النقد الذي يقوم على التعميم لا يساعدنا على التطوير

النقد الذي يقوم على التعميم لا يساعدنا على التطوير

نشرت جريدتكم الموقرة في عددها رقم (5852) الصادر بتاريخ 30/10/1430هـ مقالاً تحت عنوان (الخدمة المدنية وتطلعات العاملين فيها) بقلم الكاتب في الجريدة الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخضيري, تحدث فيه عن أن القطاع الحكومي أصبح غير جاذب للكفاءات العلمية بل طارد لها ووجهة نظره أن المؤسسات والجهات الحكومية أصبحت عبارة عن مجموعة من العاملين غير المنتجين وأقرب إلى تسميتهم (مستحقي الضمان الاجتماعي أو الشؤون الاجتماعية) يحملون ميزانية الدولة مليارات الريالات دون فائدة تذكر، بحيث تصبح الأعمال والمشاريع وقفاً على مسؤولي الأجهزة الحكومية تتم ترسيتها عليهم أو على أسرهم ثم يتم بيع المشروعات من الباطن وكل هذا بسبب الفساد الإداري الناتج عن هجرة الكفاءات الإدارية والفنية من القطاع الحكومي إلى القطاعات الأخرى وعجز القطاع الحكومي عن تعويضهم، ورأيه أن هذه الهجرة نتجت عن الجفوة من القطاع الحكومي، والإحباط الذي يصيب البقية الباقية التي تحاول إصلاحه بسبب الأنظمة الجامدة للخدمة المدنية لأسباب عديدة من أهمها أن هيكل الرواتب لم يتغير منذ أكثر من ثلث قرن، إضافة إلى إلغاء عديد من الامتيازات والحوافز بسبب الوضع المالي والاقتصادي في منتصف الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، الذي استمر حتى وقتنا الحاضر.
ونحن في وزارة الخدمة المدنية نقدر للناقد نقده البناء ونجد فيما يقدمه البعض من المهتمين بشؤون الخدمة المدنية من ملاحظات وآراء واقتراحات مصدراً مهماً من المصادر التي نثق بجديتها ونقدر أهدافها الرامية إلى الإصلاح والارتقاء بمستوى الخدمة العامة, ولطالما استفادت وزارة الخدمة المدنية من نسبة عالية من مما لوحظ على نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية, لذا فإننا نرى أن نقداً يقوم على التعميم دون التخصيص ولا يشير إلى مواطن الخلل لا يساعدها على التطوير الذي يطمح إليه موظف الخدمة المدنية، ويمكن مناقشة وتوضيح ما تطرق له الكاتب في النقاط التالية:
1 ـ تضاعف امتيازات أعضاء هيئة التدريس وعدم قدرة الجهات الحكومية على الاستعانة بها، فهذا أمر فيه خلط, فالمعروف أن أساتذة الجامعات هم من منسوبي الخدمة المدنية وبالتالي فإن تخصيصهم بامتيازات يهدف في المقام الأول للمحافظة عليهم وعدم تسربهم من الوظائف التي أعدوا من أجلها، أما مسألة عدم قدرة الجهاز الحكومي على الاستعانة بهم فلا أعلم حالة احتاجت فيها جهة حكومية حاجة ملحة للاستعانة بخبرات من خارجها فلم توفر لها.
2 ـ تخوف الكاتب من تحول المؤسسة الحكومية أو القطاع الحكومي إلى ضمان اجتماعي يؤدي إلى البيروقراطية والترهل والفساد لا محل له في ظل وجود آليات تمنع ذلك، فكما يعلم الجميع أن هناك لجنة وزارية للتنظيم الإداري برئاسة سيدي الأمير سلطان بن عبد العزيز – أعزه الله – تتولى إعادة الهيكلة الإدارية لمؤسسات الدولة وتحسين الأداء فيها ولها عديد من الجهود التي أحدثت نقلة في تفعيل الإصلاح الإداري وتحسين مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة, وهي حالياً تتجه إلى إعادة هيكلة أجهزتها وأنظمتها العامة إلى ضمان تفعيل وتوضيح أدوار ومسؤوليات كل قطاع وجهة حكومية فيما يخص تقديم الخدمات للمواطنين والمستفيدين, وكذلك العمل على إزالة الازدواجية والتداخل في بعض الاختصاصات والنشاطات وتبسيط إجراءات العمل وخفض تكلفة تشغيل الجهاز الحكومي وتقديم خدماته، وإعادة توزيع القوى العاملة فيه بشكل أفضل، إضافة إلى تحديث الأنظمة الوظيفية والمالية, ويؤمل أن يسهم هذا التوجه بشكل كبير في تفعيل الجهاز الحكومي بأكمله مما يجعله جهازاً مسانداً ومعززاً لجهود الدولة الإصلاحية في المجالات الاقتصادية وغيرها، ومساهماً كذلك في إيجاد بيئة استثمارية متميزة في المملكة.
ولقد اتخذت اللجنة ولا تزال جملة من التدابير التنظيمية الموفقة في عديد من جوانب العمل الإداري والأنظمة واللوائح، وصدر التوجيه الكريم باعتماد كثير منها، وكان لذلك الأثر الطيب في تسهيل تقديم كثير من الخدمات وفك عديد من الاختناقات في تحديد المسؤوليات وتحريك المسارات نحو الأداء المطلوب, كما أن الدراسات التنظيمية التفصيلية المقبلة – والذي بدأ العديد منها لعموم أجهزة الدولة ستؤدي ـ إن شاء الله ـ إلى تفعيل تنظيمي أوسع في بنية النظام الإداري وعناصره الأساسية، من تحديد دقيق للاختصاصات والمسؤوليات والصلاحيات، وحجم وطبيعة الوحدات الإدارية ومستوياتها وإجراءات عملها، والتوجه نحو إدخال التقنية الحديثة في مسارات أنشطتها.
3 ـ ما أشار إليه الكاتب من قدم نظام الخدمة المدنية وجموده لأسباب عديدة من أهمها أن هيكل الرواتب لم يتغير منذ أكثر من ثلث قرن, إضافة إلى إلغاء عديد من الامتيازات والحوافز بسبب الوضع المادي والاقتصادي في منتصف الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، الذي استمر إلى وقتنا الحاضر، والواقع يخالف ذلك، فقد صدر المرسوم الملكي الكريم رقم (م/17) وتاريخ 23/11/1414هـ بإضافة (5) درجات لكل مرتبة في سلم رواتب الموظفين العام وسلم رواتب وظائف المستخدمين وسلم وظائف بند الأجور، كما صدر الأمر الملكي الكريم رقم (أ /227) وتاريخ 16/7/1426هـ بزيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة 15 في المائة، كما صدر أمر سام كريم بزيادة 5 في المائة على رواتب العاملين في الدولة بشكل تراكمي لمدة ثلاث سنوات لمواجهة غلاء المعيشة، أما ما يتعلق بتخفيض بعض الحوافز المادية فكان بقرار من مجلس الوزراء وقد قام مجلس الخدمة المدنية بإعادة دراسة الحوافز المادية لموظفي الخدمة المدنية وهي معروضة على النظر الكريم. أما في مجال الأنظمة واللوائح فلو نظرنا إلى بعض ما أنجزه مجلس الخدمة المدنية نجد أنه أصدر عدداً من اللوائح كاللائحة الخاصة بالوظائف التعليمية ولائحة للوظائف الصحية, إضافة إلى ذلك أعاد مجلس الخدمة المدنية النظر في عديد من اللوائح التنفيذية لنظام الخدمة المدنية التي سبق أن صدرت، وأدخل عليها بعض التعديلات من أجل مواكبة المستجدات ومسايرة للتطور العام الذي تشهده الخدمة المدنية, ومن اللوائح المعدلة:
* لائحة التكليف في عام 1421هـ.
* لائحة الإيفاد للدراسة بالداخل في عام 1421هـ.
* لائحة الترقيات في عام 1421هـ.
* لائحة الإعارة في عام 1422هـ.
* لائحة انتهاء الخدمة في عام 1423هـ.
* لائحة التعيين في الوظيفة العامة في عام 1424هـ.
* لائحة النقل في عام 1424هـ.
* لائحة الإجازات في عام 1426هـ.
* لائحة تقويم الأداء الوظيفي في عام 1427.
* لائحة تفويض الصلاحيات في عام 1427.
* لائحة الواجبات الوظيفية في عام 1427هـ.
* لائحة الوظائف الدبلوماسية في عام 1429هـ.
ولا يزال المجلس مستمراً في إصدار ما بقي من اللوائح من ناحية ومواصلة المراجعة الدورية لكل ما صدر من ناحية ثانية. ونظام الخدمة المدنية مبادئ عامة تساير هذا الوقت وغيره تفسر باللوائح التنفيذية التي صدرت وعدلت حسب الحاجة ومقتضيات الحال, فكما أشرت عدل وصدر من اللوائح فقط في السنوات العشر الأخيرة (12) لائحة ومئات القرارات التنظيمية.
ونحن في وزارة الخدمة المدنية لا ندعي الكمال لنظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية فهو نتائج عقل بشري تبنى نصوصه على أساس أهدافه ومجال تطبيقه، وهو معرض للقصور لأن الأنظمة لا تفصّل على الحالات وإنما تُبني على الغالب والأعم كما أنه ليس محجوباً عن التطوير والتحديث بما يتناسب وظروف المرحلة وما يظهره التطبيق الفعلي من حاجة للتعديل والتكيف مع المستجدات الإدارية.
ومن توفيق الله تعالى، وبفضل اهتمام القيادة الرشيدة لهذا البلد الكريم فإن لدى وزارة الخدمة المدنية من الآليات ما يساعدها على المسارعة في معالجة كل أمر يستجد من الأمور الوظيفية، ووضع القواعد والضوابط لذلك، فوجود مجلس الخدمة المدنية الذي يتولى رئاسته خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس الوزراء وصاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء نائبا له وعضوية عدد من الوزراء المختصين مكنه من إصدار كل ما يدخل في نطاق الخدمة المدنية من لوائح وبشكل ميسر وعاجل, حيث نجد أن المجلس أصدرها ما يزيد على ثلاثة آلاف قرار أغلبها قرارات تنظيمية ولائحية، مع معالجة عدد من الحالات الفردية.
ومن ضمن ما توليه وزارة الخدمة المدنية اهتمامها وعنايتها كإحدى مهامها الرئيسية إجراء الدراسات بصفة مستمرة بهدف الارتقاء بمستوى الخدمة المدنية إلى ما يتطلع إليه المواطنون الكرام بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ـ حفظهما الله.
ويمكنني القول إن تسرب موظفي القطاع العام إلى القطاع الخاص لم يصل بعد إلى حد الظاهرة بل هو في حدوده الطبيعية، وهذا شيء إيجابي إذا نظرنا إليه نظرة شاملة, فالقطاعان العام والخاص مكونان رئيسيان للتنمية في البلاد وبالتالي فتبادل الخبرات بين القطاعين أمر مطلوب.
ونحن في وزارة الخدمة المدنية نثق بأن سعادة الدكتور عبد العزيز الخضيري الذي يعمل في جهاز حكومي, بل هو من كبار المسؤولين فيه, ذو اطلاع واسع ويتابع التطورات التي حدثت على أنظمة ولوائح الخدمة المدنية.

محمد بن علي الفايز
وزير الخدمة المدنية

الأكثر قراءة