات أشد صرامة. وقالت إنه لتجنب أزمة أخرى، يجب على العالم تبني نسخة ألمانيا المعتدلة من الرأسمالية، اقتصاد السوق الاجتماعية.
ولكن فيما يتعلق بمسائل الحرب والسلام، لم تتخل ألمانيا بعد عن تحفظاتها. ولديها ثالث أكبر فرقة جنود تحت قيادة الناتو في أفغانستان، ولكن وجودهم يقتصر إلى حد كبير على شمال الدولة الأقل عنفا. وتتاجر ألمانيا أكثر من أمريكا مع دول مثيرة للمشكلات، مثل روسيا وإيران، مما قد يمنحها النفوذ ولكنه قد يمنحها أيضا أسبابا لعدم مواجهتها. وتعتبر قواتها المسلحة ''الأقل انتشارا وتنقلا واستدامة من بين الجيوش الرائدة للناتو والاتحاد الأوروبي'' وفقا لمقال صدر أخيرا عن Christian Hacke، محلل السياسة الخارجية.
وستبدأ ميركل فترة ولايتها الثانية في عالم متغير. وقد استسلم جورج بوش لباراك أوباما، الذي يريد ''إعادة ضبط'' العلاقات مع روسيا والتحدث إلى إيران. ولدى ألمانيا فريق جديد للسياسة الخارجية. ويرغب Guido Westerwelle، زعيم الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، في ترك بصمته بصفته وزيرا للخارجية. أما Karl-Theodor zu Guttenberg، وزير الدفاع الجديد، فهو أحد أكثر السياسيين شعبية في ألمانيا. وسيجهز الاتحاد الأوروبي نفسه قريبا برئيس جديد للمجلس الأوروبي وممثل أعلى ذي صلاحيات أكبر للسياسة الخارجية.
وقد لمّحت ميركل وزملاؤها إلى أن السياسة قد تتغير قليلا، أيضا. وذهبت هذا الأسبوع إلى باريس للانضمام إلى نيكولا ساركوزي لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى، وهي سابقة بالنسبة لأي مستشار ألماني وإشارة إلى أولئك (في باريس خاصة) الذين يتوقون لحقبة جديدة من العلاقات الفرنسية الألمانية. وقبل أسبوع، ألقت خطابا أمام الكونجرس الأمريكي، وهو الأول لأي مستشار ألماني منذ 52 عاما، واستخدمت لهجة قوية للتحدث عن إيران، حيث تعهدت باتباع سياسة ''عدم التسامح'' فيما يتعلق بالأسلحة النووية في يديها ''وعقوبات اقتصادية صارمة'' إذا فشل الحوار. وهناك تكهنات بأن ألمانيا قد تبذل جهدا أكبر في أفغانستان وباكستان، بل قد تتحدى الرأي العام عن طريق إرسال المزيد من الجنود. وحين سئل أخيرا فيما إذا كانت الحكومة ستغير فترة ولاية البعثة الأفغانية، التي تنتهي في كانون الأول (ديسمبر)، أجاب zu Guttenberg بصورة مبهمة بما فيه الكفاية لإبقاء خياراته مفتوحة.
وبناء على طلب Westerwelle، تقترح الحكومة الجديدة التفاوض على إزالة ما تبقى من الأسلحة النووية الأمريكية على الأراضي الألمانية، وهي فكرة تبدو متواضعة ولكن ذات معان ضمنية كبيرة. وليس للأسلحة التكتيكية، التي يوجد العشرات منها، غرض عسكري مهم؛ ومن شأن إزالتها استكمال هدف أوباما طويل الأجل المتمثل في القضاء على الأسلحة النووية. ولكنه قد يزعج حلفاء مثل تركيا التي تعتمد على الحماية النووية الأمريكية. وإزالة هذه الأسلحة من ألمانيا ''يجب أن يكون جزءا من تحول أكبر داخل الناتو'' قد يشمل توسيع نطاق الردع النووي في الشرق الأوسط، كما يقول Henning Riecke من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية.
وتريد ميركل، التي اتهمت بالتردد في ولايتها الأولى، حين كان الاتحاد الديمقراطي المسيحي في التحالف الكبير مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، أن تبدأ شراكتها مع الحزب الديمقراطي الحر بجرأة أكبر. وفي أول بيان لها أمام البوندستاغ (مجلس النواب الاتحادي) في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، كانت صريحة فيما يتعلق بالأضرار الناجمة عن الأزمة الاقتصادية. فقد قالت خلال الاحتفالات ما بعد جدار برلين إنه سيتم إسقاط الجدران التي تنشأ في المستقبل إذا كانت الدول مستعدة ''للتخلي عن صلاحيات للمنظمات متعددة الأطراف، مهما كانت التكاليف''. وكان هذا يستهدف كوبنهاجن، ولكنه قد ينطبق أيضا على الناتو والاتحاد الأوروبي. وربما تدرك ميركل أن ألمانيا لن تكون مهمة إلا إذا كانت لاعبة في الفريق

الأكثر قراءة