كثير من المكاسب والكثير عرضة للخسارة

كثير من المكاسب والكثير عرضة للخسارة

> قبل 20 عاما كتبت صحيفة ''الإيكونوميست'': ''من بين جميع الأماكن، لم تتطور الحرب الباردة إلى حفلة في الشوارع بين الشرق والغرب إلا في برلين المنقسمة في ألمانيا المنقسمة في أوروبا المنقسمة''. حتى بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا واثقين من انتصار الغرب في النهاية، كان سقوط جدار برلين محض الصدفة البحتة. فحين استغل 200 ألف من الألمان الشرقيين قرار المجر بفتح حدودها وهربوا إلى الغرب، قررت حكومتهم الشيوعية تعديل قيود السفر التي سجنتهم. وعندما سُئل وزير الدعاية الكتوم عن التوقيت، تمتم بالقول: ''إنه نافذ على الفور على حد علمي''. وحين تم بث ذلك على شاشات التلفزيون، انطلق أهل برلين. وسمح حرس الحدود المرتبكون، الذين كان من الممكن أن يطلقوا النار على ''رفاقهم'' قبل أسبوع من ذلك، للحشود بالمرور- وسرعان ما انهار الحاجز الذي قسّم العالم وسط بهجة الجميع. ولم يكن المستشار الألماني، هيلموت كول، مستعدا لذلك على الإطلاق وكان خارج البلاد.
ولا يزال تدمير الستار الحديدي في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 الحدث السياسي الأبرز في حياة معظم الناس: فقد حرر ملايين الأشخاص ووضع حدا للصراع الذي كان يهدد بالدمار النووي. وبالنسبة لليبراليين في الغرب، لا يزال هذا الحدث تذكيرا على ما تم اكتسابه وعلى ما يستحق القتال من أجله.

تذكر وزارة أمن الدولة، ولكن لا تنس الثلاجات
ومع ذلك، شهد العقدان الماضيان تحقيق تقدم في مجال الحرية الاقتصادية أكبر من التقدم المحرز في مجال الحرية السياسية. واختفى الحديث الذي ساد قبل 20 عاما عن نظام عالمي جديد سلمي. وظهرت انقسامات جديدة بسبب القومية أو الديانة أو مجرد ''الخوف من الآخر''. وبدلا من إقامة الديمقراطية الصحيحة، أدارت كثير من الدول، بما في ذلك، مع الأسف، دول قليلة من الأعضاء القدامى في حلف وارسو، ومعظم دول العالم العربي، والصين، أنظمة سلطوية دون أن تشعر بالخجل. وحين يزور الزعماء الغربيون موسكو أو بكين، لا يتحدثون كثيرا عن حقوق الإنسان. وساد الافتراض أن مثل هذه الأنظمة ستدوم.
وعلى النقيض من ذلك، أصبحت ''العولمة''، هذا المصطلح الغريب الذي يشمل زيادة حرية السلع ورأس المال والأشخاص والأفكار في جميع أنحاء العالم، المبدأ الذي يحكم التجارة. ولا يعني هذا أنها مقبولة عالميا: خذ مثلا الجهود الشاقة لجولة الدوحة لمحادثات التجارة. إلا أن القليل من الدول تعارضها علنا. وفي المجال الاقتصادي، تتخفى التوجهات المعادية لليبرالية في الحكومات التي تحاول تكييفها، مشددة على ''الرأسمالية ذات الخصائص الصينية''، و''رأسمالية المساهمين''، و''التجارة العادلة'' وما إلى ذلك. وحتى بعد الأزمة، تفترض الطبقات التجارية أن العالم سيصبح أكثر تكاملا: من يستطيع مقاومة المنطق الاقتصادي والتكنولوجيا؟
وليس من الصعب فهم سبب وجود هذا الافتراض. خذ مثلا حالتي نجاح لليبرالية الاقتصادية، لا يتم تقدير أي منها في الوقت الحالي كما ينبغي. الأولى هي دورها قبل 20 عاما. فأهل برلين الشرقية الذين هرعوا إلى الغرب لم يكونوا يهربون فقط من وزارة أمن الدولة؛ فقد جاءوا أيضا بحثا عن الثلاجات وبنطلونات الجينز والكوكاكولا من محال السوبر ماركت. وبحلول ذلك الوقت، كان من الواضح أن الشيوعية، على الرغم من وسائلها الهجومية، آلة اقتصادية أقل كفاءة. ويستحق ميخائيل جورباتشوف الثناء لأنه سمح لكثير جدا من الناس بالهروب بشكل سلمي؛ إلا أن الاتحاد السوفياتي انهار لأنه لم يستطع إنتاج السلع.
حتى لو بدأت الجولة الحالية من العولمة، نظريا، قبل سقوط الجدار، إلا أنها حفزت ذلك. (كانت هذه الكلمة نادرا ما تظهر في صحيفة ''الإيكونوميست'' قبل عام 1986 ولم تبدأ في الانتشار إلا في التسعينيات). ولم تكن العولمة لتكون بهذه الأهمية لو تم حبس نصف أوروبا وراء الجدار؛ وكان كثير من الدول العملاقة التي يكون فيها التخطيط الاقتصادي مركزيا، مثل البرازيل أو الهند أو حتى الصين، ستكون أبطأ بكثير في فتح اقتصاداتها لو كان لا يزال هناك بديل شبه موثوق. ويقود هذا إلى حالة النجاح الأخرى التي لم تلق تقديرا كبيرا. في الوقت الحالي، يتم الحكم على الرأسمالية غالبا من خلال تجاوزات قلة من المصرفيين. ولكن حين يكتب المؤرخون عن ربع القرن الماضي، ستكون عدد الصفحات المكتوبة عن Lehman Brothers والسيرFred Goodwin أقل بكثير من تلك التي تتحدث عن الـ 500 مليون شخص الذين تم إخراجهم من الفقر المدقع ليشكوا ما يشبه الطبقة الوسطى. فنجاحهم ليس رائعا في حد ذاته فحسب - أكبر قفزة إلى الأمام في التاريخ الاقتصادي - بل ساعد أيضا على التشجيع على حريات فوضوية أخرى: انظر إلى الطريقة التي يتم بها إرسال الأفكار، سواء الجيدة أم السيئة، نصيا في جميع أنحاء العالم.
في النهاية، وبغض النظر عما سيقوله قادة الصين إلى أوباما حين يزور بكين في وقت لاحق من هذا الشهر، الحرية الاقتصادية والسياسية مرتبطتان بعضهما ببعض - ليس بصورة وثيقة كما كان يأمل الناس قبل 20 عاما، ولكنهما مرتبطتان معا. وفي المستقبل، لا شك أن الطبقة الوسطى الناشئة المهووسة بالإنترنت في الصين سترغب في الحصول على حرية أكبر من مجرد الحرية الاقتصادية. وقد يحدث التغيير بشكل غير متوقع كما حدث عام 1989. وقد يتم اختراق حتى أكثر قلاع القمع المخيفة في النهاية. ففي ذلك الوقت كان هناك Honecker وCeausescu؛ وغدا قد يكون كاسترو، أو أحمدي نجاد، أو موجابي؛ ويوما ما ربما سيكون شافيز.

إعادة تقييم الأسعار وفقا لماركس
بعبارة أخرى، قد يتبين أن الافتراض القائل إن الحرية السياسية لن تلحق أبدا بالحرية الاقتصادية افتراض خاطئ. والمشكلة هي أنه يمكن أيضا إغلاق هذه الفجوة بطريقة أخرى، أي إبطاء الحرية الاقتصادية، بل ربما عكس مسارها عن طريق السياسة. وبالنسبة إلى الليبراليين الغربيين، حتى أولئك الذين يؤمنون دون تحفظ بالأسواق الحرة، فإن هذا يعني التصدي لبعض الحقائق الصعبة بشأن شعبية عقيدتهم. فانتصار الرأسمالية الغربية على منافستها الشيوعية الفاسدة لا يضمن لها امتيازا دائما من الناخبين. وكما أشار كارل ماركس خلال الاندفاع الكبير الأخير للعولمة في القرن التاسع عشر، فإن سحر الميزة النسبية قد يكون متعبا - وقاسيا. فهو يترك وراءه الخاسرين في كتل مركزة (مصنع إطارات مغلق مثلا)، في حين يتباين العدد الأكبر من الفائزين (حصول الجميع على سيارات أرخص). وهو يجعل الأثرياء أكثر ثراء بكثير: ستحصل في السوق العالمية على أرباح أكبر من تلك التي يمكن الحصول عليها من السوق المحلية. كما أن الرأسمالية عرضة دائما لطفرات وأزمات مذهلة.
والأهم من ذلك هو أن السياسة لا تزال محلية. فكل هذا التكامل الاقتصادي لم يكن يقابله تكامل سياسي. وفيما يتعلق بوجود ضامن عالمي للنظام الحالي، فهو أمريكا، الدولة التي ستظل تخسر القوة النسبية مع انتشار العولمة. وبسبب سخائها في تصدير أسرار النجاح، تكاد الصين الآن تلحق بها فيما بدأت دول ناشئة عملاقة أخرى باللحاق بالركب. وقد تصاعد الدعم الشعبي للحمائية في الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالشؤون الإنسانية، غالبا ما تتفوق الكبرياء المجروحة وكراهية الأجانب على المنطق الاقتصادي، وإلا لماذا تمارس روسيا الإرهاب على زبائنها الذين يتلقون الغاز منها؟ ولماذا يشوه البريطانيون صورة الاتحاد الأوروبي؟ في العالم العقلاني، لن تثير الصين مشاعر كراهية اليابان ولن يساعد الأثرياء في بعض دول العالم المتطرفين في الخارج. وربما يجب أن يتفكر كثير من رجال الأعمال المشغولين بأعمالهم على أجهزة البلاك بيري بحيث لا يقلقون بشأن القومية أو الأصولية، وصف كينيز للندني المزدهر قبل آب (أغسطس) 1914، حيث وصفه بأنه شخص ''يرتشف شاي الصباح في السرير، ويطلب السلع من جميع أنحاء العالم على الهاتف، ويعد ذلك العصر من العولمة ''طبيعيا وأكيدا ودائما، إلا في اتجاه مزيد من التحسن''، ويرفض ''سياسة العسكرة'' و''التناحرات العرقية والثقافية'' ويصفها بأنها مجرد ''مادة للتسلية في صحيفته اليومية''.

كن مستعدا .. كن مستعدا جدا
من المفترض أن يؤدي إدراك أوجه القصور السياسي للعولمة إلى زيادة تصميم الليبراليين الغربيين على الدفاع عنها: سد الفجوة بالطريقة الصحيحة. وينطوي هذا على كثير من الأمور، من تعزيز حقوق الإنسان إلى تصميم سياسات وظيفية أفضل. ولكنه يتطلب أيضا الدفاع عن المنافع الهائلة التي جلبتها الرأسمالية للعالم منذ عام 1989 بقوة أكبر مما فعل قادة الغرب حتى الآن. وربما الأهم من ذلك، عدم اعتبار أي شيء أمرا مفروغا منه >

الأكثر قراءة