انتخابات تحت الحصار
> قبل عشرة أيام فقط من السابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، حين من المقرر أن يعود الأفغان إلى صناديق الاقتراع ليقرروا فيما إذا كانوا سيعيدون انتخاب حميد كرازاي أم لا لفترة ولاية أخرى لمدة خمس سنوات، أظهرت طالبان تصميمها على إعاقة الانتخابات. ففي هجوم وحشي في قلب كابول، هاجم المسلحون منزل ضيافة كبيرا خاصا بعمال الأمم المتحدة. ولقي ما لا يقل عن خمسة أشخاص منهم مصرعهم على يد المهاجمين، الذين كانوا يرتدون زي الشرطة ويحملون القنابل الانتحارية.
وقد حافظت الأمم المتحدة منذ سنوات على سمعتها بوصفها حكما محايدا، وتمكنت من تجنب التحول إلى هدف للمسلحين. إلا أن طالبان أعلنت الآن أن أي شخص معني بتنظيم ''مسلسل الانتخابات الطويل'' هو هدف مشروع. وقال متحدث باسم الحركة إن المذبحة في كابول لم تكن سوى البداية.
وكان من المتوقع أساسا أن يكون الإقبال على التصويت منخفضا جدا، بعد مئات الهجمات من طالبان خلال الجولة الأولى في العشرين من آب (أغسطس). وسيقلل هذا بصورة أكبر في الغرب دعم التورط العسكري الذي يزداد دموية. وشهد هذا الأسبوع المزيد من الضربات للدعم الشعبي. فقد تم نشر رسالة الاستقالة التي كتبها Matthew Hoh، الممثل المدني الأعلى لأمريكا في محافظة Zabul، في أيلول (سبتمبر). وقد كتب أن أمريكا، مثل الاتحاد السوفياتي قبلها، تحمي وتدعم ''دولة فاشلة'' في أفغانستان. وذكرت صحيفة New York Times أن وكالة الاستخبارات المركزية تقدم دفعات منتظمة إلى أحمد والي كرازاي، شقيق الرئيس. وقد تم اتهامه على نطاق واسع بتورطه في تجارة الأفيون. وهو ينفي تورطه في المخدرات أو وكالة الاستخبارات المركزية.
ويزيد الهجوم المثير للصدمة في كابول تعميق الانطباع بأن أفغانستان فوضى غير قابلة للإصلاح. وقد أدى على الأقل إلى جذب الانتباه بعيدا عن جهود الأمم المتحدة لوضع استراتيجيات للتعامل مع الأزمة الخطيرة. وقد حدد عبد الله عبد الله، منافس كرازاي في جولة الإعادة، موعدا نهائيا في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) لإصلاح المؤسسات الانتخابية في الدولة. وهو يريد إقالة عزيز الدين، رئيس لجنة الانتخابات المستقلة الموالي لكرازاي علنا. ويطالب أيضا بإغلاق مئات ''مراكز الاقتراع الوهمية''، التي تصعب مراقبتها بسبب سوء الوضع الأمني، والتي شهدت حشو صناديق الاقتراع في الجولة الأولى بنحو مليون صوت مزور لصالح كرازاي.
ويتفق العديد من المراقبين الأجانب مع الدكتور عبد الله على أن هذه إجراءات احتياطية معقولة، بعد سوء الإدارة الكارثي للجولة الأولى. إلا أن معسكر كرازاي ولجنة الانتخابات المستقلة رفضوا المقترحات على الفور. وباستثناء الإعلان عن استبدال 200 مسؤول عن الانتخابات - وهي نسبة ضئيلة - لم يتم اتخاذ الكثير من الإجراءات لمنع تكرار الغش.
وفي الواقع، يبدو أن أهم مساعدي كرازاي يفضلون الظروف التي تسمح بممارسة الغش. فقد شعر المسؤولون الأجانب بالذعر حين اقترح قادة الأجهزة الأمنية لكرازاي زيادة عدد مراكز الاقتراع. ولم يقل الدكتور عبد الله بعد ما سيفعله إذا لم يتم تلبية مطالبه في الموعد النهائي. ولكن يُعتقد أنه قد ينسحب، مما سيوفر ذريعة مناسبة لتجنب الانتخابات التي ستفيد طالبان بصورة أساسية. ويقول Haroun Mir، وهو زميل سابق للدكتور عبد الله أثناء عمله كزعيم مقاومة مناهض للاتحاد السوفياتي، إنه ربما يأمل بفرض مهلة إلى ما بعد ذوبان ثلوج الشتاء. وقد يوحي هذا بوجود حكومة مؤقتة، بحيث إنه في الانتخابات في العام المقبل سيكون كرازاي ''مجرد مرشح آخر بدلا من الرئيس الحالي''.
ووفقا للحكمة التقليدية، ليس هناك فرصة كبيرة أمام الدكتور عبد الله لهزيمة كرازاي في أي ظرف من الظروف، وذلك على أسس عرقية. فكرازاي من البشتون، وعضو في أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان، ولكن ينظر للدكتور عبد الله على أنه من الطاجيك (مع أنه فعليا نصف بشتوني). ووفقا للنتائج النهائية للجولة الأولى التي أكدتها لجنة الانتخابات المستقلة، فإن أمام الدكتور عبد الله، الذي حصل على 31 في المائة، طريقا صعبا طويل للحاق بكرازاي الذي حصل على نسبة تقل قليلا عن 50 في المائة والتي كان من الممكن أن تمكنه من تجنب جولة الإعادة. إلا أن أولئك الذين درسوا الكم الهائل من البيانات من مراكز الاقتراع يعتقدون أن نتائج الجولة الثانية قد تكون أكثر تقاربا بكثير. فلجنة الشكاوى الانتخابية، التي حققت في الغش في الجولة الأولى، لم تدرس سوى مراكز الاقتراع التي تم فيها الإدلاء بـ 600 صوت أو أكثر أو على الأقل 95 في المائة لصالح مرشح واحد.
وبالتالي، كما يقول أحد المسؤولين عن الانتخابات في كابول، فقد رأت لجنة الشكاوى الانتخابية ''طرف الجبل الجليدي''. ففي مدرسة Musa Qala الثانوية في محافظة هلمند مثلا، كانت أربعة فقط من أصل تسعة مراكز اقتراع (تم تأسيسها على الأرجح في غرف صفية منفصلة) لا تلبي معايير لجنة الشكاوى الانتخابية. وحين تم تفتيش أحدها، تبين أنه تم تعليم كل أوراق الاقتراع بنفس اليد وأن ثلاثة أرباعها تقريبا لم تكن مطوية. فمن يستطيع أن يؤكد أن مراكز الاقتراع الخمسة الأخرى لم تمارس القدر نفسه من الغش - أنتج اثنان منهما أرقاما مدورة من الأصوات ولم تتضمن بطاقات تالفة؟ ولكن لأنها لا تلبي معايير لجنة الشكاوى الانتخابية (فاز كرازاي بنسبة تقل قليلا عن 95 في المائة من الأصوات) فقد تم عد كل هذه الأصوات.
ولا يمكن معرفة مستوى التأييد الحقيقي لكرازاي إلا إذا تم تفتيش آلاف صناديق الاقتراع الأخرى. إلا أن بعض الدبلوماسيين في كابول يعتقدون أنه قد يكون منخفضا، بنسبة 42 في المائة، وأن مستوى تأييد عبد الله في الثلاثينيات. ويشكك Glen Cowan من منظمةDemocracy International، وهي منظمة غير حكومية لمراقبة الانتخابات، بهذا التخمين الإحصائي، ولكنه يعتقد أن لدى عبد الله سببا للشعور بالثقة.
ولكن هذا يعتمد بالطبع على إجراء جولة ثانية يتم فيها تقليل الغش إلى أدنى حد. ويقول ريتشارد هولبروك، المبعوث الأمريكي الخاص إلى المنطقة، إنه بوجود مرشحين فقط، ولأنه تم الكشف عن الغش في الجولة الأولى، من المفترض أن تكون الانتخابات في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) أكثر نزاهة.
ولكن هناك آخرين ليسوا متأكدين من ذلك. فقد تكون إحدى نتائج الهجوم على بيت الضيافة في كابول هي انسحاب بعض موظفي الأمم المتحدة من المنطقة الخطرة. وسيقوّض هذا بصورة أكبر مصداقية الانتخابات. وتعتقد Martine van Bijlert، من مؤسسة Afghanistan Analysts Network الفكرية، أن الغش أمر لا مفر منه طالما أن الموالين لكرازاي قلقون بشأن النتيجة. وهي تقول إنه يجب أن يتم التركيز الآن على طرق كشف الغش قبل حدوثه، ''بدلا من مجرد الأمل بأن الانتخابات ستكون أفضل هذه المرة''. ولكن لا شك أن طالبان ستفعل كل ما بوسعها لجعل الانتخابات أسوأ بكثير >