البناء الفردي أخفى المنزل الاقتصادي .. وضاعف أزمة السكن
تركز الحلقة الثالثة من تحقيق أزمة السكن في السعودية الذي تفتحه «الاقتصادية» في محاولة لتلمس أسباب المشكلة وطرق حلها من خلال الاستنارة بآراء عدد من المختصين، على المنزل الاقتصادي وإمكانية حصول الشباب عليه بطرق ميسرة تكفل لهم الحياة الكريمة.
في هذا الإطار يجمع ضيوفنا اليوم على أن افتقاد الأحياء كثيرا من الخدمات حولها بفعل الزمن إلى مطلب لكثير من راغبي السكن وهو ما ضاعف المشكلة من ناحية التكلفة والوقت، حيث يضطر كثيرون إلى بناء منازل تحتوي على كافة المتطلبات مثل المواقف، ملاعب الأطفال، المكتبة، الحديقة وغيرها وهو ما حولها من كماليات إلى ضروريات بسبب الحاجة لها وعدم وجودها في كثير من الأحياء. وأثار ضيوفنا في حلقة اليوم مشكلة البناء الفردي، الذي يضاعف التكلفة ويخلق كثيرا من المتاعب للسكان. ورأى خبير استطلعت رأيه «الاقتصادية» أن تكلفة الوحدات الاقتصادية تركز على «خفض تكلفة التنفيذ» من خلال تصاميم دقيقة واستخدام البدائل المناسبة من المواد أو «خفض تكلفة التشغيل» وذلك من خلال جودة التنفيذ واعتماد مواصفات عالية للبناء مثل استخدام العوازل الحرارية للحوائط أو النوافذ المعزولة التي من شأنها خفض تكلفة استهلاك الكهرباء.
في ذات الاتجاه طالب بعض ضيوف «الاقتصادية» بأهمية إعادة العمل بنظام قرض المشاريع السكنية الموقوف حاليا لاحتواء الأزمة, على أن يتاح للمطورين الجادين فقط سواء للمستثمرين أو العقاريين. إلى التفاصيل:
في البداية سألت المهندس عبد العزيز الرشيد مدير عام شركة أوراك الدولية للمقاولات عن رؤيته لأزمة السكن الحالية, فقال إنها ليست جديدة علينا، واصفا «ما نقوم به الآن من معالجة للوضع هو ما يسمى بإطفاء الحرائق وليست معالجة أسباب الحرائق». وطرح الرشيد سؤالا حول حجم الطلب الموجود حاليا وهل يفوق العرض؟ ورد: بالتأكيد .. لا ، بل لا يوجد عرض مناسب لمن يرغب في إيجاد منزل للسكن». واعتبر أن «المشكلة في أنه لا يوجد عرض مناسب للطلب»، بمعنى أن المعروض أن أنليس مناسبا من حيث القيمة ولا من حيث الجودة ولا الاحتياجات.
## أسعار مرتفعة وجودة متدنية
طالب الرشيد عند مناقشة مثل هذه القضية بالأخذ في الاعتبار التركيز على
المشكلة الحقيقية من خلال عنصرين وهما: ارتفاع أسعار تكاليف البناء والأراضي على ما نسبته 80 في المائة من السكان مما يصعب توافر سكن للكثيرين، أما العنصر الثاني وهو ما يتعلق بالجودة والاحتياجات, حيث إن هذه المباني في حال توافرها بسعر مناسب، فإن جودتها متدنية للغاية، لأن هذه الاجتهادات والمباني المعروضة معظمها تم تنفيذها أما عن طريق أفراد أو مؤسسات سواء عقارية أو استثمارية يفتقدون إلى الخبرة الكافية التي تعتمد على الدراسات العلمية والجدوى الاقتصادية وهو ما يدفعهم إلى أن يكون تركيزهم ونظرتهم على تقليل التكاليف إلى أقصى الحدود على حساب الجودة والإتقان في المنتج النهائي، سواء من خلال اختيار مواد البناء أو الاستعانة بالعمالة غير المدربة.
#2#
## الحي المطور
يعيد المهندس الرشيد طرح سؤال آخر حول من يطلب السكن, ويجيب «في الغالب هم من حديثي الزواج من الشباب أو الأسر الصغيرة حديثة التكوين، مبينا أن متطلبات هذه الأسر الصغيرة التي تشكل - وفق ما يؤكد كثير من الباحثين والمتخصصين في هذا المجال على حد قول الرشيد – نحو 70 في المائة وأعمارهم أقل من 30 سنة، تركز على بيت جيد ومرتب ومناسب يسكنه الإنسان، مبني عن طريق شركات معروفة ومتخصصة، يلبي احتياجات الأسرة الرئيسية، أما الكماليات مثل ملاعب الأطفال, مكتبة, حديقة, مواقف سيارة، صالة لاستقبال الضيوف ذات مساحة كبيرة، كل ذلك يمكن توفيره من خلال الحي المتكامل المطور، بحيث يتوافر جميع هذه الكماليات داخل الحي ومن خلال مركز الوسط, بحيث يوجد المسجد, المدرسة, المستوصف, سوق تجاري، ساحات الألعاب والحديقة، وصالة يقام فيها المناسبات العائلية أو للحي «ناد مصغر».
## هدر اقتصادي
يؤكد الرشيد أنه من خلال هذا النموذج نستطيع أن نقدم نموذجا مثاليا للسكنى بدلا مما هو سائد في طريقة البناء الفردية التي تسبب خسائر فادحة على صعيد الفرد أو المجموع من خلال خسارة الاقتصاد الوطني لموارد كثيرة جدا يمكن استثمارها في أغراض أخرى. وقال إن مثل هذه الخسائر ربما لا يشعر بها الفرد المقتدر, وقال «لنا في المنازل الحالية العبرة والاستفادة، حيث لا بد من الابتعاد عن الاجتهادات المتمثلة في تطوير الأحياء الناقصة وليست الكاملة كما نراه في الوقت الحالي في أغلب الأحياء المطورة التي يرى ملاكها أنهم يقدمون خدمات متطورة وهي في الحقيقية تقتصر على سفلتة ورصف وإنارة، وتساءل: ماذا قدموا من خدمات تعيد النظر في أسلوب بناء المساكن الصحيح؟».
#3#
## 150 مترا و300 ألف ريال
يؤكد مدير عام شركة أوراك الدولية للمقاولات أنه من هنا «سنوفر قيمة الأرض والبناء، عبر قطع صغيرة ومسطحات بناء كذلك صغيرة، فعلي سبيل المثال عبر ما ذكر من احتياجات معظم الأشخاص راغبي السكن فإن ما تستوعبه مساحة المباني لكامل احتياجات الشخص تراوح بين 120 مترا مربعا إلى 150 مترا مربعا، لأن هذه المساحة تشمل الاحتياجات الحقيقية المستخدمة والضرورية لهذه الأسرة، حيث يأتي هذا التصور وفقا للتطوير الشامل لكل حي، وهنا لا بد للدولة أن تشجع هذا التوجه، خاصة أن إجمالي تكاليف بناء مثل هذه المباني لا يتجاوز في الغالب ما يقدمه الصندوق من قرض قيمته 300 آلف ريال، ونحن هنا نتحدث عن مسكن اقتصادي مناسب.
## البناء الفردي .. والتقصير الهندسي
عما هو سائد في أسلوب البناء الفردي والمجمعات السكنية في واقعنا الحالي، يشير المهندس الرشيد إلى أن السوق في السعودية تعاني ضعفا في الإشراف من قبل المكاتب الهندسية ومن سوء تنفيذ من قبل المقاولين، وكل ذلك ينعكس على جودة العمل النهائي، مما يتسبب في زيادة التكلفة الحقيقية لكل مسكن، بسبب هدر المواد وسوء التنفيذ والتأخر في التسليم، لافتا إلى وجوب الحد من المبالغة في أسعار الأراضي ومنع المضاربات التي جعلت من أسعار هذه الأراضي عقبة في تملك الغالبية العظمى من المواطنين أرضا يبني عليها منزل العمر.
#4#
## الضواحي حل .. فمن يسمع؟
يتساءل الرشيد: هل نحن جادون ولدينا الرغبة في إنهاء هذه المشكلة؟ ويجيب: إن كان الأمر كذلك فالحلول موجودة ومعروفة ولا تحتاج إلى ما يمكن تسميته فذلكة، بل إن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من إصدار آلية معينة تتمثل في قيام الدولة بتخصيص أراض قريبة من المدن وتشجيع المطورين الجادين وهذا ما يسمى بالضواحي التي حول المدن satellite city، وهذه الضواحي تسلم للمستثمرين بدون مقابل مادي شريطة أن يقوم المستثمر ببناء هذه الأراضي وبناء مساكن تحقق عائدا ماديا جيدا له، وبالتالي حصول المواطن على سكن بقيمة ستكون أقل من قيمة قرض الصندوق العقاري، في هذه الحالة من خلال مساحات منطقية ومعقولة، ومبان مصممة بشكل مبسط تلبي احتياجات الأسرة، وهذا ما يسمى بالتطوير الشامل والسكن الميسر الذي يفي بالاحتياجات الضرورية للمواطن.
## قرض المشاريع السكنية
في الاتجاه ذاته يؤكد الدكتور المهندس خالد الصقر المدير العام لمشاريع المباني في شركة السويلم للتجارة والمقاولات أهمية تنوع أساليب التمويل عن طريق الصندوق العقاري والبنوك، مطالبا بإعادة النظر فيما يخص قرض المشاريع السكنية الذي تم إيقافه من الصندوق العقاري، لأنه سيساعد بشكل كبير على حل معضلة الإسكان، لافتا إلى أن صندوق التنمية العقاري في حال إعادة فتح هذا القرض أن يتم تخصيصه للمطورين الجادين سواء كانوا عقاريين أو مستثمرين في التطوير الشامل للأحياء.
## هيئة الإسكان والدور المنتظر
يشدد الدكتور الصقر على أهمية قيام هيئة الإسكان بوضع استراتيجيات وخطط مستقبلية قابلة للتنفيذ وإحصائيات دقيقة تساعد على حل أزمة السكن، معتبرا أن دور هيئة الإسكان لم يتضح حتى الآن على الرغم من أنها قديمة من خلال وزارة الأشغال العامة والإسكان سابقا وجديدة كونها هيئة حكومية وليدة، ولكن – والحديث للصقر - لا يعفيها ذلك من وضع خطط يطلع عليها الجميع سواء مواطنون أو مطورون من عقاريين ومستثمرين، بهدف خلق فرص على أرض الواقع لأي مستثمر، يتمكن من خلالها الجميع من رسم سياساتهم وخططهم الاستثمارية والتمويلية على أرض الواقع.
#5#
## خيارات وحلول
أما المهندس عبد الرحمن السحيمي مدير مشاريع مجموعة سلمان بن سعيدان عن أزمة السكن، فيقول إنه في ظل الأزمة الحالية للإسكان أصبح من الضروري إيجاد الخيارات والحلول الملائمة لتيسير عملية تملك الأفراد للسكن وتوفير منزل مناسب بتكلفة اقتصادية. ويقول «من هنا يبدأ دور المطّور العقاري لحل هذه المعادلة الصعبة، وهنا أقصد المطور العقاري بمفهومه الصحيح وليس الدخلاء على صناعة تطوير العقار من الأفراد الذين يسعون إلى جمع الأموال من المواطنين وتوظيفها بدون رقيب».
ويشير المهندس السحيمي إلى أن التطوير العقاري ليس بناء الوحدات السكنية بشكل عشوائي وبيعها فقط، ولا ينتهي دور المطور عند بيع الفلل، بل إن التطوير يبدأ من اختيار الموقع المناسب لخلق مجتمع متكامل وبيئة سكنية ملائمة للفرد وذلك من خلال تطوير الأراضي الخام وتقسميها بأسلوب علمي يراعي جميع النواحي الفنية والبيئية من خلال تصميم هندسي شامل يُراعي جميع الخدمات اللازمة ابتداءً من البنية التحتية للمشروع ، مع وجوب أن يُراعى أيضاً في تصميم المخطط السكني توفير المرافق العامة من مدارس ومساجد ومنتزهات ومراكز تجارية ومراكز صحية بحيث لا يحتاج الفرد إلى الذهاب لأي مكان وقطع مسافات إلا للضرورة القصوى فقط.
ويلفت السحيمي إلى أن التطوير العقاري الحقيقي يجب أن يأخذ في الاعتبار عدة أمور عند تصميم الوحدات السكنية بحيث تكون مصممة بشكل يتلاءم مع احتياجات المجتمع من حيث الخصوصية وتنوع الخيارات في شكل الواجهات الخارجية للوحدات وتلبية كافة الرغبات للأفراد من خلال دراسة وافية للسوق ومعرفة حاجة الفرد حتى يشعر كل فرد بتميزه وتفرده في منزله الخاص، وأن تكون تكلفة هذه الوحدات اقتصادية من حيث «خفض تكلفة التنفيذ» وذلك من خلال تصاميم دقيقة واستخدام البدائل المناسبة من المواد أو « خفض تكلفة التشغيل» وذلك من خلال جودة التنفيذ واعتماد مواصفات عالية للبناء مثل استخدام العوازل الحرارية للحوائط أو النوافذ المعزولة التي من شأنها خفض تكلفة استهلاك الكهرباء.
#6#
وقال إن دور المطوّر العقاري لا يقف عند البيع فقط يمتد إلى ما بعد البيع من خلال تقديم ضمانات معتمدة على جودة التنفيذ وكذلك تقديم عقود صيانة مجانية مما يبعث شعورا من الثقة لدى الفرد عند الشراء «ومما سبق نجد أن المطّور أخذ على عاتقه جزءا كبيرا من مسؤولية توفير السكن للمواطن, ولكن تبقى الخطوة الأهم وهي قدرة الفرد على تملك منزل, وهنا يأتي دور الحكومة من خلال إعادة النظر في إجراءات قرض صندوق التنمية العقاري وقيمته وتسهيل عملية الصرف»..
حول مسؤولية البنوك قال السحيمي إن للبنوك المحلية وشركات التمويل دورا رئيسيا من خلال طرح حلول تمويلية مناسبة لدخل الفرد وتسهيل إجراءات الحصول عليها, وهذا قد بدأ بالفعل ولكن بتحفظ شديد وتخوف من قبل هذه الجهات ويرجع السبب إلى حداثة التجربة وانعدام الخبرة في هذا المجال أحياناً، مما دفع البنوك للاتجاه إلى المطوّرين العقاريين المعروفين وعمل الاتفاقيات التي من شأنها أن تتيح لكل فرد امتلاك منزله الخاص من خلال «حلول شرعية» كعقود الإجارة المنتهية بالتمليك أو عقود الاستصناع . وأخيراً – والحديث للسحيمي - فإننا نرى أن يُعاد النظر في الأنظمة العقارية الحالية والمساهمات المتعثرة وعدم السماح بتكرار ذلك، وهو ما قد تم بالفعل من خلال اقتصار طرح المساهمات العقارية على المجموعات المالية المعتمدة من خلال صناديق استثمار عقاري تحظى بمتابعة مستمرة من قبل هيئة سوق المال كما أننا نتطلع قريباً إلى إقرار عديد من الأنظمة العقارية التي من شأنها الحفاظ على صناعة العقار وإعادة تنظيمها بشكل صحيح وقطع الطريق على المتلصصين على هذه الصناعة والمشوهين لسمعتها.