الخلطة السرية

الخلطة السرية

لعل نمو الإنتاجية هو المقياس الأهم لصحة الاقتصاد. فليس هناك شيء أكثر أهمية لمستويات المعيشة طويلة الأجل من التحسينات في كفاءة الاقتصاد في الجمع بين رأس المال والعمالة. وللأسف، يتم قياس نمو الإنتاجية بحد ذاته بصورة غير فاعلة غالبا. فمعظم المحللين يركزون على إنتاجية العمالة، التي يتم حسابها عادة عن طريق تقسيم الناتج الإجمالي على عدد العمال، أو عدد ساعات العمل. ووفقا للأرقام الجديدة المنشورة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر)، زاد الناتج الأمريكي لكل ساعة عمل بنسبة 4.3 في المائة خلال العام الماضي، وذلك بفضل التخفيضات الكبيرة في الوظائف. والنسبة أكثر إثارة للإعجاب في الصين، حيث ارتفعت إنتاجية العمالة بنسبة 7 - 8 في المائة.
والمشكلة هي أن إنتاجية العمالة مقياس غير مكتمل للكفاءة. فقد تزيد الشركات الناتج لكل ساعة عمل للعمال عن طريق زيادة الاستثمار وتزويد العمل بآلات أفضل. ولكن حالما يتم أخذ الإنفاق الرأسمالي الإضافي في الحسبان، قد يكون هناك مكاسب قليلة، وقد لا يكون هناك مكاسب، في الكفاءة الاقتصادية ككل. ويعكس جزء من زيادة إنتاجية العمالة في أمريكا خلال حقبة ''الاقتصاد الجديد'' في أواخر التسعينيات زيادة الاستثمار كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. والزيادة الهائلة في إنتاجية العمالة في الصين في السنوات الأخيرة تعود جزئيا إلى الاستثمارات الضخمة بدلا من كونها مكاسب كفاءة حقيقية.
والمقياس الأفضل لاستخدام الاقتصاد للموارد هو ''الإنتاجية الكلية للعوامل''، الذي يحاول تقييم كفاءة استخدام كل من رأس المال والعمالة. وبمجرد أن تتوقف قوة العمل في الدولة عن النمو وتتسبب زيادة رأس المال في انخفاض العائد على الاستثمارات الجديدة، تصبح الإنتاجية الكلية للعوامل المصدر الرئيسي للنمو الاقتصادي المستقبلي. وللأسف، فإن قياس الإنتاجية الكلية للعوامل أصعب بكثير من قياس إنتاجية العمالة. ويتم حسابها كزيادة النسبة المئوية في الناتج التي لا تبررها التغييرات في حجم المدخلات من رأس المال والعمالة. وبالتالي، إذا ارتفع رأس المال وقوة العمل بنسبة 2 في المائة وارتفع الناتج بنسبة 3 في المائة، تزيد الإنتاجية الكلية للعوامل بنسبة 1 في المائة. وقياس ساعات العمل سهل إلى حد كبير، إلا أن الطرق المختلفة لتقدير رأس المال للدولة قد تنتج نتائج مختلفة.
وتنشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إحصاءات عن أعضائها من الدول الغنية. وتبين هذه الإحصاءات أنه منذ عام 1990، كان متوسط نمو الإنتاجية الكلية للعوامل متشابها بصورة ملحوظة في أمريكا واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، حيث بلغ 1 في المائة سنويا. ويحاول تقرير جديد كتبه Andrew Gates، وهو اقتصادي في UBS، تقدير نمو الإنتاجية الكلية للعوامل في الاقتصادات الناشئة خلال العقدين الماضيين. وتشير حساباته إلى أن الصين حققت حتى الآن أسرع نمو سنوي للإنتاجية الكلية للعوامل، حيث بلغ 4 في المائة. وربما لم تحظ أية دولة أخرى في التاريخ بهذه المكاسب السريعة في الكفاءة. وتمتعت الهند واقتصادات ناشئة أخرى أيضا بنمو إنتاجية أسرع من دول نامية أو متقدمة أخرى. وفي المقابل، ارتفعت الإنتاجية في البرازيل وروسيا ببطء أكبر عنها في الاقتصادات الغنية.
وتقوض هذه الأرقام الزعم الشائع بأن النمو السريع للصين يستند فقط إلى الاستثمارات الضخمة. ويحب المتشككون مقارنة الصين بالاتحاد السوفياتي، الذي أنتجت فيه الاستثمارات الهائلة أيضا معدلات نمو سريعة لعدة سنوات قبل انهياره. إلا أن الفرق الكبير بينهما هو أن الإنتاجية الكلية للعوامل في الاتحاد السوفياتي انخفضت فعليا بمعدل سنوي بلغ 1 في المائة خلال الثلاثين عاما حتى 1988. وفي المقابل، ارتفعت الإنتاجية في الصين بسبب التوسع الهائل للمشاريع الخاصة، وانتقال العمالة خارج القطاع الزراعي إلى الوظائف الأكثر إنتاجية في الصناعة. ومتوسط العائد على رأس المال المادي في الصين أعلى الآن من المتوسط العالمي، وفقا لـ Goldman Sachs، في حين كان أقل من نصف المتوسط العالمي قبل عقد من الزمن. لماذا قادت الاقتصادات الآسيوية الطريق؟ إن أهم العوامل المحددة لنمو الإنتاجية على المدى الطويل هي نسبة تبني التكنولوجيات القائمة والجديدة، ووتيرة الابتكار العلمي المحلي، والتغيرات في تنظيم الإنتاج. وتعتمد هذه بدورها على عوامل مثل انفتاح الاقتصاد على الاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة، والتعليم، ومرونة أسواق العمل.
وباستخدام مؤشر مركب من تغلغل التكنولوجيا والابتكار (بما في ذلك مثلا أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة لكل شخص)، وجد Gates علاقة قوية بين معدل الزيادة في التقدم التكنولوجي للاقتصاد وبين نمو الإنتاجية فيه. ولا يزال المستوى التكنولوجي في الصين متخلفا عنه في أمريكا، ولكنه شهد حتى الآن أسرع معدل تحسن خلال العقد الماضي. وليس السبب فقط في أن الصين بدأت من قاعدة منخفضة، بل أيضا لأنها أكثر انفتاحا على الاستثمار الأجنبي من عديد من الاقتصادات الناشئة الأخرى، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية حين كانتا في مرحلة مماثلة من التنمية. ونمو الإنتاجية الكلية للعوامل في الصين أسرع بضعفين تقريبا عنه في اليابان وكوريا الجنوبية خلال فترات الذروة للنمو الاقتصادي فيهما.

ميزة واعدة
ويوحي تحليل UBS أن الصحة المالية للشركات والحكومات مهمة أيضا لنمو الإنتاجية. وعلى الرغم من أن الإنتاجية الكلية للعوامل تقيس المكاسب الإضافية في الكفاءة الاقتصادية بعد الأخذ بعين الاعتبار التأثير المباشر لمخزون رأس المال الأكبر، إلا أن الميزانيات الضعيفة تقيد توافر رأس المال للتكنولوجيا الجديدة والابتكار. وبالتالي قد تخفف الأزمة المالية من نمو الإنتاجية الكلية للعوامل في عديد من الدول الغنية. ويخشى بعض المحللين أيضا أن يتم تقييد نمو الإنتاجية المستقبلي في الاقتصادات الناشئة بسبب النمو الأبطأ في التجارة العالمية وتدفقات رأس المال. إلا أن Gates يقول إنه من المفترض أن تساعد الميزانيات المحلية القوية في معظم الاقتصادات الناشئة، إلى جانب استمرارها في تبني التكنولوجيات القديمة والجديدة بصورة سريعة، على دعم مكاسب الإنتاجية القوية. وهو يعتقد أن الصين والهند وإندونيسيا والبرازيل تبدو في وضع جيد بصورة خاصة. وسيساعد أيضا زيادة الإنفاق على البنية التحتية في الصين. ومع ذلك، حتى لو ظل نمو الإنتاجية في الصين أسرع منه في العالم المتقدم، إلا أنه من المرجح أن يتباطأ إلا إذا نفذت الحكومة إصلاحات أكثر جرأة. ولا يزال نمو الصين يحتاج إلى رأس مال كبير أيضا. وسيؤدي انفتاح قطاع الخدمات على الشركات الخاصة وتسهيل انتقال العمال من المناطق الريفية إلى الحضرية إلى توزيع العمالة ورأس المال بشكل أفضل. وسيساعد هذا على الحفاظ على النمو السريع، ولكنه سيجعله أيضا أكثر كثافة من حيث الوظائف. وقد يؤدي انخفاض إنتاجية العمالة الناتج عن ذلك إلى إثارة قلق بعض المحللين، إلا أن الإنتاجية الكلية للعوامل ستظل قوية

الأكثر قراءة