هل إسرائيل قوية جدا بالنسبة إلى باراك أوباما؟
> بعد خمسة أشهر من ذهاب باراك أوباما إلى القاهرة وإقناع معظم العالم العربي، في إعلان رنّان عن التعامل المنصف، أنه سيتصدى لإسرائيل في سعيه لإقامة دولة فلسطينية، يبدو أن السياسة الأمريكية فشلت في تحقيق أي نتيجة. فقد أصبح موقف الرئيس في التوسط ضعيفا، وتلاشى سحر شخصيته بشكل أضر به. ومن وجهة نظر الفلسطينيين والعرب، استسلمت إدارته بخنوع لإسرائيل بعد أن شرعت بشكل رائع في إجبار الدولة اليهودية على وقف بناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية كتعبير مبكر عن حسن النية، من أجل إعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى مائدة المفاوضات.
والنتيجة كما يبدو هي تحطم الآمال بالاستئناف المبكر للمحادثات بين الأطراف الرئيسية. وفي الواقع، يبدو أن لا أحد يعرف كيف يمكن إعادة استئنافها. والمزاج السائد بين المعتدلين على كلا الجانبين أكثر كآبة من أي وقت مضى.
وزادت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية الأمور سوءا حين أشادت برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لأنه وعد فقط ''بكبح'' بناء المستوطنات من قبل إسرائيل بدلا من وقفه تماما، كما طُلب منه في البداية. وكانت كلينتون قد أصرت في السابق على أن وقف البناء يعني وقف البناء. فيجب ألا يكون هناك ''نمو عضوي'' للمستوطنات القائمة أو توقعات للمشاريع قيد التنفيذ. ولم تستثن القدس الشرقية على وجه الخصوص أيضا، التي يعدها الفلسطينيون عاصمتهم المستقبلية ولكن التي يعدها كثير من الإسرائيليين عاصمتهم وحدهم. وقد انتقدت إسرائيل في السابق لأنها هدمت منازل الفلسطينيين في الجزء الشرقي من المدينة. ولكنها الآن غيرت لهجتها في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر)، حيث يبدو أنها رضخت لرفض نتنياهو بتلبية المطالب الأمريكية الأولى وهنأت رئيس الوزراء على عرضه ''غير المسبوق'' بالبناء بوتيرة أبطأ من ذي قبل.
وحجة نتنياهو هي أن ''الاستعداد لتبني سياسة ضبط النفس بشأن المستوطنات القائمة'' هو تنازل فعلي. فلن يتم البدء في بناء مستوطنات جديدة، ولن يتم تخصيص مزيد من الأراضي الفلسطينية للتوسع. ولكنه قال إنه لا بد من استكمال نحو ثلاثة آلاف وحدة بناء تم التكليف ببنائها. وقال مرارا إنه يجب أن يستمر البناء في القدس الشرقية لأنها لا يمكن أن تكون جزءا من الدولة الفلسطينية.
وقد خففت كلينتون لاحقا موقفها، وطمأنت الفلسطينيين أنها لا تزال تعد كل المستوطنات ''غير شرعية''، في حين توسلت للفلسطينيين استئناف المحادثات. ويبدو ذلك مستبعدا. وثارت عاصفة من الإساءة في الصحافة الفلسطينية والعربية. واستنتج على نطاق واسع أن أوباما استسلم بعد تراجع مستويات تأييده في إسرائيل، وفقا لبعض استطلاعات الرأي الإسرائيلية، إلى 4 في المائة. وأعرب محمود عباس، رئيس حزب فتح الذي يترأس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، عن خيبه أمله الشديدة - وواصل إصراره على أنه لا يمكن استئناف المحادثات إلا بعد التجميد الكامل للبناء.
وقد استهزئ معظم الفلسطينيين بعباس لأنه وضع ثقته في الإدارة الأمريكية الجديدة. وسخرت منه حماس، الحركة الإسلامية التي تدير قطاع غزة، الجزء الأصغر من الجزءين الرئيسيين من الدولة الفلسطينية المستقبلية، لأنه اعتقد أن أوباما قد يغير السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
وفي الشهر الماضي، دعا إلى انتخابات عامة ورئاسية في الرابع والعشرين من كانون الثاني (يناير). ولكن بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبيته، قال في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) إنه لن يرشح نفسه لإعادة الانتخاب. وعلى أية حال، قالت حماس إنها سترفض المشاركة في الانتخابات. ويبدو أن عباس اضطر إلى الاعتراف بأن تم انتزاع سلطته - وقدرته على التعامل مع الإسرائيليين في المفاوضات لو تم استئنافها.
إلى جانب ذلك، حتى لو تم استئناف المحادثات ثانية، لن يصمد أي اتفاق دون موافقة حماس، التي فازت في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة عام 2006، التي لا تزال قوية بما فيه الكفاية لمنع أي اتفاق يتم دون مشاركتها. إلا أن المناقشات بين الحركتين المتنافستين، تحت رعاية المصريين، تسير بصورة متعثرة منذ أكثر من عام دون التوصل إلى أي نتائج.
من ناحية أخرى، شعر نتنياهو بالابتهاج والغرور, فاليمين الإسرائيلي والوزراء المتدينون الذين يشكلون الجزء الأكبر من حكومة الائتلاف لا يصدقون الحظ الذي يحظى به، حيث يتمتع بنجاح هائل وتقدير كبير من قبل الشعب الإسرائيلي. وأعمال البناء تجري على قدم وساق في كثير من المستوطنات. ويبدو أنه خرج سالما من الصدام مع الرئيس الأمريكي العدائي.
ويتعرض أوباما للانتقادات، حتى من قبل الإسرائيليين والأمريكيين على اليسار، لأنه طالب نتنياهو بأمور كان من المفترض أن يعرف أنه لن يتم تلبيتها أبدا. ويقول البعض إن على الرئيس شخصيا الذهاب إلى إسرائيل لمخاطبة الشعب الإسرائيلي مباشرة بخطة خاصة به تغير قواعد اللعبة. ولكن يبدو أن لا أحد، خاصة في واشنطن، يعرف ما يمكن أن تكون عليه هذه الخطة >