انتشار المصرفية الإسلامية: الفوائد والعقبات

انتشار المصرفية الإسلامية: الفوائد والعقبات
انتشار المصرفية الإسلامية: الفوائد والعقبات

إن لانتشار التمويل على الطريقة الإسلامية في الدول الغربية فوائد كبيرة للنظام المصرفي الإسلامي والعالمي على السواء. إذ إن هذا الانتشار يلغي فكرة اقتصار هذه المصارف على رقعة جغرافية وعلى دين معين أو بشريحة المسلمين دون غيرهم . والتحدي الحقيقي للنظام المصرفي الإسلامي يكمن في ازدياد المؤسسات العالمية التي تطبق بعض المنتجات الإسلامية على نطاق الدول غير الإسلامية، نظرا لأن عملية البحث والتطوير في مجال التمويل تجري في الغرب بصورة أكبر من الدول الإسلامية. كما أن التطبيق الجزئي للنظام الإسلامي في التمويل خارج إطار الدول الإسلامية سيزيل كثيراً من المفاهيم المغلوطة عن النظام المصرفي.ومن المؤكد أن تحسين أداء النظام سيتطور بصورة ملحوظة نتيجة للتطبيقات والرؤى التطويرية التي يمكن أن تحدث في الغرب، إلا أنه ومع كل هذه الفوائد التي حققها النظام المصرفي الإسلامي، وتطلع العيون إليه على أنه البديل للنظام القديم، فإن هناك حاجة لمراجعات مهمة ومفصلية لأن النجاح والانتشار قد يحملان مشاكل لا تحمد عقباها، ورغم أن عمر المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية يعد قليلاً مقارنة بعمر النظام المصرفي في العالم، إلا أنها قد حققت نجاحات كبيرة وغير متوقعة وذلك بسبب الخطى التي سارت عليها والتزمت بها خلال مسيرتها.
وبعد أن تعرض العالم للأزمة المالية التي أدت إلى انخفاض ثقة الناس بالمصرفية التقليدية وأدت إلى ويلات ومصائب سيعاني منها العالم في المستقبل أثبتت المصرفية الإسلامية صمودها في وجه الأزمة وجاءت الأرقام والنتائج المالية تؤكد ذلك، حينها تنادت أصوات عديد من المسؤولين بالبحث عن نظام بديل للرأسمالية أحيانا أو بتطبيق العمل المصرفي الإسلامي صراحة أحيانا أخرى، بل حتى الفاتيكان نفسه نادى بذلك.
والمراقب للمشهد المالي اليوم يرى بوضوح حجم التقارير المالية الصادرة أخيرا، وأغلبها، تتوقع مستقبلا واعدا لصناعة المال الإسلامي، وأن حجم التعاملات المبنية على أصول التعاملات الإسلامية سيقارب 1.5 تريليون دولار عام 2010، بل سيصل إلى نحو أربعة تريليونات دولار بحلول 2015، كما أظهرت بعض الدراسات الاقتصادية عن سباق محموم بين البنوك العالمية الكبرى لإطلاق نوافذ إسلامية في محاولة للاستفادة من النشاط الذي تشهده الصناعة المالية الإسلامية، مما سيؤدي إلى توسع هذه الصناعة عبر العالم، وليس هذا بغريب، فالمصرفية الإسلامية مدعومة سياسياً ودينياً وتجارياً.
ويبدو أن مستقبل هذه الصناعة في تطور مستمر، إذ يشير تقرير (وايمان) إلى أن هناك أكثر من نصف عدد المسلمين في العالم والذي يتجاوز المليار مستعدون لترك التعامل بالصناعة التقليدية، إن وجدوا البديل، حتى وإن كان أكثر تكلفة من الصناعة التقليدية، وهذا النجاح يثير أسئلة حول إيجابية النمو الذي تشهده المصرفية الإسلامية، وهل هو في صالحها أم أن من الممكن أن ينعكس ضدها؟ وأن أشد ما يخشاه المحللون المتخصصون بالاقتصاد الإسلامي هو أن هذا النمو السريع، والامتداد الواسع على رقعة شاسعة من العالم إذا لم تطبق فيه المصرفية الإسلامية بوجهها الصحيح المبني على القواعد التي يجيزها النظام الإسلامي فإنه سوف يسيء للتجربة أكثر مما يفيدها، لذلك فإن المرحلة القادمة تتطلب من الهيئات الشرعية والمؤسسات المالية الإسلامية العمل على تطوير نموذج المصرف الإسلامي الذي تظهر فيه حقيقية المصرف الإسلامي، بحيث تكون مبنية على أسس المالية والمصرفية الإسلامية وقواعدها الصحيحة، وتؤدي إلى خدمة الاقتصاد والتنمية والرفاهية، لا أن تستمر على شكل معاملات صورية أو غير مباشرة أو تكون محاكاة للنظم التقليدية، كما أن هناك حاجة لتطوير وابتكار منتجات وأدوات مالية جديدة مستمدة من قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية وتراعي في مجموعها المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية.
#2#
هل هناك حاجة إلى الرقابة؟
هناك تحديات كبيرة تقف أمام الفقه الإسلامي المعاصر، المتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية، وغيرها من المؤسسات الربحية المستندة إلى مرجعية إسلامية، ويتمثل هذا التحدي في مدى قدرة هذه المؤسسات على الصمود في السوق، مع الاحتفاظ بالقواعد الأخلاقية التي ترفع شعارها، وذلك بعد أن تحوّلت الصناعة المالية الإسلامية إلى صناعة واعدة وربما تكون بديلة عما هو موجود، وهذا يتطلب من مؤسسات المال الإسلامية أن تسعى إلى تقديم خدمات نوعية وحيوية، تراعي فيها الاحترافية المهنية، والمعيارية الشرعية، وتتسم بقدر من المخاطرة الواعية، فلا هي مضمونة الفائدة: كالربا، ولا هي عالية المخاطرة: كالمقامرة.
وهذا ممكن لو توفّر لهذه المؤسسات الإدارة الجادة في تبني الحلول الإسلامية، والهيئة الشرعية الواعية بفقه الشريعة، والرقابة الشرعية الحثيثة، التي تتابع تنفيذ ما تقره تلك الهيئات.
وقد قُدمت المصارف الإسلامية على أنها تشكل أفضل الحلول للنظام في هذا العصر، ولذا فعليها أن تحافظ على سمعتها ومسيرتها عبر الزمن القادم وفي المستقبل، فبعض المحللين يرون أن ثمة مشكلة بدأت تتفاقم اليوم ومن أهم مظاهرها أن كثيراً من غير الأكفاء يتولون مجالس الإفتاء الشرعي لهذه المؤسسات، فالكفاءة هنا تستدعي منطقياً إتقاناً للفقه المالي وإدراكاً لمقاصد الشريعة ونتائج الفتوى، وإلماماً بأصول العمل المصرفي وما يستلزمه كاللغة الأجنبية لأنها لغة العقود. ويرى آخرون أن إتقان الفقه لم يعط الأهمية اللازمة عملياً مع قيام المصارف الإسلامية، فأعطيت الأفضلية لمن يلم بأصول العمل المصرفي ويجيد اللغة وعنده دراية بالفقه وإن لم يكن بالضرورة فقيهاً متقناً. والسبب أن إتقان الفقه لم يكن سهلاً تحققه آنئذ في من تحققت فيه المواصفات الأخرى اللازمة لهذا العمل بمعيار السوق، فتحقق إتقان الفقه مع الدراية المصرفية واللغة الأجنبية أمر نادر، وهذا ما يفسر تزعم مجموعة من حملة الشهادات العلمية بالاقتصاد من الجامعات الأجنبية الملميّن بعض إلمام بالفقه لبعض هذه المجالس. كما أن هناك من يرى أن رواد مجالس الإفتاء المصرفي ونجومه هم بعد ذلك من يسند إليهم على الغالب، نظراً لسمعتهم أو سلاسة فتاويهم، أمرُ اختيار أعضاء مجلس الرقابات الشرعية للمؤسسات الجديدة الناشئة، يسنده القائمون على هذه المؤسسات المالية الإسلامية الجديدة بعد تعيينهم رؤساء لمجالس رقاباتها الشرعية، وبذلك تختل الموازين التي يُختار على أساسها المفتون ومستشارو هذه المؤسسات. وعليه، فإن مسيرة العمل المصرفي الإسلامي في خطر إن لم تحل مثل هذه المشاكل بجملة إجراءات، من أهمها: العمل على تعيين الأكفاء في هذه المناصب وعدم الاعتداد بإقبال المؤسسات على أشخاص بعينهم، والعمل على فك عرى الارتباط المصلحي بين أصحاب المؤسسات المالية الإسلامية والرقابات الشرعية ليشرفَ على تعيين الرقابات جهة مستقلة عن تلك المؤسسات، ثم تقنين عدد المؤسسات التي يحق للفرد الواحد العضوية في مجالسها، فضلاً عن إقامة المراكز والمؤسسات التعليمية غير التجارية الربحية التي ترعى أمر تأهيل أعضاء الرقابات الشرعية شرعياً وفنياً ولغوياً التأهيل الصحيح، وسحب الثقة من المراكز التدريبية الربحية غير المؤهلة!
ويرى بعض المختصين أن هناك اختلالات في تطبيق النموذج الإسلامي، ومن ذلك أن المنتجات التقليدية تضمن للتاجر رأس المال مضافاً إليه الفائدة، وتلغي المخاطرة كما في السندات والتوريق التقليدي، وهذا مخالف للنموذج الشرعي الذي يشترط تحمل التاجر جزءاً من المخاطرة، فالربح غير مضمون شرعاً، بيد أن بعض الفتاوى اتجهت إلى ما يشبه إلغاء المخاطرة، لكن بأسماء أخرى، كالتعويض عن نقص الربح الفعلي، باسم الهبة أو التبرع أو القرض أو غيره، وهو ما لا يجوز فقهاً، سواء نص عليه صراحة في العقد، أو كان معروفاً عرفاً، ومن هنا فإن مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الأخيرة (جمادى الأولى 1430هـ) قد أحس بالمشكلة، فدعا السلطات التشريعية في الدول الإسلامية إلى إيجاد الإطار القانوني المناسب، والبيئة القانونية الملائمة والحاكمة لعملية التصكيك، من خلال إصدار تشريعات قانونية ترعى عمليات التصكيك بمختلف جوانبها، وتحقق الكفاءة الاقتصادية والمصداقية الشرعية بشكل عملي، ذلك أن الدعم السياسي والتأطير القانوني لعملية التصكيك من أهم المقومات التي تؤدي دوراً حيوياً في نجاح هذه الصناعة .

الأكثر قراءة