لم يسيروا بعد إلى الحرب

لم يسيروا بعد إلى الحرب

> هذا هو الانطباع السائد الذي أوجدته موجة التظاهرات اللافتة للنظر- مثل الاحتجاح المنسق عالميا في الرابع والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) الذي دعا بصورة طموحة إلى أن يظل تركيز الكربون في الغلاف الجوي عند 350 جزءا من المليون. إلا أن الغريب أن هناك دلائل واضحة في عديد من الديمقراطيات على تحرك المشاعر في الاتجاه الآخر.
ولعل الدليل الأكثر إثارة للدهشة على تزايد التشكك في التغير المناخي هو ما كشفه الاستطلاع المنشور الشهر الماضي من مركز بيو للأبحاث في واشنطن العاصمة. ففي الولايات المتحدة، انخفضت نسبة المواطنين الذين يعتقدون أن هناك أدلة قوية على ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 57 في المائة بعد أن بلغت 71 في المائة في نيسان (أبريل) 2008. وانخفضت نسبة أولئك الذين يلقون باللوم على الأنشطة البشرية في ارتفاع درجات الحرارة في الفترة نفسها من 47 في المائة إلى 36 في المائة.
وكانت الزيادة الطفيفة في التشكك واضحة عبر طيف واسع، ولكنها كانت واضحة جدا بين الجمهوريين، بما في ذلك أولئك القريبون من اليمين السياسي. وتعتقد أغلبية من الجمهوريين (57 في المائة) أن ليس هناك أدلة دامغة على وجود احتباس حراري، وبين الجمهوريين المعتدلين والليبراليين، انخفضت نسبة أولئك الذين يعتقدون بوجود هذه الظاهرة من 69 في المائة إلى 41 في المائة. وهناك مجموعتان فقط تزدادان قلقا بشأن المناخ العالمي، وهما الديمقراطيون الليبراليون والناخبون تحت سن 30 عاما.
وما يشير إليه الاستطلاع هو أن التغير المناخي بالنسبة إلى الأمريكيين أصبح أكثر إثارة للانقسام: إحدى تلك المسائل المعيارية، مثل الإجهاض وعقوبة الإعدام، التي تعتقد المعسكرات المتعارضة أن المعسكر الآخر ليس فقط على خطأ، بل سيئ أيضا. وهذا هو بالضبط عكس ما هو ضروري إذا أرادت الإدارة، الآن أو في المستقبل، حشد الأمة وراء فكرة التضحيات من أجل الازدهار.
وبالنسبة إلى بعض الأمريكيين من أنصار البيئة، فإن الصورة ليست كئيبة جدا. وكما يشير Carl Pope، مدير نادي Sierra Club، وهي مجموعة محافظة، فإن كثيرا من الأمريكيين يريدون تقليل حرق الوقود الأحفوري لأسباب لا تتعلق بالتغير المناخي، بما في ذلك تنظيف الهواء وتقليل اعتماد الدولة على مستوردات الطاقة. وقد أبعد الركود اهتمام الناس عن التغير المناخي، ولكن بالتأكيد ليس للأبد.
وفي أوروبا، حيث هناك عدد أكبر من أنصار البيئة عنه في أمريكا، أبعد الركود الاقتصادي أيضا أذهان الناس عن الاحتباس الحراري. وقد أظهر استطلاع نشر في تموز (يوليو) من قبل المفوضية الأوروبية أنه في أوائل 2009، انخفض عدد المقيمين في الاتحاد الأوروبي الذين يعتقدون أن التغير المناخي أخطر مشكلة في العالم إلى 50 في المائة بعد أن بلغ 62 في المائة في ربيع عام 2008. إلا أن هذا يعود جزئيا إلى ارتفاع عدد الذين ذكروا أن الركود العالمي هو مصدر القلق الرئيس من 24 في المائة إلى 52 في المائة.
ويبدو أن هناك تحولا جوهريا آخر نحو التشكك يحدث في أستراليا، على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة بقيادة حزب العمال لدفع الدولة في اتجاه أكثر محاباة للبيئة. وأظهر استطلاع أجري في تموز (يوليو) من قبل معهد Lowy أن أعداد أولئك المستعدين لتحمل ''تكاليف كبيرة'' لمعالجة الاحتباس الحراري انخفضت إلى 48 في المائة، بعد أن بلغت 60 في المائة العام الماضي ونسبة 68 في المائة عام 2006. وفي كل من أمريكا وأستراليا، يبدو أن الرأي العام أصبح أكثر تشككا على الرغم من زيادة يقين صنّاع السياسة بالحاجة إلى اتخاذ الإجراءات.
وتشير بعض الأبحاث التي تم إجراؤها أخيرا للحكومة البريطانية إلى أن الناخبين يرسلون مجموعة إشارات خفية فيما يتعلق بمسألة التغير المناخي, ففي أطراف الطيف المتقابلة، هناك أنصار البيئة الملتزمون، الذين ربما يشكلون خمس السكان، والأشخاص الذين يكونون إما متشككين أو يشعرون بأنهم فقراء جدا بحيث لا يهتمون. وفي المنتصف، يبدو أن نصف الناخبين يوافقون على أن التغير المناخي مشكلة، ولكنهم لا يقبلون سوى جزئيا الحاجة إلى اتخاذ إجراءات جذرية.
والمشاعر مختلطة بين أولئك القابعين في الوسط. فمن ناحية، يشعر بعضهم بالإحباط وانعدام الحماس بسبب الحديث عن الدمار والموت. وعلى حد تعبير Ashok Sinha، الذي شارك في تنسيق مظاهرة في لندن ستنفذها مجموعة من المنظمات غير الحكومية في الخامس من كانون الأول (ديسمبر)، فإن هناك بعض المواطنين الذين يردون على التوقعات المتشائمة عن طريق ''التمركز في مواقعهم أو التراجع.'' ومن جهة أخرى، تشير البحوث إلى أن الناس يستجيبون بصورة جيدة للرسالة الإيجابية، الرسالة التي تصور مستقبلا سعيدا تنخفض فيه نسبة الكربون وتنتشر فيه السيارات الكهربائية، ومدن جيدة التخطيط، ووسائل نقل رخيصة. ويحبون أيضا الفكرة القائلة إن المواطنين والسياسيين لديهم حرية الاختيار بين الكوارث البيئية والعالم الأفضل الأكثر محاباة للبيئة.
ومن الواضح أن البريطانيين يريدون أن تضع حكومتهم خططا واضحة، فيها جدول زمني، لمعالجة التغير المناخي، وتستهويهم فكرة أن يلعبوا هم شخصيا دورا في ذلك. ولكنهم يخشون شيئين متطرفين: الإجراءات من الأعلى إلى الأسفل، والسياسات التي تضع كل العبء على المواطنين لتقديم التضحيات عن طريق تقليل رحلاتهم الجوية مثلا. ويخشى الجميع من الراكبين مجانا (أي الذين يستفيدون من الجهود الجماعية دون المشاركة بها)، سواء كانوا من الدول أم المستهلكين الواضحين.
وبأخذ كل هذا معا، يوحي ذلك بوجود شعب مستعد لتقديم التضحيات إذا كان يعتقد أن هناك شيئا ما، مثل حرب من أجل البقاء، تلوح في الأفق - ولكن لم يقتنعوا بذلك بعد، وهم يريدون أن يكونوا متأكدين أنه سيتم تقاسم العبء.
وإضافة إلى دراسة استطلاعات الرأي، ربما يتفكر السياسيون في الوقت الحالي بالتاريخ القريب, ففي عام 1977، أطلق الرئيس جيمي كارتر سياسة طاقة جديدة بصورة خرقاء. وبعد أن قال للأمريكيين إنه يريد ''الحديث معهم بشأن أمر غير سار''، أطلق على حملته لتوفير الطاقة اسم ''البديل الأخلاقي للحرب''. ولم يتأثر كثير من المستمعين؛ وربما كانت غلطته هي عدم توضيح ما يشكله النصر، ولماذا كان جديرا بالقتال من أجل تحقيقه. >

الأكثر قراءة