الحوثيون والتحرُّش بالمملكة.. بين فك الاختناق والأجندات الخفية!

مثلما أنها لم تقف في صف أي تمرد ضد أي سلطة شرعية، فقد دأبت المملكة - كما هي سياستها الخارجية دائما - على النأي بنفسها عن أي نزاع داخلي في مختلف البلاد العربية وغيرها، على اعتبار أنه يظل شأنا داخليا لا يحق لأي طرف خارجي الدخول فيه أو الخوض في تفاصيله. وهذا ما تم فيما يتصل بتمرد الحوثيين في اليمن الشقيق، رغم كل الروائح الكريهة التي صدرت في ثنايا تصريحات بعض قيادات هذا التمرد منذ الحرب الأولى عام 2004م، وتحديدا في الحرب الرابعة والتي اتخذت منحى مذهبيا بغيضا، حينما برزت بعض الأصوات الاتهامية لتزج باسم المملكة فيما لا ناقة لها فيه ولا جمل.
المملكة التي كانت تعي المضامين الخفية لتلك الاتهامات، ظلت على حيادها من هذه القضية مكتفية بموقفها السياسي الذي ينسجم مع الأعراف الدولية، ومواثيق جامعة الدول العربية الذي يستدعي الاعتراف بحق السلطة الشرعية في اليمن الشقيق في بسط سيادتها على أراضيها كافة، وهو موقف كل الدول التي تنضوي تحت لواء الأمم المتحدة كحق سيادي، غير أن ارتفاع وتيرة الاتهامات من قبل الحوثيين في الحرب السادسة ضد المملكة، والادعاء بدخولها كطرف في هذه الحرب، في محاولة لخلط الأوراق بعد أن ضيق الجيش اليمني الخناق على قيادات هذا التمرد، ثم عملية التسلل للأراضي السعودية، وما أعقبها من محاولات استفزازية أدت لاستشهاد أحد ضباط حرس الحدود وجرح عدد من الجنود السعوديين، والعبث بحق المملكة السيادي في حماية حدودها وأرضها .. كشف الأبعاد الحقيقية لهذا التنظيم الذي يبدو أنه رهن نفسه كمخلب قط لبعض القوى الإقليمية، وفضح أجندتها الخفية، ما دفع المملكة إلى رد هذا العدوان وحماية أمنها وفقا لمقتضيات الشرعية الدولية، وحقوقها السيادية في صيانة أمن مواطنيها وحماية حدودها.
وكان من الطبيعي أن يأتي الرد على ذلك الانتهاك الصارخ حاسما وقويا، ودون أي مواربة، لأن المملكة التي تجنبت الخوض في هذه القضية على مدى خمس سنوات، كانت تتعامل مع الموقف بورق مكشوف لا يضمر للأشقاء اليمنيين إلا الخير والرفعة والوحدة، وهي التي دعمت اليمن كعمق استراتيجي لها ودعمت وحدته وتنميته عبر المجلس التنسيقي اليمني ـ السعودي، وذللت كل المصاعب أمام حل ما علق من المشكلات الحدودية .. إمعانا في استقرار اليمن وحفظ أمنه وسيادته، ودعما لمسيرته التنموية، وهو القطر العربي الذي ظل بمنأى عن المواجهات المذهبية من خلال التعايش السلمي الذي كان يسود مختلف شرائحه، قبل أن تمتد إليه يد العبث لتخلق في أحشائه مثل هذه الصراعات التي تستمد أوكسجين حضورها من أطراف بعيدة، تحاول عبثا أن تجعل من هذه الفئات شوكة في خاصرة الوحدة اليمنية، وورقة لعب تقذف بها متى شاءت على طاولة الرهانات الإقليمية .. كلما شعرت بحاجتها إلى ما يصرف الأنظار عما يجري في الداخل، أو للعب بها ككارت مفاوضة حول قضاياها المتأزمة . ولعل اعترافات المطلوب أمنيا محمد عتيق العوفي، والإشارة لدور هؤلاء المتمردين في توظيف بعض العناصر الإرهابية للنيل من استقرار المملكة خير دليل على سوء النية والطوية لهذا التنظيم الذي لم تتوقف أهدافه عند مواجهة السلطة الشرعية في اليمن، وإنما تمتد إلى ضرب استقرار بعض دول الجوار وعلى رأسها المملكة.
كان هذا كله واضحا منذ بداية الأمر عند بروز هذا التمرد، ومماحكاته المتتالية مع الحكومة اليمنية .. لكن المملكة، وهي تدرك كل تلك الأبعاد.. التزمت الحياد نائية بنفسها عما ترى أنه يبقى شأنا داخليا.. مهما كانت سمات طويته المؤذية واضحة وجلية، وحينما انجلى صبح هذا التمرد عن اقتحام السياجات الحدودية للمملكة وانتهاك حدودها وأراضيها والولوغ في دماء أبنائها، لم يكن بدا عندها من مواجهة هذا العدوان السافر بالقوة وردعه بما يستحق من عناصر الدفاع عن الحق السيادي الذي لن تسمح المملكة بأن ينتهك تحت أي ذريعة ومن أي جهة، وخارج لعبة الاتهامات الساذجة التي ما عادت تنطلي على أحد .. لأن من يعرف سياسات المملكة الثابتة يدرك يقينا أنها الحليم الذي يجب أن يُتقى غضبه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي