تغيير الاستراتيجيات المدخل الحقيقي للسلام والأمن

في عام 2001، خصصت مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ما يقرب من 645 مليار دولار للبحوث والتنمية، وكانت أهم ثلاثة ميادين للاستثمار هي صناعة الدواء والمعلوماتية (الكمبيوتر) والأسلحة. ولا خلاف على أن النجاح كان حليف هذه الجهود كما بدا للجميع في التطورات الهائلة في القضاء على العديد من الأمراض التي كنا نعتقد في الماضي أن لا سبيل لقهرها. إلى جانب التقدم الهائل في مجال الكمبيوتر الذي كشف النقاب عن أمور كنا نحسبها دائما من الأسرار ودفع صناعات الأسلحة قدما، حيث أصبح من المتاح لبعض الدول أن تقتني قنابل يمكنها استخدامها في تدمير مدن بأكملها.
ولكن هل حاولنا أن نترجم ثمار هذا التفوق العلمي لعلاج البشر في أنحاء العالم؟ هل حاولنا تطبيق قوة الكمبيوتر لحل مشكلاتنا الحقيقية التي تهدد الإنسان في كل مكان؟ والإجابة بالطبع هي: لا، والسبب هو غياب الاستراتيجية، لأن الاستراتيجية هي التي تتحكم في كل ما ينتجه العقل ويضخه العلم. فهي إذن الاسم الذي نطلقه على خططنا ومشاريع لفرض أساليبنا وإرادتنا على الآخرين وعلى الشعوب والمؤسسات والبيئات المختلفة.
ولو تأملنا كيف يوزع العالم استثماراته لرأينا أن ما تم استثماره في مجال “الاستراتيجية” محدود للغاية. ومن المعروف أن أية أخطاء في ميدان البحث العلمي الطبي يمكن أن تؤدي إلى الموت وإذا أنتجنا تقنية معلوماتية خاطئة عبر الكمبيوتر فسوف تقدم حسابات خاطئة ويعني هذا خطورة بالغة على جميع الأنظمة التي تعمل بالكمبيوتر بدءا من صناعة الطائرات إلى حركة الأسواق المالية إلى أجهزة متابعة دقات القلب، وقد يؤدي مثل هذا الخطأ إلى دمار وموت. فإذا أنتجنا أسلحة بطريقة غير دقيقة فإنه من الممكن أن ندمر المستشفيات بدلا من مستودعات الأسلحة والقواعد العسكرية.
ومع ذلك فإن العالم حتى الآن لا يولي تطوير وسائله الاستراتيجية أي اهتمام يذكر ولا يعطيها الجدية نفسها مع أنها القوة المسيطرة التي تحرك كل شيء. ومن المعروف أن الاستراتيجيات التي نستخدمها لم تقدم لنا النتائج التي تتفق وتتعادل وتتساوى مع ما حققته البشرية من نهضة وتقدم. ولننظر إلى بعض الأرقام:
** في نهاية القرن العشرين كان 800 مليون من البشر يعانون من الجوع.
** وكان هناك 1.1 مليار إنسان يفتقرون إلى المياه النقية.
** 17 مليون شخص كانوا يموتون سنويا من أمراض متوافرة العلاج.
** كما أن الكمبيوتر وتقنية الإنترنت كانت متاحة لنسبة تتراوح بين 0.5 و7 في المائة.
من سكان آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية مقارنة بنسبة تتراوح بين 50 و60 في المائة في أمريكا الشمالية.
** لقي 170 مليون إنسان حتفهم بين حروب ومذابح جماعية في القرن الـ 20 وحده.
ألا يعد ذلك فشلا للاستراتيجيات التي استخدمت في القرن الـ 20؟ وثمة تهديد خطير يتمثل في سرعة معدلات التغيير وكيف تؤثر هذه السرعة والمعدلات في إعادة تشكيل عالمنا. وهنا بيت القصيد والمساحة التي ينبغي أن يعمل فيها الاستراتيجيون. غير أنهم تعودوا على تضييق آفاق عملهم، واقتصر تدريبهم وعطاؤهم على مجالات ضيقة.
ويرى الخبراء أن أفضل تفكير وتوجه استراتيجي هو ذلك الذي يتعامل مع الحياة والعالم من منظور فسيح واسع. والطريف أن جذور الفكر الاستراتيجي المسيطر علينا تضرب في أعماق التاريخ مثل أفكار سون تزو الصيني الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ومكيافيللي صاحب كتاب “الأمير” الذي يكاد يجمع الدارسون على أنه دستور الراغبين في الحكم والاستمرار فيه وهو الذي دعا إلى أن يكون السياسي بلا قلب أو شفقة أو عاطفة ونادى بأن الغاية تبرر الوسيلة، وقد طُبع كتاب مكيافيللي في القرن الـ 16 هذا إلى جانب الياباني مياموتو موساشي الذي كتب في القرن الـ 17، إلى أن جاء القطب الكبير كارل فون كلاوزفيتس الذي كتب في القرن الـ 19. وقد بنى معظم هؤلاء أفكارهم على أساس الصراعات العسكرية ولذلك جاءت كتاباتهم منحازة إلى هذا الجانب.
وقد تأثرنا في الشرق بذلك خاصة فيما يتعلق بفكرة الحق هو القوة والقوة هي الحق might is right، والتي نراها في شعر زهير بن أبي سلمى:

ومن لم يزد عن حوضه بسلاحه
يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم

والتي أعاد أحمد شوقي صياغتها بقوله لابنته:

فخذي هاك بندقة نارها
سلام عليك إذا تسعر
فمن يعدم الظفر بين الذئاب
فإن الذئاب به تظفر

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي