رسائل معادة

رسائل معادة

> في الـ 28 من تشرين الأول (أكتوبر)، أقالت الحكومة اليابانية الجديدة رئيس مؤسسة البريد في الدولة وكل موظفيها تقريبا. وتخطط الآن لعكس اتجاه الخصخصة في مؤسسة البريد اليابانية، إلى جانب وحدتها المصرفية الضخمة- الإصلاح الاقتصادي السابق للحكومة المركزية. والخدمات البريدية في حالة اضطراب في أماكن أخرى أيضا. فأمريكا تعاني خسائر هائلة واضطرت إلى تأجيل دفعات المعاشات التقاعدية. ويستعد البريد الملكي البريطاني لجولة ثانية من الإضرابات على الصعيد الوطني. ففي فرنسا، يوشك المشرّعون النظر في تغيير الوضع القانوني لهيئة La Poste البريدية من هيئة حكومية إلى مؤسسة، مما أثار المعارضة لأن هذا قد يفتح الطريق أمام الخصخصة.
وإلى أن حدث الركود، كان مجال إيصال المواد المطبوعة يبدو قديم الطراز، ولكنه كان لا يزال على الأقل مزدهرا في الدول الغنية. وعلى المدى الطويل، كان لا مفر من البديل الإلكتروني، الذي يحول فيه الأشخاص والشركات الفواتير والاتصالات عبر الإنترنت، ولكنه كان يحدث بسرعة معقولة. وكانت أحجام الرسائل تنخفض بنسبة نقاط مئوية قليلة سنويا، مما أتاح وفورات تكلفة كافية للحفاظ على هوامش الربح. وحصلت شركة أسهم خاصة على حصص في بعض الأجهزة البريدية، ولكن بالنسبة لمعظم المشغلين البطيئين، المدعومين بالشركات الاحتكارية المربحة، كان العمل يسير على النحو المعتاد.
إلا أن الركود أوقع الصناعة في أزمة واسعة النطاق. فقد خفضت الشركات، التي تشكل 80 في المائة أو أكثر من الإيرادات من الرسائل في الشركات البريدية، ميزانيات إعلانات البريد المباشر ولجأت إلى البديل كوسيلة لتقليل التكاليف. وهي تقدم بصورة متزايدة الحوافز لعملائها للقيام بالأعمال عبر الإنترنت، مثل الخصومات من الخدمات بالنسبة للزبائن الذين يختارون تسلم الفواتير إلكترونيا. ويقلق كثيرون أيضا من أن تكون المواد المطبوعة ضارة بالبيئة.
وتبين أن البريد الشخصي، وهو جزء صغير من أحجام الرسائل، أكثر مرونة في الأزمة، ولكنه تحول أيضا إلى البريد الإلكتروني والرسائل النصية ومواقع الشبكات الاجتماعية. ويخشى Adam Crozier، رئيس Royal Mail، أن تؤدي الإضرابات إلى لجوء عدد أكبر من الناس إلى إرسال بطاقات عيد الميلاد في كانون الأول (ديسمبر) المقبل عن طريق البريد بدلا من الطريقة التقليدية. وفي الواقع، يتقلص عدد الرسائل المرسلة بصورة أسرع بكثير من الاقتصاد في بريطانيا.
وبشكل عام، يتوقع عديد من الشركات البريدية الآن أن تنخفض أحجام الرسائل بنسبة 5 - 10 في المائة أو أكثر عام 2009. وقد شهدت خدمة البريد في أمريكا انخفاضا بنسبة تقارب 14 في المائة، أو 28 مليار بند، في العام حتى أيلول (سبتمبر). ويتوقع Menno Sanderse، وهو محلل في Morgan Stanley في لندن، أن تخسر الخدمة البريدية الأوروبية نصف حجم البريد خلال السنوات العشر المقبلة. وفي أوروبا، تواجه الخدمات البريدية أيضا احتمالية نشوء منافسة أكبر، بما أن جميع الشركات الاحتكارية المتبقية في مجال إيصال الرسائل ستنتهي ابتداء من 2011. إلا أن المفارقة أن اليابان لا تعاني مثل هذه المعاناة، حيث انخفضت الأحجام بنسبة 2 في المائة فقط العام الماضي.
إن التكاليف الثابتة المرتفعة للصناعة تجعل الأرباح عرضة للخطر. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، أعلن مكتب البريد في أمريكا، الذي تضرر بشدة جراء الركود، عن خسارة سنوية للعام الثاني على التوالي، والتي بلغت 2.8 مليار دولار، وهو يتوقع تكبد خسارة أكبر هذا العام. وحسنت الخدمات البريدية الأوروبية الربحية منذ بداية العقد حين كانت عديد منها بالكاد مربحا، ولكنها سرعان ما ستبدأ بخسارة المال إذا استمرت الإيرادات في الانخفاض بالمعدلات الحالية. ويقول قسم الرسائل في خدمة البريد السويسري مثلا إن هامش أرباحه سينخفض من 8.5 في المائة عام 2008 إلى 3.3 في المائة عام 2009، ويعود ذلك أساسا إلى انخفاض الأحجام.
ماذا يجب أن يفعل سعاة البريد؟ يتوقع، على الأقل، أن يعود البريد غير المرغوب فيه إلى النمو عند انتعاش الاقتصاد. وهناك أمل آخر وهو الاستفادة من الإنترنت عن طريق تسليم المواد التي يتم طلبها من موقع eBay وAmazon وغيرها من المواقع الإلكترونية. ويهيمن مشغلو الخدمات البريدية الوطنيون الآن على هذا القطاع من السوق وهم في وضع جيد يؤهلهم لتحقيق الفائدة. إلا أن المتخصصين في توصيل الطرود مثل Hermes في ألمانيا بدأوا بالدخول بقوة، وستكون المنافسة شديدة. والاستراتيجية الثالثة هي تطوير إصدارات أكثر أمنا من البريد الإلكتروني. وفي العام المقبل مثلا، ستبدأ Deutsche Post ببيع ''الرسائل'' الإلكترونية، التي تقول إنها ستكون أكثر أمنا وأكثر موثوقية من البريد الإلكتروني.
وستكون الأتمتة، التي تقلل تكاليف العمل، ضرورية للتعويض عن الأحجام المتناقصة. فهيئة Royal Mail، الخدمة البريدية الأوروبية الكبيرة الوحيدة التي تتكبد خسائر جراء انخفاض الحجم، أقل أتمتة بكثير من نظرائها. فموظفوها يصنفون جميع الرسائل يدويا قبل الانطلاق في جولات التوزيع، في حين أن المشغلين الأكثر كفاءة، مثل Deutsche Post وTNT Post في هولندا، يصنفون 85 في المائة من رسائلهم آليا. ويمنحها التحديث الأساسي هامش ربح بنسبة 8 في المائة، وفقا لدراسة تم إجراؤها عام 2008.
وبمرور الوقت، إذا أريد تجنب الخسائر الكبيرة وعمليات الإنقاذ الحكومية، يجب إدخال تغييرات جذرية. ويعتقد بعض كبار المسؤولين التنفيذيين في الخدمة البريدية أنه لا بد من إلغاء خدمة الإيصال في اليوم التالي، على الأقل بالنسبة للزبائن من الشركات. وفي الوقت الحالي، يعتبر الإيصال في اليوم التالي المعيار الرئيسي للجودة في هذا القطاع. إلا أن البعض يقول إنه غير ضروري، بما أن سرعة البريد الإلكتروني تفوق كثيرا حتى أسرع أنواع البريد التقليدي. ومن شأن إلغاء خدمة الإيصال في اليوم التالي تقليل التكاليف بشكل كبير، بما أنه يمكن للخدمات البريدية تخفيض الرحلات الجوية وعمليات الفرز الليلية. ومن الصعب تخفيض عدد مكاتب البريد لأسباب سياسية، ولكن إذا تمكن المشغلون من تخفيض عدد أيام الأسبوع التي يوصلون فيها البريد، وبالتالي تقليل عدد موظفيهم، ستنخفض التكاليف. وقد طلب مدير مكتب البريد في أمريكا، John Potter، من الكونجرس النظر في السماح للخدمة البريدية بتقليل عدد عمليات التوصيل من ستة أيام إلى خمسة أيام، وقد يحذو آخرون حذوه. وتفريغ التزامات المعاشات التقاعدية الضخمة على الحكومات نعمة أخرى بالنسبة للخدمات البريدية، خاصة في بريطانيا وأمريكا. إلا أن كل هذه التغييرات تعتمد على أهواء السياسيين.
وتملك الكثير من شركات البريد شركات ناجحة في مجال غير الرسائل: تملك Deutsche Post و TNT Post مثلا فروعا كبيرة للطرود والبريد السريع، ولدى Deutsche Post وحدة لوجستيات. وهذا يساعد هذه المجموعات التي تمت خصخصتها على تعويض انخفاض أعداد الرسائل. وبالنسبة لغيرها من شركات البريد التي تعاني المشكلات، يعتبر مجال الخدمات المصرفية جاهزا للتوسع وقد يقدم الدعم بمرور الوقت إلى أقسام البريد التي تتكبد الخسائر. وبالنسبة للقليل من المشغلين الوطنيين، مثل Poste Italiane وJapan Post، اللذين يمتلكان أكبر بنك في العالم من حيث الودائع، تتجاوز الإيرادات من الخدمات المالية بالفعل الدخل المتأتي من البريد. وخلال الأزمة، استفادت البنوك البريدية في فرنسا وسويسرا وإيطاليا بصورة كبيرة بسبب سعي المودعين لإيجاد ملاذ. وفي Swiss Post، يتوقع أن يزيد هامش أرباح الوحدة المصرفية من 10 في المائة عام 2008 إلى 17 في المائة هذا العام، وتريد الشركة الآن الحصول على رخصة مصرفية شاملة بحيث تتمكن من تقديم القروض للزبائن والشركات مباشرة بدلا من تقديمها من خلال شركاء كما هو الحال في الوقت الحالي. ويريد La Poste توسيع La Banque Postale، ويأمل US Postal Service في أن يسمح له الكونجرس بتقديم الخدمات المالية أيضا.
وقد اندمجت الخدمة السويدية والدنماركية هذا العام في أول عملية اندماج عابرة للحدود على الإطلاق في هذا القطاع، مدفوعين بالتوقعات المستقبلية الغامضة وبالمنافسة من خدمة بريد النرويج، التي بدأت بالقيام بالأعمال في السويد. ويتساءل المديرون التنفيذيون في هذا القطاع في عديد من الدول الآن فيما إذا كان من المحتمل إجراء عمليات اندماج أخرى بين الخدمات البريدية الوطنية، كما يقول Paul Needham من شركة ITA الاستشارية في ألمانيا.
والصناعة مقسمة بشكل حاد الآن بين الخدمات البطيئة التي تمتلكها الحكومات، والتي ظلت أساسا في أوطانها، مثل La Poste، وبين الشركات الأكثر كفاءة التي تمت خصخصتها والتي توسعت بشكل كبير إلى ما وراء حدودها، مثل TNT Post وDeutsche Post. وسيساعد التحرير عام 2011 النوع الأخير، مع أنها تعاني أيضا انخفاض الرسائل. وبغض النظر عما سيحدث، يبدو أن الخدمات البريدية في مختلف أنحاء العالم ستثير الكثير من الجدل في السنوات المقبلة >

الأكثر قراءة