البناء المطور والجمعيات التعاونية.. هل تحلان أزمة السكن؟
هل سيبقى السكن لشخص متوسط الحال مجرد حلم يراود خياله يقف أمامه ألف عائق و عائق على أرض الواقع أم سيتحول الحلم إلى مشروع ينفذ سياسة فن الممكن لرب أسرة ضاق ذرعا بمصروفاته اليومية قبل شروعه في تحقيق حلم بعيد بالسكن و ضاقت نفسه ذرعا بالقروض البنكية التي تأخذ أكثر كثيرا مما تعطي و خاب أملا في حلول يقدمها منظرو الإسكان التي لا تلامس جوهر مشكلته .
لا يبدو المال المشكلة الوحيدة أمام تنفيذ مشروع هذا الحلم لمواطن بسيط إذ هو فقط يغيب أكثر كل ما حضر.. مع تزايد ما يصفه البسطاء بجشع بعض التجار ( تجار العقار ) الذين لم تعد المبالغ المقترحة قبل نحو سنتين لتنفيذ حلم بناء مسكن قادرة على شراء أرض فحسب لهذا المسكن ما يعطي شعورا داخليا بالعجز عند الكثيرين و إحباط عند الشباب الجدد و هم يرون الأكبر سنا لم يتمكنوا بعد من تنفيذ حلم شبابهم الذي دام عقودا ..
فإلى التفاصيل:
يعمل خالد مهندسا في إحدى الشركات و رغم كونه يعد نفسه من الأوفر حظا بتحصله على وظيفة مرموقة منذ نحو 15 عاما و هو ما جعله حينها يظن أنه في مثل هذا الوقت سيكون ممتلكا فيلا صغيرة إلا أن حلم السكن صار بالنسبة إليه يمثل السراب الذي تظنه قريبا و هو بعيد المنال إذ ما أن يعتقد خالد بقدرته على توفير المبلغ المطلوب لشراء أرض حتى تصبح الأراضي المطلوبة أغلى سعرا بشكل مبالغ فيه يصرف عنه هذا الحلم إلى حين حيث يكرر المحاولة و تتكرر التجربة فشلا دائما .
يطرح المهندس فاروق إلياس رئيس شركة المهندسون للتطوير العقاري و أحد عرّابي صناعة العقار في المدينة المنورة فكرة قد تساعد بشكل عام في إيجاد حلول لمتوسطي الدخل في المملكة بشأن تحقيق حلم الجميع بسكن بديع في وسط سكني جامع و حاضن للخدمات و يحظى بمزايا اجتماعية عدة تتمثل في المساواة الاجتماعية لأفراده الذين ينتمون للمؤسسة ذاتها الحاضنة لأعمالهم.
يشرح المهندس إلياس فكرة الإسكان التعاوني التي يؤكد أنها مطبقة فعليا في دول مجاورة مداخيل أفرادها أقل بكثير من مدخول الفرد السعودي بشكل عام إذ يقول إن تخصيص أراض حسب احتياجات الجهات المختلفة سواء بالشراء الرمزي أو بالمنح من شأنه أن يتيح الفرصة في تخفيض قيمة المنشأة السكنية بشكل عام على الموظف التابع للمؤسسة المعنية.
يتم بعد ذلك تقسيم الوحدات حسب السلم الوظيفي للموظفين في الإدارات المعينة إذ يتم تصميم نماذج عديدة تبدأ بشقق صغيرة ثم تتدرج إلى فلل كبيرة حسب قدرة الموظفين و رواتبهم المالية .
و يواصل إلياس شرح الفكرة بالقول : يتم أخذ قرض شامل من صندوق التنمية العقارية أو من صندوق مصلحة معاشات التقاعد لتغطية التكاليف الخاصة بالبناء و يتم بعدها تحديد قيمة كل وحدة سكنية ليتم بعدها التوزيع بحسب الرتب الوظيفية و الراتب و مستوى الإمكانات المادية إذ يتم التسديد باستقطاع جزء من الرواتب على مدة 25 عاما .
#2#
و يذهب المهندس اليابس إلى الفائدة المرجوة من مثل هذا الاقتراح بإيجاد مجتمعات متماثلة في الهم الوظيفي و الاتجاه العملي الأمر الذي سيسهم عمليا في تسهيل وسائل النقل بالنسبة للمجموعات الوظيفية من مناطق سكناهم المشتركة إلى عملهم المشترك و بالعكس من أعمالهم إلى المجمع السكني إذ بالإمكان تفعيل النقل العام و إحداث تحول في مستوى الزحام المروري و خفض التكلفة الاقتصادية و الملوثات البيئية .
و يفضل المهندس إلياس عمل هذه الوحدات السكنية ضمن مجمع سكني متكامل يشمل حدائق و ملاعب و أسواق تجارية ما يوفر مزايا عدة في السكن المقترح تضاف إلى توفير بيئة عمل مريحة للموظفين الساكنين في المجمع و تشمل إلى ذلك سهولة الانتقال و التخفيف من حدة وطأة الزحام المروري ووجود الموظف في جو أسري يربطه مع زملائه في العمل وفي مجمع سكني متكامل الخدمات .
و يشير رئيس شركة المهندسون للتطوير العقاري إلى أهمية مثل هذه الخطوة مستقبلا في توفير الطاقات المهدرة في البناء مع توحيد نظام البناء و الشكل العام للمجمع و مع توفير مكان آمن تحت حراسات أمنية لكي ينعم الأطفال و النساء بالحدائق و الملاعب في أجواء أسرية لا تستهلك الوقت الكثير من الموظف و لا تستوجب وجوده الدائم مع عائلته .
و من ناحية أخرى يطالب مواطنون بفتح المجال أمام الشركات العقارية بالتعاون بين الأمانة وصندوق التنمية العقاري لتطوير بعض المخططات البعيدة عن المدن وتوفير جميع الاحتياجات اللازمة لإقامة أحياء سكنية وطرحها على المواطنين بالنظام المعمول به في صندوق التنمية العقاري, مشيرين إلى أن الأمانة لديها القدرة على تطوير واستثمار الأحياء القديمة في المدينة المنورة والتي أصبحت بؤرة للعمالة الأجنبية بعد أن هجرها سكانها.
و كانت قد انطلقت مطلع العام الحالي عدد من الشركات العقارية في طرح منتجاتها من مخططات سكنية وصناعية وتجارية والتي حققت إيرادات تتجاوز ثمانية مليارات ريال, ومع ذلك لا يستطيع المواطن ذو الدخل المحدود امتلاك أراض في هذه المخططات نظرا لارتفاع أسعارها.
#3#
## مواد البناء ..عنصر ضاغط على صدر هذا الحلم
من جانبه يبدي محمود رشوان رئيس اللجنة التجارية في غرفة المدينة المنورة الأسف الشديد كما يقول من كون الأوعية الاستثمارية في المملكة العربية السعودية عامة و في المدينة المنورة خاصة محدودة جدا و مقتصرة فقط على الاستثمار في المساكن مؤكدا أن غلاء مواد البناء له عامل السحر في الموضوع .
و يعطي رشوان مثلا بارتفاع أسعار الحديد في السعودية في فترة ما مقارنة بما يباع في دول عربية مجاورة مثل مصر مشيرا إلى أن مختلف مواد البناء زادت أيضا بنسبة 300 في المائة أو أكثر قليلا من هذه النسبة .
و يلفت رئيس اللجنة التجارية في غرفة المدينة المنورة إلى وجود ما يصفه بالعوامل المستترة التي تدير مواد البناء في المملكة خاصة مع عدم وجود رقابة كافية على هذه السلع المهمة و الحيوية في البلد و يقول رشوان، ضاربا المثال بما يحصل في الأسواق المجاورة « مثلا بعض الدول العربية المجاورة لنا استثماراتها كثيرة و مختلفة و العقارات لديهم للمسكن فقط وليست للتجارة و الاستثمار كما هو الحال لدينا».
ويعلل محمود رشوان هذا الوضع قائلا « أعتقد أن هذا كله بسبب أكثر من أمر منها الرقابة و الفوضى التي تعم هذا المجال كما أن مستوى المعيشة زاد بطريقة كبيرة و الجميع يريدون زيادة في الدخل لذلك يلجأون إما لزيادة القيمة الإيجارية للمسكن أو تجميد مواد البناء (بالنسبة للتجار) على غرار تجميد أو تسقيع الأراضي فمثلا المتر المربع من الرمال يباع للتاجر بنصف ريال وهو يقوم بتخزينها لفترة ثم يرفع سعرها إلى أكثر من 28 ريالا .
## لغز الحل ..سيتجلى مع «الرهن العقاري»
و حول رؤيته للحل من وجهة نظرة فيقول رشوان : أعتقد أن قانون الرهن العقاري الذي هو بصدد الموافقة عليه من سلطات المملكة سيمثل دعما كبيرا في اتجاه الحل فلو تمت الموافقة على مثل هذا القانون وفق أحكام تخدم الجميع فسيكون هذا بمثابة الحل السحري للموضوع و لكن يبقى الأمر معلقا بسؤال واحد وفقا لرئيس اللجنة التجارية في الغرفة التجارية الصناعية في المدينة المنورة .
## كيف نضمن سداد ذلك الرهن؟
هذه هي المشكلة القادمة طبقا لمحمود رشوان لأن المملكة في الوقت الحالي لا تتعامل في القروض إلا مع موظفي الحكومة و لكن من سيدخلون في إطار الرهن العقاري سيكونون من كل الفئات ولا يمكن أن ننفذه مع فئة دون الأخرى كما يقول رشوان .
و يضيف رشوان « من جانب آخر أوجد مصرف الإنماء جزءا من الحل من خلال طرحه خدمة إجارة العقار لتوفير الحلول التمويلية لتملك المساكن حيث تتميز الخدمة بعدم وجود رسوم إدارية أو رسوم إبرام عقد كما أن فترة القرض تمتد حتى 25 سنة و كحد أقصى للقرض خمسة ملايين ريال « و هو ما يعتقد أنه يمثل جزءا من الحلول التي قد تعطي مساحة إضافية لاختيارات المواطن السعودي في سبيل تحقيق أمنيته بتملك سكن لعائلته .
فيما يقول الباحث الاقتصادي أحمد الرحيلي : أتوقع أن تحدث طفرة إضافية في عالم العقارات خلال السنوات الخمس المقبلة خصوصا مع الارتفاع الملحوظ في أسعار العقار سواء المستأجر أو أسعار البناء و أبدى تفاؤلا بوجود فسحة من الأمل تتمثل في نظام الرهن العقاري المنتظر و قال « عندما ينفذ نظام الرهن العقاري أعتقد أن هذا سيكون هو الحل للموضوع خصوصا في منطقة مثل المدينة المنورة مع وجود أعداد لسكان المدينة المنورة في الوقت الحالي لا تتعدى 800 ألف نسمة فيما ستصل خلال السنوات الخمس المقبلة إلى نحو مليونين لذلك أعتقد أن نظام الرهن العقاري سيأتي بثماره في المدينة خصوصا لمحدودى الدخل ».
## أنظمة البناء المتطور ستخفض التكاليف
أما المهندس عبد الغني السيسي عضو الهيئة السعودية للمهندسين فيقول :إن المشكلة الأساسية هي ارتفاع التكلفة بالنسبة للبناء وخاصة أنها تحتاج لثلاث مراحل مهمة وضرورية وهي شراء قطعة الأرض و من ثم بنائها و بعد ذلك تشطيبها فمن خلال متابعة المشاريع كافة سواء كانت تجارية أو شخصية فنجد أن نسبة 55 في المائة من قيمة التكلفة تقع في شراء الأرض خاصة بعد ارتفاع أسعار الأراضي في عام 2004 .
ويوضح المهندس عبد الغني السيسي أن سلوكيات البناء لدى المواطن اختلفت كثيرا خصوصا بعد ارتفاع أسعار مواد البناء الأساسية من الأسمنت و الحديد و لهذا السبب تغير فكر المواطن الذي يريد البناء من عقار كبير صاحب عدة طوابق إلى فيلا متوسطة بنظام بنائي قليل التكاليف و أيضا سريع التنفيذ مثل أنظمة البناء المتطور و الحديثة كالجبس بورد المعالج للأحمال الثقيلة والجدار الحامل و الجدران الخراسانية الجاهزة بعدة تصاميم و مساحات تتناسب مع الجميع .
كما أن قيمة تشييد مثل هذه الأنواع من المساكن توفر أكثر من 70 في المائة من قيمة البناء العادي كما أنها توفر الوقت فيمكن صناعة المنزل بالكامل في 160 يوما فقط و هو يعد وقتا قياسيا ويخلص السيسي إلى القول « بذلك نجد أننا قد رفعنا الحمل من على عاتق المواطن البسيط دون تكاليف باهظة».
و إذا ما اعتمد نظام بناء المساكن الحديثة فربما تقوم الأمانات بتغيير مواصفات مخططات الأراضي لتكون مساحة أي قطعة أرض في حدود 350 مترا مربعا كاملة للسكن لا يختزل منها للشارع و هنا يقول السيسي: أنا أعتقد أن هذا حل قد يغير كثيرا من حياة معدومي الدخل (متوسطي الدخل ) حتى يمكنه تحقيق حلم السكن .