هل سقط الرهان على أوباما؟
تلهفنا جميعاً علي المنقذ، وتصور بعضنا أن الله قيّض لنا من يقيم العدل والميزان في عالم المظالم، ولكن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية يوم 31/10/2009 ألقت أمام العالم العربي بشكل قاس قضية جوهرية يجب أن نفيق للتفكير فيها وهي أنه إذا كانت أي تسوية مع إسرائيل في فلسطين وحولها لابد أن تتم عن طريق واشنطن، فهل تخلت واشنطن تماماً عن التسوية المعقولة وهزمت أمام إصرار إسرائيل أم أن واشنطن لم تكن أصلاً تريد تسوية مرضية للعرب منذ البداية، ولكنها دغدغت مشاعر العرب بآمال التسوية وتفاهمت مع إسرائيل على أن تتظاهر واشنطن بدور الساعي إلى التسوية ولدفع هذه التسوية وتشجيع إسرائيل عليها، وجب على العرب أن يعترفوا بإسرائيل حتى تتفضل بلقاء الجانب الفلسطيني في مفاوضات موضوعها هو محاولة تحسين معاملة الاحتلال للشعب الفلسطيني توطئة للاتفاق على تسليم فلسطين بالاتفاق لإسرائيل. ورغم أن الموقف الأمريكي في الحالين: العجز أمام إسرائيل أو التوافق مع أولويتها وهي أن إسرائيل حاولت توظيف المنطقة ضد إيران لمحاربة قضية إسرائيل معها وفشلت، وأن العرب لم يتجاوبوا مع الموقف الأمريكي الساعي إلى التطبيع مع إسرائيل دون مقابل. فكأن واشنطن قلبت الموقف، فبدلاً من أن ينتظر العرب تحركاً أمريكياً حسبما أشاع أوباما لتسوية المسألة الفلسطينية وإنهاء الصراع التاريخي ووقف المشروع الصهيوني عند هذا الحد، فإن واشنطن تراجعت سريعاً أمام إصرار إسرائيل، ونقضت ما ورد من وعود. فإذا لم تتراجع إسرائيل ، وهي المحرك الأساسي للمشهد، وإذا لم تتراجع الولايات المتحدة في خطها الجديد الذي يبدو أنه تخلى نهائياً عن الضغط على إسرائيل، وإذا لم تتراجع السلطة عن موقفها الرافض للقبول بالأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل والولايات المتحدة، بل ماذا يكون عليه الموقف إذا قررت واشنطن مع الرباعية الدولية تقرير الموقف الجديد القاضي بضرورة بدء المفاوضات دون أية شروط مسبقة على إسرائيل كوقف الاستيطان فماذا يكون عليه مشهد الأحداث في المنطقة؟ لابد أن نصارح القارئ بأن منظومة الصراع العربي الإسرائيلي شهدت تراجعاً مستمراً في الموقف العربي ثم انهياراً وتآكلاً في الموقف الفلسطيني، فهل يدفع موقف واشنطن الجديد المتراجع عن وعوده وآماله كلا الطرفين الفلسطينيين إلى توحيد الموقف الفلسطيني بما يؤدي إلى تشجيع بلورة موقف عربي فاعل مساند للفلسطينيين.
ولابد أن نحذر أن مجرد دعم الموقف الفلسطيني الرسمي الرافض للتفاوض والخضوع لإملاءات إسرائيل يعني استمرار تهويد إسرائيل للقدس والضفة الغربية. أشار الكاتب اليهودي المعروف هنري سيجمان في مقاله في «النيويورك تايمز» في 1/11/2009 إلى أن شعبية أوباما في إسرائيل بلغت 6 إلى 10 في المائة أدنى نسبة لرئيس أمريكي في إسرائيل بسبب إصرار أوباما على عملية السلام في المنطقة رغم أنه حصل على 80 في المائة من أصوات اليهود في الانتخابات، ويوصي سيجمان بأن يصر أوباما على تأمين المخاوف المرضية لليهود باضطهادهم كما قال نتنياهو في الأمم المتحدة هذا العام، وفي الوقت نفسه الحزم في إرساء السلام فهل كان موقف وزيرة الخارجية الأمريكية في اليوم نفسه محاولة لتحسين شعبية أوباما في إسرائيل، أم يفضل أوباما مصلحة الجميع في سلام عادل؟