هل يمكن التوصل إلى اتفاق؟

هل يمكن التوصل إلى اتفاق؟

> يبدو أحيانا أن السياسيين العراقيين لا يستطيعون الاتفاق على أي شيء. فقد أمضى البرلمان عدة أشهر لمناقشة مشروع قانون يمهد الطريق للانتخابات في السادس عشر من كانون الثاني (يناير)، على الرغم من أن 296 حزبا على الأقل أعلنت نيتها التنافس في الانتخابات. ولكن خارج البرلمان، يقول عديد من الأعضاء إنهم يريدون الأمور نفسها. ويصرون جميعهم على القول إن عصر الانقسامات الطائفية قد ولّى. فالشيعة والسنة يعانقون بعضهم بعضا في المؤتمرات الصحافية وهم يقدمون التحالفات الانتخابية. ويتنصل السياسيون، باسم المصالحة، من الميليشيات التي كانت تمارس القتل في السابق نيابة عنهم. وتتحدث اللافتات عن هدف تحقيق ''الوحدة الوطنية''.. فهل هناك أية علامة على إمكانية تحقق مثل هذه الأحلام الرائعة؟
إن التقدم المحرز واضح، وبعد أشهر من المفاوضات، ظهرت ست كتل انتخابية رئيسية لتلبية الموعد النهائي الوشيك لتسجيل التحالفات. وقد تكون الكتل الثلاث التي يبدو أنها تخطت بالفعل مرحلة الطائفية هي الأقوى. ويتظاهر البقية بالتنوع ولكن سمعتهم مشوهة بسبب العنف الطائفي الذي مارسوه في السابق.
والكتلة الأكثر طائفية بصورة واضحة هي أكبر كتلة كردية. وقد انقسم أحد عناصرها الرئيسة، وهو الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة الرئيس العراقي الوطني جلال طالباني، وقد يختفي. وحتى لو صمد انضباط الأكراد الذي يحسدون عليه في البرلمان، إلا أن دورهم كقوة سياسية مؤثرة ربما يكون قد انتهى. وبعد تغير الحكم، قد يوافق البرلمان الآن على الرئيس المقبل بنصف الأصوات بدلا من نسبة الثلثين كما كان الحال من قبل، ما يضعف القوة التفاوضية للأكراد.
أما أداء أكبر كتلة سنية في البرلمان المنتهية ولايته، وهي جبهة التوافق العراقية، التي تشتهر باسمها العربي، التوافق، فهو أسوأ بكثير, ففي انتخابات مجالس المحافظات في وقت سابق من هذا العام، هرب ناخبوها بأعداد كبيرة. وبالمقارنة، من المرجح أن يكون أداء آخر كتلة شيعية متبقية، وهي التحالف الوطني العراقي، جيدا في الانتخابات لسبب بسيط وهو أن أكثر من 60 في المائة من الناخبين هم من الشيعة. ومع ذلك، ليس لديها مرشح واضح لرئاسة الوزراء، كما أن أيديولوجيات أعضائها متنوعة. وعامل القوة الوحيد الذي يملكه هو كونه حزبا شيعيا. وحين أجرى اثنان من أحزاب التحالف، وهم الصدريون (اتباع رجل الدين مقتدى الصدر) والمجلس الإسلامي الأعلى في العراق، انتخاباتهما التمهيدية أخيرا، وهي سابقة في العراق، اعتبر الحدث على نطاق واسع دلالة على الضعف، حيث حاولت كبار الشخصيات حشد القوات التي فقدت حماسها.
ومن جهة أخرى، يثير قادة ثلاثة تحالفات غير طائفية ضجة كبيرة في الشوارع. ويأمل رئيس الوزراء الشيعي، نوري المالكي، الاستفادة من نجاح كتلته، دولة القانون، التي كان أداؤها جيدا في انتخابات مجالس المحافظات. إلا أن لديه عددا أقل مما كان يأمل من الشركاء السنة. ولكن من المفترض أن يبدأ بداية جيدة بسبب صلاحيات الرعاية التي يحظى بها.
ومنافساه الرئيسيان هما تحالفان جديدان أحدهما بقيادة إياد علاوي، الشيعي العلماني والبعثي السابق الذي شغل منصب رئيس الوزراء بعد سقوط صدام حسين. وقد تعاون مع صالح المطلق، عضو البرلمان السني القوي، لتشكيل الحركة الوطنية العراقية. وقد ينضم إليهما طارق الهاشمي، السني الذي يشغل منصب نائب الرئيس المشترك للدولة، مع أنه كان قياديا بارزا في جبهة التوافق في السابق. والمنافس الرئيس للحركة الوطنية هو مجموعة تسمى الوحدة بقيادة وزير الداخلية الشيعي العلماني، جواد البولاني، إلى جانب أحمد أبو ريشة، الذي يقود حركة سنية تدعى الصحوة التي ساعدت على تهدئة الأوضاع في محافظة الأنبار غربي بغداد، التي كانت معقلا للمتمردين. ولدى كلا التحالفين صلات قوية مع الأجهزة العسكرية والأمنية. وقادة حركة الوحدة أقرب للشرطة، في حين أن الحركة الوطنية معادية لإيران، التي يلومها كثير من العراقيين لأنها ترعى المتمردين. وتمكن قادة هذه التحالفات الثلاثة من عبور الخطوط العرقية الطائفية كما لم يحدث من قبل في العراق. ويقول Reidar Visser، الباحث النرويجي الذي يكتب في مدونة بارزة حول السياسة العراقية: ''إنها خطوة حاسمة بعيدا عن الطائفية.'' ولعل العراقيين ضاقوا ذرعا بالميليشيات الموالية للأحزاب الدينية التي روعتهم لسنوات عديدة. إلا أن هناك حدودا لهذا الحراك الجديد, فجميع التحالفات غير الطائفية الرئيسة يقودها شيعة، حيث إنه ليس أمام السنة والأكراد فرصة لانتخاب رئيس وزراء. وليس أمامهم سوى الأمل بالخروج بقدر أكبر من الغنائم من ذي قبل, ولكن من المحتمل أن يحظى شخص غير شيعي بمنصب الرئيس غير المؤثر.
علاوة على ذلك، في حين أن الانقسامات الطائفية بين العراقيين العرب بدأت تلتئم، إلا أنها تزداد سوءا بين العرب والأكراد. ويتصاعد التوتر على طول ''خط الزناد'' في شمال شرق العراق الذي يمتد بين المناطق التي يسيطر عليها الأكراد وبين بقية الدولة. وفي أحدث تقرير، يشير Anthony Cordesman من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إلى أن الطبقة السياسية في بغداد تقوم بإجراء تجربة غير عادية. وعلى الرغم من التمرد الشرس، إلا أن نظام البرلمان هو أكثر الأنظمة حيوية وتنافسية في المنطقة. وهو يتساءل: ''هل يمكن أن يفسد في أي مرحلة؟'' ويجيب عن سؤاله بكآبة: ''نعم هذا ممكن'' >

الأكثر قراءة