الدور الرقابي للهيئات الشرعية ضعيف.. وبعض المنتجات إسلامية بخلفية محرمة

الدور الرقابي للهيئات الشرعية ضعيف.. وبعض المنتجات إسلامية بخلفية محرمة
الدور الرقابي للهيئات الشرعية ضعيف.. وبعض المنتجات إسلامية بخلفية محرمة
الدور الرقابي للهيئات الشرعية ضعيف.. وبعض المنتجات إسلامية بخلفية محرمة
الدور الرقابي للهيئات الشرعية ضعيف.. وبعض المنتجات إسلامية بخلفية محرمة

بعد الاهتمام العالمي بالمصرفية الإسلامية يبدي الدكتور محمد العصيمي مخاوفه من تقديم منتجات إسلامية تفتقر إلى رقابة صارمة بطريقة مبتسرة صورية لا طعم لها ولا لون، وأشار إلى أن التنافس على المصرفية الإسلامية يخفي داخله حرصا كبيرا على اغتنام الربح الوفير المتحقق. وينفي العصيمي أن يؤدي هذا الاهتمام إلى سيادة النظرية الاقتصادية الإسلامية, موضحا أنه ليس هناك نظام قائم يخضع للاختبار وإنما ما هو قائم هو حيز صغير من فضاء اقتصادي إسلامي كبير، حيث أوضح العصيمي أن العالم بعد الأزمة المالية العاصفة التفت للحلول البديلة عن هيكلية العمل المصرفية والاستثمارية التقليدية القائمة ومنتجاتها، فلم يجد عند المسلمين شيئا كبيرا.
وبين العصيمي أن هناك وعيا متزايدا بقيمة العمل المصرفي والمالي المنطلق من الضوابط الشرعية، وليس هذا خاصا بالمسلمين، فحتى مقدمي الخدمات غير المسلمين يعلمون أهمية ذلك للمستهلك المسلم. وأكد على أن الدور المهم والظاهر للهيئات الشرعية في أغلبية دول العالم والخليج كذلك هو الدور الإفتائي. ولكن المتوقع والمنتظر من الجماهير هو الرقابي .. فإلى تفاصيل الحوار:

نشهد اهتماما عالميا بالمصرفية الإسلامية. ألا تخشى أن يتسبب هذا الاهتمام في ضرب صناعة المصرفية في المنطقة والتأثير عليها.
- السؤال له أبعاد عدة, فأولا الاهتمام ليس بالضرورة ضارا، بل قد يكون له آثار طيبة جدا على الصناعة المصرفية، من حيث نشرها والتعمق في معرفتها وتقليل التخوف من منتجاتها، وتطويرها. وكثير من المعايير الدولية المحاسبية والمالية والتمويلية والاقتصادية والبنكية وغيرها تصدر دون معرفة للفروق الكبيرة بين المنتجات الإسلامية المبنية على اعتبارات شرعية والمنتجات المالية التقليدية. فالاهتمام يقفل هذه الفجوات. ثانيا: الزاوية التي أخاف منها هي تقديم المنتجات الإسلامية التي تفتقر إلى رقابة صارمة بطريقة مبتسرة صورية لا طعم لها ولا لون. ولكن للحق، ليس هذا خاصا بغير المسلمين، ولكن للأسف بعض المسلمين يفعل هذا. والبعد الثالث للسؤال وهم المهم هو ما الذي يجب أن نقدمه للعالم من النافع المفيد لهم في الجوانب الاقتصادية البنكية وغيرها.

أغلبية دول العالم تسعى لأن تكون عواصم للتمويل الإسلامي، فرنسا وبريطانيا وأمريكا وكوريا الجنوبية.. ألا يعكس هذا التوجه اهتماماً بالتمويل فقط؟
- هذا التسابق لا شك يخفي خلفه حرصا كبيرا على اغتنام الربح الوفير من تقديم تلك المنتجات المالية، وعلى المساعدة على بقائها في حال وجود منافسة من بلدان أخرى. فلو قدمت المصرفية الإسلامية في بلد إسلامي مستقر سياسيا وفيه فرص استثمارية، فلا شك أن ذلك سيشكل تحديا لكثير من الدول الغربية التي تستقطب رساميل مالية ضخمة من مستثمرين مسلمين. ولا شك أن الوعي بالمصرفية الإسلامية يزداد مع الوقت، مما يشكل مجالا لتغيير قناعات كثير من المستثمرين المسلمين الذين كان بعضهم يتخوف منه لجدته ولعدم معرفتهم به. فهذا السباق يريد أن يغطي تلك المخاطر وغيرها.

إذا أقدم العالم على المصرفية الإسلامية بغرض الاستفادة من الفوائض المالية. هل يعني ذلك بداية لسيادة نظرية الاقتصاد الإسلامية كحل للأزمات العالمية؟
- لا أعتقد أن عاقلا يمكن أن يعتقد أن مجرد نقل أموالنا وإقراضها أو استثمارها بطريقة شرعية يعني سيادة لنظرية الاقتصاد الإسلامي. بل هو في الحقيقية يدل على فقر فكري مدقع، ليس للإسلام به أي صلة. السيادة الحقيقية هي أن ندل الناس على الخير الذي جاء به الإسلام في أبواب المعاملات كلها. فالإسلام لم يحرم الربا أو الغرر الفاحش أو الميسر والقمار أو النجش أو أكل أموال الناس بالباطل أو الغش أو تداول الديون وغيرها من المحرمات لمجرد الترف الفكري، أو لوضع آصار على الناس، أو لمزيد من الرهبانية. الإسلام إنما جاء بها لوضع النقاط واضحة على الحروف وليقول للناس كلهم مسلمهم وكافرهم إن تلك الأشياء حتى لو بدا للناس بعض الخير فيها أو بعض المصالح، فإن مآلها ضرر كبير على الاقتصاد والمعاش للناس. وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول: "يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما". فمجرد النفع لا يكفي في بناء المنتجات المالية الضخمة وتسويقها للناس. ولكن يجب أن ينظر للمفسدة الكلية والجزئية. وأعطي مثالا على ذلك، وهو من الواقع القريب في هذه الأزمة. لقد تبادر لأذهان كثير من الاقتصاديين والماليين أن المنتجات القائمة على الخيارات منتجات فيها نفع كبير لزيادة الكفاءة في السوق. والحق أنها منتجات مبنية على الميسر أو المقامرة، ومنفعتها للطرف المستفيد منها ظاهرة، ولكنها منفعة جزئية آنية محددة، وأما ضررها فهو ضرر كلي كبير طويل الأجل. والشاهد من الأزمة الحالية أن دخول الهندسة المالية وتسويق كثير من المنتجات المالية المبنية على القمار والميسر وسع الأزمة إلى مدى كبير جدا. ولذلك، وعطفا على ما ذكر في السؤال، فالعالم ككل بمؤسساته المالية يريد الإفادة من حكمة المنهج الرباني التي تدرأ عنه المخاطر دون أن يدخل في مغبة التجربة التي تأتي على الأخضر واليابس. وحين جاء الإسلام بمنهج وسط معتدل في الاعتراف بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، ولم يسرف في إعطائه كل الصلاحيات، ولكنه أيضا لم يأت بالحرية المطلقة لقوى السوق لتعصف بمدخرات الناس، فحين جاء الإسلام بها جاء بها ناصعة بيضاء نقية لا غبش فيها ولا تدليس. جاء بها ليقول للناس المؤمنين بها والمخالفين لها إنها هي السبيل الأفضل والأكثر نجاعة، وبمصطلحات الماليين والاقتصادين أكثر كفاءة أي: أكثر عائدا وأقل تكلفة. وهذه النقطة جوهرية جدا، ومبناها على الإيمان بأن ما جاء به الرسل هو الحق ولو لم تتبين لنا في كل وقت الحكمة منه. وقد قال الله سبحانه وتعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"، والمعنى المتبادر من هذا أن هناك أمورا في القرآن والسنة قد لا يظهر للشخص الحكمة من ورائها، ولكن الله تكفل بذلك في مستقبل حال البشرية بعد البعثة.

هل يعني ذلك أن الأزمة المالية أزمة قيم؟
- نعم، أزمة قيم وأخلاق مالية، وأزمة قيم وأخلاق شخصية، وأزمة أمانة وثقة، وأزمة شح وأثرة في النفس، وأزمة تقديم المصلحة الشخصية على العامة، وأزمة منهج بنكي ثابت فشله. خليط من الأزمات تجمع وتكتل منذ وقت طويل، ووجد بيئة للانفجار فانفجر. ولكن أصدقك القول: لو أن تلك الأخلاق الإسلامية المشار إليها هي المطبقة، لما كانت كافية للحيلولة دون وقوع تلك الأزمة إذا كان النظام البنكي القائم هو المطبق. إنه باختصار نظام يحقن الأزمات لتنفجر في وقت غير مناسب. ولكن الأخلاق والصدق والأمانة تخفف من وقعه لا أكثر.

طالما هناك أزمة أخلاقية في الغرب لماذا لا تستثمر السيولة المالية المتحققة في المصرفية الإسلامية في العالم الإسلامي لإنشاء جامعات وبراءات اختراع وتعليم وبنى تحتية؟
- من المعروف أن البنوك التجارية تمول المشاريع التي ترتضيها من ناحيتين مهمتين: الائتمانية والضمانات والرهونات التابعة لها ثم الطريقة الأولية والثانية للسداد. أما توجيه تلك التمويلات لقطاع محدد، سواء لقضية عامة أو خاصة، اقتصادية أو غيرها، فهذا مرده إلى الجهات الإشرافية والحكومة. ويبقى أن البنوك الإسلامية تضع الجواز الشرعي للمنتجات أحد المعايير المطلوبة. ولكنه شرط ضروري وليس كافيا للقيام بالمستلزمات الضرورية للتنمية. وفي النهاية، سيقول المستثمرون في البنوك التجارية الإسلامية وغيرها نحن لسنا مؤسسة خيرية، بل نسعى للربح. والحق أن دور كبار ملاك البنوك الإسلامية قد يكون أكبر في حال كونهم مقتنعين بالمصرفية الإسلامية نفسها والأسس الفلسفية القائمة عليها، والمعاني الكبرى للبركة في المال حين يوجه لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وتوجيه التمويلات الصغيرة للفقراء والمشاريع الصغيرة التي لا تجد ممولا بسهولة، ودفع الزكاة والحرص عليها، إلخ ...

بعض الخبراء يرى أن إشكالية المصرفية الإسلامية اليوم في غياب المؤشر الإسلامي الحقيقي، وغياب وكالة التصنيف الإسلامية، وغياب مرجعية شرعية موحدة.
- كل مجالات المعيشة في هذه الكون محاطة بمشكلات. والمشكلات التي تواجه المصرفية الإسلامية كثيرة جدا، وليست محصورة فيما ذكر. والذي يهمني من المشكلات حقيقة هو ما نملك حله نحن فقط، وليس غيرنا، وأعني به التفكير خارج الصندوق في النظام المالي والمصرفي والمنتجات الخاصة به. وأصدقك القول إننا نملك طاقات رهيبة في المجال البشري لم تفعل بدرجة كافية. ولعلي هنا أغتنم هذه الفرصة لأقول لك وللقارئ الكريم إن العالم بعد الأزمة المالية العاصفة التفت للحلول البديلة عن هيكلية العمل المصرفية والاستثمارية التقليدية القائمة ومنتجاتها، فلم يجد عند المسلمين شيئا كبيرا. أعتقد أن الهيكل الذي تقوم عليه البنوك التجارية لا يصلح, وثبت بالتجارب المريرة على مر أكثر من قرن عدم قدرته على الحصول على ما نريد من المؤسسات المالية. نحن والعالم بحاجة لمزيد من الدراسات في جانب البدائل للنظام المالي نفسه وليس فقط للمنتجات. وهناك طروحات بديلة ليست خاصة بالمسلمين، ولكن يحسن بالمسلمين أن يستكشفوها بناء على المعطيات الخاصة بالشريعة التي يحملونها. ولأعطي مثالا واحدا حتى تتضح الصورة: تقوم البنوك التجارية على ما يعرف بمبدأ الاحتياطي الجزئي، بحيث يكون للبنك أن يعمل بجزء ليس يسيرا من أموال المودعين، مع ضمان تلك الودائع لأنها قروض. وقد ثبت في المئة سنة الماضية أن ذلك النظام ذو خطورة عالية جدا، وأن العالم لا بد أن ينظر في بدائل. ولم تنفع الوسائل والإجراءات الاحترازية وحسابات المخاطر ولجان بازل ولا التأمين على الودائع في حماية البنوك. واقتصر في كثير من البلدان دور البنك المركزي على إدارة الصراع بعد الجراحات الكبيرة التي تحصل للبنوك التجارية على تقسيم تركة البنك المفلس على البنوك القوية الباقية!
#2#
هل تقصد أيضا أن هناك مشكلة في التأمين نفسه؟
- صناعة التأمين التجاري صناعة كبيرة ضخمة جدا، ولكنها قائمة على مبدأ خطير جدا، لا يحل المشكلة في الأزمات، وهو الوقت الذي نحتاج إليه فيه. ويكفي مثالا على ذلك ما حدث لأكبر شركتي تأمين في الولايات المتحدة الأمريكية وفي اليابان. وفي السنوات الثلاثين الماضية فشلت شركة التأمين على الودائع في أمريكا، وهي شركة تقوم على التأمين على الودائع الجارية والاستثمارية بحدود وضوابط معينة، فشلت في الوفاء بالالتزامات القائمة عليها مما استدعى دعمها بالمليارات من الدولارات أكثر من مرة. والحديث يطول عن التأمين، ولكني عرضته للتدليل على أننا معاشر المسلمين وخاصة المختصين في الاقتصاد والتمويل والتأمين لا بد أن نستكشف حلولا أخرى لفائدة البشرية ككل، وللمسلمين خصوصا. فإن عصر التقليد قد ولى، والعالم مع الأزمات تبين له عوار كثير من النظريات التي كان يطبقها ويسير عليها مدة كافية من الزمان أثبتت بطلانها. وهناك تجارب في التأمين يضيق المقام عن الحديث عنها لا تقوم على نظرية التأمين التجاري، لم يتح للمسلمين أن يستكشفوها، وهي مطبقة على نطاقات واسعة في العالم. ومن أهم مزاياها أنها لم تتأثر كثيرا من ناحية النموذج القائم، ولكنها قد تكون تأثرت في استثماراتها لأنها لا تخرج عن نطاق السوق والمنتجات الموجودة فيه كثيرا. وكم أتمنى، خاصة مع واقع شركات التأمين في العالم العربي والخليج، ومع العزوف الشعبي عنها على النطاق العريض لموقف العلماء منها، أن تولي بدائلها أولوية خاصة، لما فيه خير البلاد والعباد.

ما السبب في رأيك في عدم الإقدام على استكشاف الحلول سواء في أنظمة البنوك التجارية أو التأمين؟
- لا شك أن صاحب القرار دائما في حرج عظيم جدا من التغيير، خاصة إن كان في المجال تغيير كبير وجذري، والصناعات القائمة على النظام الحالي الموجود كبيرة وقائمة وهناك ملايين من الموظفين والاستثمارات القائمة. ولذلك لا ألقي اللوم على صاحب القرار السياسي أو المالي، ولكن اللوم يقع على المفكرين الذين يجب أن يكون من طبيعة علمهم وعملهم التفكير في تحسين واقع المجتمع بناء على معطيات الواقع والتغيرات التي تحصل فيه. واللوم الثاني يقع على مؤسسات المجتمع التنظيمية في عدم سماحها بقيام البدائل في السوق. ومن ذلك مثلا، ما نرى من حرص كثير من الدول قبل أكثر من 15 سنة على عدم السماح للبنوك الإسلامية، مع أنها طرح بديل يستحق النظر. فما بالك بمن يمنع التجربة اليوم؟ كذلك القول في التأمين. فمن لا يسمح بالتأمين التكافلي الحقيقي الآن قد يفوته القطار الاقتصادي والتطويري. ولذلك، نرى أن دول الخليج تتفاوت فيما بينها، كمثال، على التجاوب مع الجديد في مجالات التطوير المالي.

أنت عضو هيئة شرعية في أحد البنوك الإسلامية .. لماذا تقتصر أعمال الهيئات الشرعية على الرقابة الداخلية؟ وهل هناك رقابة دون استقلالية, وماذا عن الرقابة الخارجية من هيئة المحاسبة والمراقبة؟
- الحقيقة إن هذا السؤال مهم جدا بالنسبة للمصرفية الإسلامية عموما. فهناك فرق كبير بين الدورين الإفتائي والرقابي. والدور المهم والظاهر للهيئات الشرعية في أغلبية دول العالم والخليج كذلك هو الدور الإفتائي. ولكن المتوقع والمنتظر من الجماهير هو الرقابي. والحق يقال إن الدور الرقابي ضعيف جدا في أغلبية البنوك الإسلامية، وغير موجود في أغلبية البنوك التجارية الربوية التي تضع النوافذ الإسلامية. ولذلك، فقد قلت في جمع كبير من المشايخ وطلبة العلم العاملين في البنوك التجارية في لقاء قبل ثماني سنوات إن حاجة البنوك الإسلامية للرقابة أكثر من حاجتها للفتوى. والبنك قد يحصل على فتوى من عدة طرق ولكن لا يمكن مراقبة المنتجات المقدمة من البنك ومدى مطابقتها للضوابط الشرعية الموضوعة من الهيئة الشرعية إلا من جهة رقابة داخلية قوية، تتعلم من الهيئة الشرعية، وتضع ملحوظاتها للنقاش معها، وتشارك إلى حد ما في صناعة المنتج مع أمانة الهيئة، وتعرف بيئة العمل في البنك، وتتواصل مع موظفيه بالطرق المختلفة بحيث تتحقق بطرق مختلفة من صحة التدقيق والمراجعة. والحق يقال إن أمامنا وقت وطويل للوصول إلى تلك المرحلة. وأما المراجع الشرعي الخارجي المستقل فقد يصلح لجهة مالية أو مؤسسة مالية صغيرة لا تتحمل ميزانيتها توظيف العدد المناسب للقيام بالعمل فتقوم به عن طريق تلك المكاتب المتخصصة التي بدأت تنتشر في الخليج. وأصدقك القول إنها لبنة جيدة، ولكنها من وجهة نظري ليست كافية.

وما أهم الحلول لذلك من وجهة نظركم ؟
- هناك حلول تنبعث من داخل البنك، وأخرى من الجهات الخارجية له. والحق أن إيمان العاملين بالبنك وإخلاصهم للفكرة يعدل كل عمل خارجي. ولذلك أذكر باختصار شديد ما يمكن القيام به داخل البنك:
(1) - الإفصاح الكامل من الهيئة الشرعية عن عملها الرقابي إن كانت تقوم به، ونشر ذلك في التقرير السنوي للبنك. وهناك هيئات شرعية لا تقوم بذلك الدور أبدا، فمبدأ الإفصاح والشفافية والنصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك للجمهور. ويجب ألا تكون الهيئة الشرعية أكثر ملكية من الملك كما يقول المثل.
(2) - تدريب موظفي المراجعة الداخلية على الضوابط الشرعية في كل البنوك الإسلامية والتقليدية.
(3) - مطالبة دور المحاسبة الخارجية والمراجعين الخارجيين بالتقرير الرقابي الشرعي ومقارنة الضوابط الشرعية المعطاة من الهيئة الشرعية للبنك ومقارنة التطبيق مع التنظير.
(4) - تكثيف العمل الرقابي المشترك في البنك بين الجهات المختلفة وهي الرقابة الشرعية والمراجعة الداخلية وإدارة الالتزام والإدارة القانونية. ومن تجربة خاصة، أقول إن تكاتف عمل تلك الجهات في وضع الإطار العملي المبدئي للمنتجات قبل العرض على الهيئة الشرعية له أثر كبير في سيرها بعد التنفيذ دون مخالفات.
(5) - مطالبة كل الجهات المهمة في البنك (الرقابة الشرعية، القانونية، الائتمان، المخاطر، المراجعة، الالتزام) بالتوقيع على الضوابط العامة والشاملة للمنتجات بما فيها الضوابط الشرعية.

وفي خارج البنك؟
- الجهات التي في خارج البنك كثيرة، ولكن أهمها جهتان، وهما: البنك المركزي، فأرى أن يتدخل البنك المركزي في الرقابة الشرعية، حتى من البنوك المركزية التي لم "تعترف" بالكامل بالمصرفية الإسلامية. والثانية الجهات المحاسبية الرسمية فأرى أن تضع المعايير المحاسبية الخاصة بالمنتجات المصرفية الإسلامية بناء على تصور شرعي صحيح. أما قضية التدريب والتعليم والتخصصات العلمية في الجامعات فأمرها وأهميتها ظاهران.

الاختلافات الشرعية أضرت بسمعة المصرفية الإسلامية، ألا ترى أن كثيرا من الاختلافات سببها شخصي وهدفها إعلامي؟ ولماذا لا يتم الاختلاف داخل المؤسسة والاحتكام بالمحصلة للموقف النهائي؟
- الخلافات الفقهية ليست أمرا جديدا عند المسلمين. وهناك حالة من التطبيع يعيشها المسلم مع الخلافات بين العلماء ولست ممن يحب إثارتها. ولكن تبقى قضيتان مهمتان: الأولى هل الخلاف سائغ في كل المنتجات البنكية الموجودة. من واقع تجربة ومتابعة للعمل المصرفي والمنتجات المالية المقدمة, أعتقد - والله أعلم - أن هناك منتجات يجب ألا تبقى بل يجب أن يتوقف البنك عن تقديمها. وأنا مع المناصحة بين الهيئات الشرعية، وأن مصلحة الهيئات الشرعية والعمل المصرفي الإسلامي أن يقوم كل شخص بإبداء رأيه بحرية في كل مكان، إعلاميا أو غيرها. ولا أرى أبدا نشر فكر التساكت عن الخلافات الفقهية، بل هي حالة مَرَضية ضارة للمجتمع ككل. وكما قال الإمام مالك: "ما منا إلا راد، وكلنا مردود عليه، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم". وليس هذا خاصا بالجانب الديني، بل الجوانب الحياتية كلها السياسي والاجتماعي وغيره. ولك أن تتصور ماذا يحدث لو تساكت الأطباء مثلا عن الممارسات أو العلاجات الجديدة أو غير ذلك! وليس الدين أقل الجوانب التي يجب أن نهتم بها، بل هو في الصدارة، ولا بد من أن كل شخص مؤهل يبين الحق الذي يعرفه. والقضية الثانية هل عميل البنك مطالب بالتحري والسؤال ومعرفة الآراء الأخرى. اعتقد أن ذلك مطلوب خاصة مع ما ذكرت - حفظك الله - في السؤال. والمسلم مطالب بأن يسأل من يثق بدينه وعلمه وورعه وفهمه للمسألة التي يتعرض لها. ولا يكفي فقط النظر للفتاوى والتواقيع الدعائية مهما كانت الأسماء الموقعة عليها. وهناك مقارنة تقال دائما بين رغبة الشخص في الحصول على أفضل طبيب لعلاج مرض ما مما يجعله يسأل معارفه والمختصين، وقد يذهب لأكثر من طبيب، وفي المقابل ما يمكن أن يقوم به في حال رغبته في التمويل حيث يكتفي بعض العملاء بالظن أن ذلك البنك أو تلك المؤسسة لا تقدم إلا عمليات مجازة ومراقبة من قبل الهيئة الشرعية. بل يتصل بي بعضهم ويقول إن زميله قال له ذلك أو موظف البنك. والله سبحانه وتعالى عالم بالخفيات، وقد نهى السلف عن تتبع الرخص. ومن المعلوم أن الدين جاء بأصول مهمة منها البعد عن الشبهات. فالذي ينبغي أن يتحرى الشخص أكثر من المستوى الموجود الآن. وفي ذلك نفع لكل أحد، ولكنه بالنسبة لنا في الهيئات الشرعية يشكل لنا دعامة مهمة في معرفة ما يجري تطبيقه من البنك الذي قد لا يدلنا عليه إلا السؤال من العميل.
#3#
تقصد أن تواصل العملاء مع الهيئات الشرعية مفيد للرقابة الشرعية؟
- نعم بالضبط. وقد استفدت شخصيا من العملاء بدرجة كبيرة من ناحية الملاحظات الرقابية على بنك الراجحي حين كنت أعمل فيه وفي بنك البلاد كذلك. وليس هناك أي غضاضة في ذلك، بل أقول لهم ولكل عميل أعرفه: رحم الله رجلا أهدى لنا عيوب المنتجات التي نقدمها. وما يقوم به هؤلاء العملاء الأفاضل يخفف عنا العبء وهو تطبيق لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة". ومن هذا المنبر الكريم أدعو كل من لديه ملاحظة على منتجات البنوك أن يتواصل مع الهيئات الشرعية ففي ذلك مصالح مشتركة. وفي الوقت نفسه، أدعو طلبة العمل والمشايخ غير العاملين في القطاع المصرفي والمالي أن يبدوا آراءهم في المنتجات البنكية، وألا تكون حكرا على مجموعة قليلة. فالعاملون في القطاع الشرعي في البنوك والمؤسسات المالية محتاجون للمناصحة والتقويم، وهم سيكونون أكثر قوة مع إخوانهم في القطاعات العلمية في حال تكاتفهم وتناصحهم.

المصارف الإسلامية لا تزال في نظر الخبراء تقليدية في طبيعة أعمالها - أي أنها لا تمارس كافة الأنشطة التي تبناها الاقتصاد الإسلامي, فهي تبتعد مثلاً عن المشاركة وتفضل نظام القروض وغيرها، وهذا سيجعلها عاجزة عن المنافسة مع البنوك الأجنبية التي تأسلمت.
- هذا الموضوع له أبعاد كثيرة قد لا يكون من المناسب طرحها كاملة في هذه اللقاء العاجل. ولكن من وجهة نظري أعتقد أن الهيكل الذي يقوم عليه البنك التجاري أصلا ليس صالحا لتقديم كثير من المنتجات التي تبنى على المشاركة أو المضاربة أو الاستصناع أو غير ذلك من المنتجات ذات المخاطرة. البنك قائم على هيكل أو نظام يقوم على فكرة الإقراض والاقتراض. ولقد جاءت المصرفية الإسلامية عرَضَا، وليست أصالة. ومن البدهي أن نذكر القارئ أن هيكل البنك ونظامه الحديث بدأ في دول غير إسلامية أصلا، ولا تؤمن بحرمة الربا. ولذلك، نرى أنه كلما كان الطرح من المشايخ وطلبة العلم والحريصين على المصرفية الإسلامية أكثر عمقا في تتبع مبادئ الاقتصاد الإسلامي، كان وضوح عجز الهيكل القائمة عليه البنوك الآن أكثر. وليس من المفاجئ أن يقوم البنك المركزي التقليدي بمنع منتجات إسلامية تقوم على المضاربة أو المشاركة، أو أن تقوم إدارة المخاطر في البنك بمنعها، لأن الأنموذج البنكي قائم على العمل في ودائع الجمهور، وليس من الحكمة في شيء أبدا تعريضها للمخاطر. وليس من المستغرب كنتيجة لذلك أن يركز البنك الإسلامي على بيوع المرابحة وما اشتق منها من تراكيب، لأنها أقرب الصور للقرض الربوي من حيث المخاطر. وهذه النقطة هي أهم نقطة قصدتها حين تحدثت عن الإسهامات المتوقعة من الاقتصاديين المسلمين والبدائل التي يمكن أن تشكل حلا غير مسبوق في ذلك السياق. وكأن حال كثير من طلبة العلم والمحبين للمصرفية الإسلامية يقول: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لما ركزنا على المصارف، بل على الشركات والبنوك الاستثمارية. ولا يفهم من كلامي أن عمل الهيئات الشرعية والرقابة الشرعية على البنوك والنجاحات في المصرفية الإسلامية لا معنى له، بل هو واجب متعين على الكثيرين. ولكن الفكرة أنه لو أن تلك الجهود انصبت على أرضية خصبة لآتت أكلها أكثر مما نرى، ولما احتاج كثير من المفتين في الجوانب المصرفية إلى تجاوز بعض الضوابط الشرعية بسبب عدم مرونة الهيكل البنكي وتجاوبه مع المتطلبات الشرعية.

أسلمة المنتجات قد لا يساعد على الإبداع ويبقي هامشاً كبيراً للتبعية بدلاً من الاستقلالية.. ما دور البنوك في تعزيز هذه الاستقلالية, وكيف؟
- الأسلمة حسب السؤال قد تكون بوضع الضوابط الشرعية على البدائل للمنتجات التقليدية حتى تفي بمتطلبات المنتج التقليدي. وهذه فعلا قد تقود إلى قدر كبير من التبعية. ولكن قد تنطلق الأسلمة من فضاء البحث والتطوير، وهذا مجال خصب جدا. وبعض البنوك الإسلامية نحت هذا المنحى، مع ما فيه من التكاليف الكبيرة جدا، التي سرعان ما تتبدد بسبب نسخ المنتج في البنوك المنافسة. ومع ذلك، فقد سارت هذه البنوك في هذه المجال لعدم وجود البديل لذلك. فإن من المفروض أن يقوم على تطوير المنتجات جهات لا ربحية تتوخي الصدق في الوصول إلى البدائل الشرعية، وتحرص على استقصاء الفضاء العلمي المتاح. ومن هنا جاء إنشاء الهيئة العليا للاقتصاد والتمويل. ولعل القارئ الكريم يطلع على موقع الهيئة وإنجازاتها. وفي هذا الصدد، فإن من المفيد أن أشير إلى أني كنت من أكثر المشجعين للنوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية. ولكن ومن واقع التجربة فإن واقع النوافذ الإسلامية قد أضر بالتجربة المصرفية.

هل لك أن توضح أكثر؟ فهناك إشارات إلى الاهتمام من قبل البنوك المركزية وعدم هذا الاهتمام يؤثر في طبيعة أعمالكم .. كيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟
- من المسلم به أن البنوك التجارية تعمل في ظل نظام وقواعد وضوابط من البنك المركزي. وتأتي الضوابط الشرعية لتقلص من مجال البنك التجاري الإسلامي في بعض الجوانب. ومن هنا، وفي واقع الحال الآن، هناك بنوك مركزية لا تسمح بالبنوك التقليدية، مثل السودان، وهناك بنوك مركزية عندها نظامان لكل نوع، مثل الكويت واليمن والبحرين. وهناك بنوك تسمح بتقديم الخدمة المصرفية الإسلامية وليس عندها نظام محدد، مثل السعودية. ففي حالة الكويت مثلا، لا يسمح للبنك التجاري إلا أن يكون حسب أحد النظامين، ولا يجوز للبنك التقليدي أن يقدم منتجات إسلامية. وفي حال السعودية، سمح للبنوك التجارية بالتحول التدريجي. والحقيقة أن التحول التدريجي له محاسن ليست يسيرة، ولكن المشكلة حين لا يمكن مراقبة أداء البنك التقليدي. ولأكون أكثر صراحة، فإن بعض البنوك التقليدية تقدم منتجات تسمى إسلامية مبنية على تغطية خلفية محرمة. فمثلا، قد يقدم للعميل حساب تحوط مبني على المرابحة، والبنك في الحقيقة قد تحوط لنفسه بالخيارات المحرمة أو بعقود التحوط التقليدية. وهناك أمثلة أخرى على منتجات تقدم بتلك الازدواجية التي لا تظهر للعميل، ولا يظهر أن الهيئة الشرعية أصلا تجيزها.

"ستاندرد آند بورز" قالت إن الخلافات المذهبية وضعف تقنيات الصناعة ووجود متشابهات وغياب الشفافية وقواعد التيسير جميعها عوامل تضعف من قدرة المؤسسات الإسلامية على المنافسة.
- من المسلم به أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها. والمؤسسة المشار إليها مؤسسة مهمة ولها متابعات مهمة جدا، وكم تمنيت الاطلاع على هذه الدراسة المشار إليها. ولكني لست موافقا على النقاط كلها. فالخلافات المذهبية ووجود المتشابهات وقواعد التيسير مسائل شرعية سبق الإجابة عن جانب منها، ولكن لي تعليق على الشفافية. فمن المسلم به أن الشفافية مهمة جدا في جوانب كثيرة من الحياة وليس فقط في المصارف الإسلامية. ولكن للأمانة فهناك أنواع من الشفافية لا يمكن أن تتوقعها أصلا في شركة مساهمة، سواء كانت مصرفا أو غيره. وأكثر كلمة في وجهة نظري ظلمت باستخدامها هي الشفافية. فمثلا، يدعي كثير من الشركات الغربية الشفافية، وقد تبين لنا من الأزمة المالية مدى القدرات الخارقة لهم في إخفاء المعلومات التي كانت متوافرة لديهم عن وضع البنوك والمؤسسات المالية عن السندات المسمومة. ولو أن كل الجهات المستثمرة أفصحت عما لديها لكان أثر الأزمة أخف كثيرا مما حصل. والآن، وبعد مرور وقت طويل على الازمة يطالب الكثيرون بالشفافية. ولو توافرت لانحلت مشكلة التمويل المتوقف إجباريا لأن البنوك التجارية لم تتوافر لديها الشجاعة الكافية لتقديم القروض والتمويلات بسبب نقص الشفافية. والخلاصة، فالشفافية أمر مطلوب من كل أحد، ولكن هي أبعد أمر يتصور أن يقدمه من عنده مشكلة.

تريليونا دولار حجم المصرفية الإسلامية في عام 2010، وهناك 260 مصرفاً إسلامياً تزيد أصولها على 250 مليار دولار ولديها قاعدة أموال قدرها 15 مليار دولار .. هذا الكم من الأموال .. ألا يحتاج إلى مؤسسات للدراسات والتخطيط والتشريع؟
- لا شك ولا ريب أن تلك المؤسسات وتلك الأموال صناعة ضخمة تحتاج إلى بنية تحتية في الجوانب التنظيمية والتخطيطية والاستراتيجية والتعليمية والتدريبية وغيرها من الجوانب المهمة. وأول تلك الجوانب جانب البحث والتطوير، وقد أشرت إليه في إجابة سابقة.

رغم نجاح التجربة في ماليزيا لكن هناك غمز من مشايخنا حول الأساس الشرعي لهذا النجاح، حيث يقال إن بعض التعاملات مخالفة للمنهج الشرعي في منطقتنا ولهذا يجري تحريمها. متى سنصل إلى تفاهم مشترك؟ وهل التيسير والتشدد ليس له من حل؟
- سبقت الإجابة عن مسألة الخلافات الفقهية بين العلماء. وما تشير إليه - حفظك الله - هو موقف شرعي من مسألة المنتجات البنكية المبنية على العينة وعلى تداول الديون وتصكيكها. والحقيقة أن تلك المسائل مسائل بعضها فيه خلاف قديم بين العلماء وليس أمرا حديثا. والمشكلة مع البنوك التجارية والعمل المؤسسي عموما أن المنتج المبني على مسألة خلافية لا تستطيع أن تنمطه وأن تنشره على مستوى العالم. ومن البدهي أن المنتج البنكي الآن كمنتج الصكوك لا بد أن يصنف من وكالات التصنيف. وهذه الوكالات تقيم وتدرس المخاطر التي قد تنشأ من أو حول المنتج. ولو كان المنتج خلافيا، أو حدث تغيير في الفتوى بين المشايخ فيه، أو تبين أن فيه مفاسد لم تظهر، فمن المعروف أن الشيخ أو الجهة التي أفتت لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستبين رأيها. والحقيقة أن هذه خطورة على المنتج. ومن هنا جاءت الدعوات إلى توحيد الفتوى وإلى مأسسة العمل المصرفي، وإلى إيجاد قدر أكبر من التناغم بين الجهات الإشرافية والرقابية والتنظيمية والقضائية نحو تلك المنتجات. والعمل سائر بفضل الله بدرجة معقولة. ولكن وللحق، فإن ذلك ليس خاصا بمنتجات البنوك الإسلامية. فالقاضي النزيه الذي يسعى للمصلحة العامة قد يبطل عقدا أو منتجا أو يوقف ممارسة تجارية حتى لو كانت مطبقة منذ مئات السنين. وليس أمام القاضي ما يمنعه، على الأقل من الناحية النظرية، إلا أن ينظر للمصالح والمفاسد ويقرر بناء عليها. ولذلك، وكمثال، فحين بدأت الأزمة المالية في رمضان 1429، أوقف قاض في مدينة نيويورك عمليات البيع على المكشوف. ومن الواضح أن منطلقه لم يكن بسبب القضية الشرعية ولا عدم تنميط العمل، ولا لكونه لم يكن له جهة رقابية أو إشرافية، بل بسبب ما رأى هو من المفاسد الكبيرة على أسهم الشركات بسببه. ومع أنه لقي سيلا من التهم من الليبراليين الاقتصاديين الذي رأوا في عمله مخالفة صريحة لقواعد العمل الحر في السوق، إلا أنه لم يبال بذلك، وبقي المنع حتى تبين للقاضي أن تأثيره قد زال عن السوق.
#4#
طرح مهاتير محمد فكرة الدينار الذهبي التي تتكئ على القاعدة المالية الإسلامية التي يعتبرها البعض فضاء اقتصادياً وإسلامياً، هل تعتقد أن العالم الإسلامي مهيأ لتبني مثل هذه الفكرة, ولماذا لا يتم العمل بها بالتدريج؟
- قضية العملة عموما، وعملة بلد أو بلدان إسلامية مسألة شائكة جدا. وفي حال العملة الائتمانية وليست السلعية فأهم أساسات الانطلاق فيها أن تكون الدول المشاركة على قدر كبير جدا من التعاون والشفافية فيما بينها. ومن الشروط كذلك أن تكون قريبة من بعضها بعضا في نسبة التضخم، حتى لا تتضرر الدول الأفضل من الدول الأقل نضجا اقتصاديا. أما العملة السلعية فإن العمل بها ليس بالسهولة المتوقعة من الكثيرين. والسبب أنك بمجرد ما تطبق العملة السلعية (بغض النظر عن سلبياتها)، بمجرد ما تولد سوق للنقود الائتمانية المبنية عليها، لا بد من الشيكات والبطاقات الائتمانية والضمانات وخطابات الاعتماد المحلية والدولية. والقاعدة الاقتصادية تقول إن العملة الرديئة تطرد الجيدة. لكن ذلك لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي في مجال التعاون بين الدول العربية والإسلامية. وهناك آفاق رحبة في هذا المجال قد تكون العملة أحد أقل الموضوعات أهمية.

يطالب البعض بإيجاد سوق مالية إسلامية, ويرى الخبراء أن المشكلة في الإرادة أوأيضاً في عدم رغبة البنوك في دخول سوق موسعة وذات تنظيم كونها في الوضع الحالي تحقق أهدافها وأرباحها دون منافسة حادة.
- الحقيقة أن السوق المالية مهمة إن كانت ستنصاع للضوابط الشرعية. ولكن، هل يمكن قيام سوق تنضبط بتلك الضوابط. أعتقد أن الوقت مبكر جدا لذلك. ولكن هناك أسواق قريبة في الخليج قد تؤدي الغرض. ولا بد أن نعلم أن المنافسة من الدول الكبيرة التي توجد فيها الأسواق القديمة ستكون قوية لأن الأسواق تدر ربحا كبيرا على تلك الدول. وإن من المشكلات الكبيرة التي تواجه البنوك والمؤسسات المالية, إدارة السيولة عبر آلية المعادن. وكم أتمنى أن يتاح للبنوك الإسلامية طريقة بديلة، إما عبر صكوك شرعية وإما عن طريق تداول سلع محلية بطريقة منضبطة شرعا. والصكوك المنضبطة أفضل بكثير من التبادل في السلع الدولية. ولا أعتقد أن القضية السياسية عائق، ولكن السوق الدولية تحتاج إلى بنية تحتية قوية وتنظيمات قوية وشفافية عالية ورقابة صارمة. وهذه قد لا تتوافر في الدول النامية أو الآخذة في النمو بسهولة.

في الوقت الذي تزدهر فيه المصرفية الإسلامية نرى ثمة انحدارا قيميا وأخلاقيا في مجتمعاتنا، هل النجاح في المصرفية الإسلامية اقتصادي فقط؟ وأين هي المسؤولية الاجتماعية والتربوية؟ ولماذا تقتصر هذه المسؤولية على الجوانب الدعائية وليست الاستراتيجية؟
- هناك وعي متزايد بقيمة العمل المصرفي والمالي المنطلق من الضوابط الشرعية، وليس هذا خاصا بالمسلمين، فحتى مقدمي الخدمات غير المسلمين يعلمون أهمية ذلك للمستهلك المسلم. وهناك مسألة مشاهدة جدا في نطاق عريض من المسلمين، وهي أن الشخص قد يكون مقصرا في جانب أو جوانب من حياته الشخصية، ولكنه لا يتحمل أبدا إن يأكل حراما أو أن يطعم أهله أو أولاده حراما. والحقيقة أن تلك المسألة ليست غريبة، فيكفي أن الأكل الحرام لا يقبل من صاحبه دعاء ولا بركة فيه، وهناك سؤال عنه في القبر. وهذه القناعة الشخصية طيبة جدا، ويجب تفعيلها في الجوانب الأخرى من الجوانب الحياتية في العمل الحكومي والخاص وغيره. وهي مفتاح للانطلاق لتصحيح ما يمكن أن يعتري الشخص أو المجتمع من قصور في بعض الجوانب. ولكن بقية السؤال عن المسؤولية الاجتماعية التي تجب على البنوك والشركات، وهذا موضوع مهم، وقد أصبح من ضمن المؤشرات التي يجب على الشركات أن تهتم بها لأن التقييم الخاص بها في كثير من المجالات يتأثر بذلك.

حذرت بعض المؤتمرات العالمية من استخدام أموال الوقف الإسلامي في دعم موازنات الحكومات لأن ذلك يتعذر معه معرفة تحقق أغراض الوقف.
- لا شك أن مصارف الوقف محددة وليست مفتوحة لكل شيء، ولكن من المهم أن يتقرر أن حجم الوقف كلما كبر وكبرت غلته قلت حاجة الحكومة في المجالات التي يغطيها. فهل ستحتاج الحكومة للصرف على التعليم أو الصحة أو المساجد أو غيرها في حال وجد وقف يكفي؟ لا يعقل. ولذلك، أرجو أن يفهم أن الوقف مكمل للجهود التي تقوم بها الحكومة كقطاع عام. ولكن، قد يكون من المفيد مناقشة دعم ميزانيات الحكومة من الوقف، وليس عندي رأي محدد الآن، ولكني لست مع المانعين مباشرة، بل لا بد أن يفرق بين الحكومات والضمانات التي تعطى للوقف، وهل هو قرض مسترد أم دعم نهائي، وهل هناك طرق بديلة لتغطية العجز أم لا.

أخلاقيات العمل المالي الإسلامي (الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة بالبحرين، ومجلس الخدمات الإسلامية في ماليزيا) باتت من العوامل والضوابط الرئيسة لنجاح العمل المصرفي الإسلامي.. كيف تقيم عملياً تقيد المؤسسات المصرفية بهذه الأخلاقيات, خاصة أن هذا يتطلب معرفة علمية وشرعية للعاملين فيها؟
- لا شك أن الأخلاق عموما وخاصة في العمل المالي أساس رئيس لا نقاش في أهميته. ولكن هناك زاويتان للنظر: الأولى المصداقية والثقة والأمانة والصدق والشفافية، وهي مطلوبة شرعا، وكذلك من كل عامل في المجال المالي حتى لو كان كافرا. وتسعى البنوك التجارية والمؤسسات المالية العالمية إلى الحصول على عينات الموظفين الذي يتمتعون بتلك الصفات. والزاوية الثانية مجموعة من الأخلاق تتسم بأنها صفات خاصة بالمسلم، كالاحتساب في العمل وإرادة وجه الله تعالى، والبعد عن سفاسف الأمور، والفسق الظاهر، وغيرها من المعاني. ولا شك أن تلك الصفات إن وجدت في العامل في المؤسسة المالية فلا شك أنه نور على نور. ولا شك أن النوعين مهمان للمصرفية الإسلامية. وأما ما أشرت إليه من الخلفية الشرعية، فهذه مسألة تحتاج بناء على مدى طويل من الزمن. فمعرفة الموظف المالي بالضوابط الشرعية الخاصة بالمنتجات التي يقدمها، كل في تخصصه، هذه مسألة مهمة جدا. ومن أهم فوائدها أن يستطيع تعبد الله بتقديم ما يعتقد صحته شرعا، وأن يكون أحد المساهمين في تطوير المنتجات بالتواصل مع العلماء والرقابة الشرعية ثم يكون أداة تواصل مع العملاء للشرح والتسويق الصحيح. وكل ذلك يصب في مصلحة جودة المنتج المقدم والصناعة ككل.

محمد الشعار الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة دعا إلى تدريس إدارة الجشع في الجامعات وأيضاً قال إن النظام المالي الإسلامي لم يتم اختباره بعد .. ما رأيكم.
- أما تدريس مادة تعطي البعد الحقيقي للمساوئ المالية للجشع، والأمثلة العملية على خطورة ذلك المسلك خاصة حينما يكون توجها جماعيا فهو اقتراح وجيه. وقد لا يلزم تدريس مادة مستقلة، ولكن ضرب أمثلة حين طرح المواد الخاصة بالاستثمار والمخاطر المصاحبة للتوسع غير المحمود في التمويل وما إلى ذلك. أما ما ذكرت أنه قاله بخصوص أن النظام المالي الإسلامي لم يختبر, فأقول وهل عندنا نظام مالي إسلامي متكامل في واقع التطبيق حتى يختبر؟ إن جل ما نملك في التطبيق المؤسسي منتجات بنكية إسلامية تطبق على نطاق واسع، ولكن النظام المالي الإسلامي أوسع من هذا بكثير، فهو يشمل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والاستثمار وغير ذلك، كالأوقاف واقتصاديات الزكاة. فهل نستطيع القول إننا نملك منها نظاما متكاملا في الجانب التطبيقي؟ أعتقد أن الجواب بالنفي، بل لو زعمت أن كثيرا من المنطلقات الفكرية والتنظيرية لأغلبية هذه الجوانب لا توجد, لما كان في زعمي كثير مبالغة. ولذلك، يجب أ لا ننظر إلى النظام المالي الإسلامي من ثقب البنوك التجارية الإسلامية، فهو أكبر من هذا بكثير. وما فائدة نظام بنكي يعمل على آلية وهيكلية لا تراعي جوانب التوزيع العادلة التي جاء بها الإسلام؟ كذلك ما فائدة الشركات المساهمة إن كان السوق يعمل بطريقة عوجاء تصب الأموال في جيوب الحيتان على حساب الأسماك الصغيرة؟

الأكثر قراءة