فقاعات خطيرة

فقاعات خطيرة

لطالما بدا التحدي الذي يواجه المصرفيين المركزيين في فترة ما بعد الأزمة سهل الوصف فعليهم المناورة بين فترات الانكماش قصيرة الأجل والخطر الأطول أجلا المتمثل في تسريع الأسعار الاستهلاكية. ولكن في الآونة الأخيرة ظهر مصدر قلق آخر، وهو أن تؤدي السياسة النقدية المتساهلة إلى إيجاد فقاعات خطيرة في جميع أنواع الأصول، من أسعار النفط إلى الشقق الآسيوية، التي قد تقلب الانتعاش العالمي رأسا على عقب.
ولا شك أن أسعار الأصول ارتفعت بصورة كبيرة فقد ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 62 في المائة عن أدنى مستوى له في التاسع من آذار (مارس)؛ وارتفع مؤشر MSCI لأسهم الاقتصادات الناشئة بنسبة 114 في المائة عن أدنى مستوياته قبل عام؛ وسعر النفط أعلى بنسبة 155 في المائة عما كان عليه في كانون الأول (ديسمبر) 2008. وسجلت أسعار الذهب رقما قياسيا جديدا بلغ أكثر من 1.120 دولار للأونصة في الـ 12 من تشرين الثاني (نوفمبر). وارتفعت أسعار المساكن الصينية بأسرع وتيرة لها منذ 14 شهرا في تشرين الأول (أكتوبر).
ومع ذلك، جاءت هذه الانتعاشات بعد فترات كساد كبيرة، لذا فإن مستويات أسعار الأصول ليست مثيرة للإعجاب إلى حد كبير. وباستثناء الذهب، لا تزال السلع أقل من فترات ذروتها في منتصف عام 2008. ومضاعف الأرباح لمؤشر أسهم A-share لشنغهاي أقل من نصف مستواه الذي بلغه خلال فقاعة عام 2007. وربما تكون الأسهم الأمريكية مقدرة بصورة كبيرة نسبة إلى الإيرادات، ولكنها أقل جنونا مما كانت عليه في فترات الازدهار السابقة. ووفقا لشركة Smithers & Co للأبحاث، فإن مكرر الأرباح لـ S&P 500 في أمريكا على أساس معدل دوريا أعلى بنحو 40 في المائة من متوسطه طويل الأجل، مقارنة بنسبة تزيد على 100 في المائة في أواخر التسعينيات.
وهناك أسباب أخرى تدعو للارتياح ففي وقت سابق من هذا العام، كان المستثمرون يشعرون بالذعر. ويعكس الجزء الأكبر من الانتعاش منذ ذلك الحين العودة إلى المجازفة الطبيعية. كما أن ازدهار الأصول الحالي لا يغذي الرفع المالي الذي جعل الكساد مروعا للغاية فإقراض البنوك آخذ في التقلص في أمريكا وضعيف في دول أخرى في العالم الغني. وفي آسيا، تم تقييد الاقتراض المتعلق بالعقارات بصورة كبيرة مقارنة بازدهاره في أمريكا قبل الأزمة. وتطالب السلطات، من سنغافورة إلى سيئول، بأن يدفع المقترضون دفعات أولية أعلى، كما تقيد الإقراض لمطوري العقارات.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ الإفراط في التفاؤل فقد يكون لأي انخفاض عنيف آخر في أسعار الأسهم آثار غير متناسبة على الثقة وبالتالي على الطلب. والمهم بالقدر نفسه هو أن أسعار الأصول الفقاعية قد تسبب أضرارا قبل انفجار أي فقاعة بوقت طويل، وذلك عن طريق زيادة خطر ارتكاب الأخطاء من قبل المصرفيين المركزيين.
وهذا الخطر أكثر وضوحا في الدول - خاصة الأسواق الناشئة - التي تتطلب فيها الظروف المحلية سياسة نقدية أكثر تشددا. والصين هي المثال الأول، حيث يجب على الصين التي تشهد الآن انتعاشا محليا قويا أن تشدد السياسة قريبا، قبل أن تتضخم أسعار الأصول وتخرج عن السيطرة. إلا أن الصين غير راغبة بالسماح لليوان بالارتفاع بسرعة. ولن يفرض عليها تضخم الأسعار الاستهلاكية المرتفع أي ضغوط، كما حدث عام 2008 فقد بلغ معدل التضخم السنوي للصين في أوائل ذلك العام 9 في المائة تقريبا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع أسعار لحوم الخنازير. أما اليوم فالمعدل سلبي ولا يتوقع كثيرون أن ترتفع الأسعار الاستهلاكية بنسبة تزيد كثيرا على 3 - 4 في المائة عام 2010.
وتشكل ارتفاعات أسعار الأصول مشكلة أيضا بالنسبة للاقتصادات الناشئة التي لديها أسعار صرف مرنة فقد شهد كثير منها ارتفاع عملاتها مع تدفق النقد الأجنبي. ويمكن أن يكون رفع أسعار الفائدة لتشديد شروط السياسة النقدية عامل جذب لمزيد من الأموال الأجنبية. وقد بدأت الدول بصورة متزايدة باللجوء إلى الضوابط على تدفقات رأس المال الداخلية. وأدخلت البرازيل بالفعل ضريبة بنسبة 2 في المائة على استثمارات المحافظ الأجنبية لوقف ارتفاع الريال. وفي العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، منعت تايوان المستثمرين الأجانب من وضع الأموال في الودائع التايوانية محددة الأجل. ومن المرجح إدخال مزيد من مثل هذه التدابير، مما يزيد من فرصة حدوث تشوهات.
والخطر في الاقتصادات الضعيفة الغنية ليس ضئيلا ومتأخرا، بل هائل ومبكر. فقد تؤدي الارتفاعات الكبيرة في أسعار الأصول إلى إثارة مخاوف تضخمية سابقة لأوانها. وتفرض أسعار النفط على وجه الخصوص خطرا كبيرا. وفي الأشهر الأخيرة، كانت معدلات التضخم الأساسية على أساس سنوي في معظم الاقتصادات الكبيرة في العالم سلبية، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى كون أسعار النفط أدنى من المستويات العالية التي بلغتها في منتصف 2008. وهذا على وشك أن يتغير بصورة جذرية، حيث ستؤثر أسعار النفط التي انخفضت أواخر 2008 وأوائل 2009 في المقارنات.
وفي أمريكا، انخفضت الأسعار الاستهلاكية الأساسية بنسبة 1.3 في المائة خلال العام حتى أيلول (سبتمبر). وبحلول كانون الأول (ديسمبر)، قد ترتفع بنسبة 3 في المائة. وحتى لو ظلت أسعار النفط عند نحو 80 دولارا للبرميل، قد تؤدي هذه ''التأثيرات الأساسية'' إلى إبقاء التضخم الأساسي في أمريكا فوق 2 في المائة لمعظم أوقات النصف الأول من عام 2010. ويتوقع كثيرون أن تستمر أسعار السلع في الارتفاع. ويتوقع المحللون في Goldman Sachs أن تبلغ تكلفة البرميل 95 دولارا بحلول نهاية العام المقبل. وقد تصل العقود الآجلة طويلة الأجل إلى 100 دولار.
ولن يسبب التضخم الأساسي المدفوع بالطاقة الذي يبلغ 3 في المائة أي كارثة فالتضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والوقود المتقلبة، منخفض، حيث يبلغ 1.5 في المائة، وهو آخذ في الانخفاض أكثر، بفضل الركود الهائل في الاقتصاد. ومع بلوغ معدل البطالة 10.2 في المائة وبسبب القدرات غير المستغلة، لا يزال خطر الانكماش على أمريكا أكبر من خطر التضخم.
والخطر هو أنه يساء عادة تفسير التضخم الأساسي الأعلى، حيث يعتبر خطأ إشارة على أن السياسة متساهلة للغاية. وبالحكم من معدل ''التعادل'' بين سندات الخزانة المحمية ضد التضخم وسندات الخزانة الأخرى، نجد أن تقديرات الأسواق المالية للتضخم طويل الأجل ارتفعت أخيرا، على الرغم من أن التوقعات الاستهلاكية ظلت ثابتة. وتزيد المخاوف المتعلقة بحجم عجز الميزانية في أمريكا وتلك المتعلقة بالتسييس المحتمل لمجلس الاحتياط الفيدرالي. (لا يساعد الاقتراح الذي قدمته هذا الأسبوع اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ بتجريد مجلس الاحتياط الفيدرالي من السلطات الرقابية وإدخال تعيينات سياسية على مجالس إدارة بنوك الاحتياط الإقليمية). وهناك خطر أن يساء فهم التضخم الأساسي الأعلى، حتى مع استنزاف تكاليف الطاقة المرتفعة للطلب.
ويخشى Vince Reinhart، من معهد المشاريع الأمريكي، من تكرار ما حدث في صيف عامي 2007 و2008 ففي كلتا الفترتين، أدى الدولار الأضعف وارتفاع أسعار النفط والاقتصاد العالمي ''المنفصل'' إلى جعل البنك المركزي في أمريكا أكثر تشددا. وعلى الرغم من أنه لم يرفع أسعار الفائدة، إلا أن ''المخاوف التضخمية'' كانت سائدة. ورفع البنك المركزي الأوروبي الأسعار بالفعل في تموز (يوليو) 2008.
ولن يعيد التاريخ نفسه بالضبط. إلا أن أسعار الأصول المتضخمة قد تثير ردة فعل مبالغ بها من المصرفيين المركزيين في العالم الغني. وقد يهدئ هذا المخاوف في العالم الناشئ، ولكنه قد يعيد الاقتصاد العالمي إلى الركود. وتجاهل المصرفيون المركزيون أن أسعار الأصول قد تعرضهم للخطر إلا أن التعامل معها ليس سهلا أيضا >

الأكثر قراءة