هل سيقفز؟

هل سيقفز؟

بعد خمس سنوات منحوسة رئيسا للفلسطينين، أعلن محمود عباس (الذي يعرف أيضا باسم أبو مازن) فجأة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) أنه لن يسعى لإعادة انتخابه في كانون الثاني (يناير)، الوقت المقرر لإجراء الانتخابات العامة والرئاسية في الأراضي الفلسطينية. وظاهريا، كان قراره ضربة لقضية السلام. وحتى قبل أن يخلف ياسر عرفات، الذي توفي عام 2004، برز عباس بوصفه رجل سلام يفضل التفاوض على العنف، في حين كان عرفات يوفق بين الاثنين، على الأقل بنظر معظم الإسرائيليين. ولكن من سيتولى الرئاسة بعد تنحي عباس؟ وما هو الاتجاه الذي سيسلكه الرئيس الجديد؟
إلا أن الارتباك انتشر في غضون ساعات من إعلان عباس. فأولا، سرعان ما أصبح من غير الواضح فيما إذا كان عباس سيتنحى حقا. فكثيرا ما هدد بالاستقالة. وربما يسعى عباس إلى الحصول على تنازلات ثمنا لبقائه في منصبه - والعودة إلى مائدة المفاوضات، بعد أن أغضبه قرار الإدارة الأمريكية أخيرا بالتنازل عن إصرارها السابق بأن على الحكومة الإسرائيلية وقف بناء وتوسيع المستوطنات اليهودية تماما في الضفة الغربية، الجزء الأساسي في الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وربما كان مثلا لا يزال يسعى لإقناع باراك أوباما بإصدار بيان بأنه يجب أن تتوافق حدود الدولة الفلسطينية مع حدود عام 1967، وإن كان عن طريق مقايضة الأراضي للسماح لإسرائيل بالاحتفاظ ببعض أكبر كتلها الاستيطانية، وأنه يجب تقاسم القدس، بحيث يصبح الجانب الشرقي منها عاصمة الدولة الفلسطينية. وبعد بضعة أيام من إعلان عباس بأنه ضاق ذرعا، التقى بنيامين نتنياهو أوباما في البيت الأبيض. ولا شك أن الاثنين ناقشا طرق إبقاء عباس في الساحة.
إلا أن بعض مساعدي الزعيم الفلسطيني يصرون أنه سيتنحى هذه المرة. وتوقع آخرون أن يتم إقناعه بالبقاء. وتكهن آخرون أنه قد يتخلى عن منصبه كرئيس السلطة الفلسطينية ويستمر في منصبه كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، المنظمة الشاملة التي تضم مجموعة من الجماعات القومية، وكرئيس لحركة فتح، الحزب العلماني الذي يعتبر محرك السياسة الفلسطينية منذ أكثر من نصف قرن والذي يدير السلطة الفلسطينية.
وفي خطاب الاستقالة، انتقد عباس بقسوة الحكومة الإسرائيلية على عنادها بشأن المستوطنات، وانتقد الأمريكيين لأنهم خذلوه، وانتقد الحركة الإسلامية الفلسطينية، حماس، لأنها رفضت قبول شروط حكومة الوحدة الفلسطينية التي اقترحتها مصر. وهي تحاول منذ أكثر من عام جمع الفصيلين المتنافسين.
وقد فازت ''حماس'' بالانتخابات الفلسطينية العامة الأخيرة، عام 2006. وبعد عام من ذلك، طردت في معركة دموية فتح من قطاع غزة، الجزء الأصغر من الدولة الفلسطينية المقترحة. ويقبع العديد من أعضاء البرلمان الذين ينتمون لـ ''حماس'' في الضفة الغربية في السجون الإسرائيلية. وحتى لو تم إجراء الانتخابات في موعدها، تقول ''حماس'' إنها سترفض المشاركة في ظل الظروف الراهنة. ومن جانبها، لن تتمكن فتح من تنظيم حملة انتخابية في غزة.
لذا من المرجح على أي حال أن لا يتم إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في كانون الثاني (يناير). وتم اقتراح إجرائها في شهر حزيران (يونيو). وفي هذه الأثناء، قد يظل عباس في السلطة بوصفه وصيا. ويبدو أن القليلين فقط يعرفون عن القوانين الدستورية التي تنظم الإجراءات الانتخابية الفلسطينية وغيرها من الإجراءات. وهي مرنة من وجهة نظر فتح، إلا أن حماس تقول، بشكل منطقي نوعا ما، إنه من غير القانوني أن يحتفظ عباس بمنصبه رئيسا للسلطة الفلسطينية منذ كانون الثاني (يناير) هذا العام، حين تنتهي ولايته لمدة أربع سنوات. وإذا لم يتم انتخاب زعيم جديد للسلطة الفلسطينية في غضون 60 يوما من تنحي الزعيم القديم، يصبح رئيس البرلمان هو الرئيس إلى أن يتم إجراء انتخابات. وسيكون هذا محرجا لأن رئيس البرلمان، عزيز الدويك، ينتمي إلى ''حماس''.
ما موقع عباس إذن البالغ من العمر 74 عاما؟ على الرغم من أنه يجب أن يتلقى معارضوه، سواء الإسرائيليين أو الفلسطينيين، الكثير من اللوم، إلا أن الواقع هو أنه فشل كزعيم. فهو متردد، حيث تردد بصورة ضعيفة بشأن المصادقة على تقرير جديد مثير للجدل كتبه ريتشارد جولدستون عن حرب غزة. ولعل الأسوأ من ذلك هو أنه أهدر فرصة عند قرب نهاية ولاية إيهود أولمرت كرئيس الوزراء الإسرائيلي في وقت سابق من هذا العام لانتهاز أفضل عرض قدمته إسرائيل حتى الآن، مع أنه تمت مناقشته سرا حين كان أولمرت يستعد للتنحي. ولو وافق عباس، لكان من الصعب على أي حكومة إسرائيلية مستقبلية التراجع. ولم يرشح أحد نفسه ليحل محله بعد. فقد طلب منه معظم كبار الشخصيات الفلسطينية حوله، بالإضافة إلى العديد من الإسرائيليين، إعادة النظر في قراره. والخليفة الأكثر احتمالا هو مروان البرغوثي، الذي يحظى باحترام ''حماس'' فضلا عن صغار أعضاء فتح، وبالتالي ستكون لديه فرصة أفضل بتشكيل حكومة وحدة- والتفاوض بصورة فعالة مع الإسرائيليين. ولكن المشكلة هي أنه يقبع في أحد السجون الإسرائيلية، حيث يقضي خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل خلال الانتفاضة التي بدأت عام 2000.
وقد بدأت تنتشر ثانية التقارير التي تقول إن حماس قد تطلق سراح الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، الذي تحتجزه ''حماس'' في غزة منذ ثلاث سنوات. وإذا حدث هذا، قد يكون البرغوثي جزءا من عملية تبادل أسرى قد تؤدي إلى إطلاق سراح نحو 300 - 400 فلسطيني. أو قد يتم انتخاب البرغوثي ليحل محل عباس ولكن مع بقائه في السجن كضمان دبلوماسي بحيث ينتظر أن تنتزع إسرائيل بعض الوعود العامة منه قبل إطلاق سراحه. وعلى أي حال يبدو من واقع الأمور أن عباس الودود لكن المنهك سيظل موجودا لبعض الوقت بعد

الأكثر قراءة