تأرجح مؤشرات البورصات وتسارع حالات الإفلاس وضع يقلق الفقراء
يشهد الخبراء الاقتصاديون مؤشر داو جونز للمعدل الصناعي وهو يتأرجح بما يزيد على ثمانية آلاف نقطة، وكذلك مؤشرات انتعاش مبيعات تجارة التجزئة وانطلاقة المنازل، ويرون «براعم خضراء». وينظر قادة النقابات العمالية إلى البطالة العمالية وهي تقترب من نسبة 10 في المائة، وتسارع حالات الإفلاس، ومواجهة الطبقة المتوسطة للفقر، وبالتالي يرون صورة مغايرة تماماً تقريباً.
«إن تلك الإحصاءات الصعبة تكشف فقط عن مدى خطورة هذا الكساد بالنسبة لملايين العاملين، وعائلاتهم»، كما يقول جون سويني، رئيس الاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية AFL – CIO. «إن الأمر يؤثر في الصناعات الأساسية، وأصناف متعددة من الصناعات حول العالم».
وحتى أن جون مونكس، الأمين العالم للاتحاد الأوروبي لنقابات العمال يتمادى أكثر في الأمر. «إن الناس تتحدث عن البراعم الخضراء»، كما يقول، «ولكنني أرى أن الأمور ستزداد سوءا على مدار الأشهر الاثني عشر المقبلة. وهنالك عمل موسمي متوافر في هذا الصيف الآن، ولكن عندما يحل فصل الشتاء، فإن رياحه العاتية سوف تعصف. وأنا أرى المزيد من النشاطات العملية تعلن إفلاسها، وأعتقد أن الأمر سوف يصبح شائعاً، مع الاستثناء المحتمل لشركات الغذاء والدواء، لأن المستهلك بحاجة إليها. وأتوقع تخفيضات ضخمة في الإنفاق العام لأن هنالك ضغطاً على الحكومات للتخفيف من النفقات. ولا يمكنها أن تستمر في طباعة الأوراق النقدية للحفاظ على استمرار الاقتصاد».
ولكن الحكومة الأمريكية لا تزال تتحدث عن حزمة تحفيز ثانية، وهو أمر يدعمه سويني، مع التحفظات. «هنالك حاجة إلى وجود مسؤولية وشفافية واسعة»، كما يقول. «ولا يمكننا أن نقدّم الأموال للناس فحسب، دون وجود أية مسؤولية، ودون أي تعاون من جانبهم»، كما يواصل في تلميحه غير المباشر إلى منحة وزير الخزانة المالية الأمريكي السابق، هانك بولسون، الأولية بقيمة 350 مليار دولار للشركات المتعثرة مثل المجموعة الأمريكية للتأمين – AIG، تلك التي عملت مكافآتها اللاحقة للمديرين التنفيذيين لديها على إثارة دهشة الناس حول العالم بأكمله.
وتُعتبر صناعة السيارات الأمريكية صناعة حساسة بالنسبة لسويني، حيث إن أعضاءها أعادوا ملايين الدولارات التي أخذوها على شكل مكافآت، وتم العمل على الاقتطاع من رواتبهم. وبعد كل ما يُقال ويُفعل، فهل كان من المجدي فعلاً إنقاذ جنرال موتورز؟
«أعتقد أن جنرال موتورز هي لاعبة رئيسية، وكانت منتجة ناجحة للسيارات طوال سنوات عدة. وأية شركة تريد حماية الوظائف لديها تستحق أن يُؤخذ تقديم الدعم لها بعين الاعتبار».
ويريد سويني أن يرى تغييرات في الطريقة التي تُدار بها النشاطات العملية، بما فيها الإدارة «ولا بد من معالجة تعويضات الرؤساء التنفيذيين»، كما يقول. «وإذا كانت الشركات تتلقى أموال دافعي الضرائب من الحكومة، فلا بد أن تكون مسؤولة، وعليها أن تشارك في التضحيات التي يقوم بها الآخرون».
وعلى ما يبدو فإن مونكس أكثر قلقاً بشأن القطاع المالي، الذي يقول إنه بحاجة إلى المزيد من التشريعات والمراقبة. «أرى الكثير من التشريعات»، كما يقول. «لا مزيد من الصفقات المالية الخارجية، والخارجة عن الميزانية العمومية لتجنب الضرائب، ويمكنني أن أسمع «وول ستريت»، والحي المالي لمدينة لندن وهما يصرخان. وأحب أن أستمع إلى الضجيج. وهو أفضل بكثير من الرضا الذاتي الذي تسمعه يأتي من غرف مجالس الإدارة بمجرد أن تبدأ الأمور في الانتعاش، وهي تعتقد أن نشاطاتها العملية عادت كما كانت في السابق من جديد».
وإنهما يوجهان إصبع اللوم إلى القادة الماليين بأنهم هم الذين تسببوا في الأزمة في المقام الأول. ويلوم مونكس سياسة رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي السابق، ألان جرينسبان فيما يتعلق بالأموال الرخيصة. «وإن قطاع الخدمات المالية لديه الكثير ليقوم به»، كما يضيف. «إنهم تمادوا إلى حدٍ كبير في خدمة مصالحهم الذاتية».
وإن الأمر غير المفاجئ، هو أن سويني يلقي اللوم بكل حزم على إدارة بوش. «وقد بدأ الأمر مع الإدارة السابقة، وكانت جزءا من المشكلة. وقد أدى بنا عدد من العوامل إلى هذه الفوضى: تغييرات في التشريعات التي كان منصوصاً عليها بثبات منذ سنوات، حيث ساهم في هذا الأمر وضع البنوك والمؤسسات المالية. وإننا بحاجة الآن إلى أن نبدأ بالتركيز على حل الأزمة، وتجنب واحدة أخرى».
ويقول مونكس إن ذلك يعني تجنب الحمائية، وبخاصة بسبب تأثيرها الدراماتيكي على الفقراء أصلاً. «إن تأثيرها على العالم النامي (من الأزمة) مروع»، كما يشير مونكس. «على أوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية أن تتذكرا التأثيرات على الدول الأشد فقراً في العالم. ولا يمكننا أن نكون حمائيين في التجارة. وعلينا أن نحافظ على الأسواق التجارية مفتوحة أمام تلك الدول».
وهو يرى متتاليات صعبة على الطريق إلى الأمام. «إن الخروج من هذه الحالة سوف يستغرق فترة أطول مما يعتقد أغلبية الناس. وإن ذلك سوف يزيد الأمور صعوبة لأن المديونية سوف تزداد مع مرور الوقت. وإن كل ذلك الإنفاق الحكومي سوف يؤدي في أفضل أحواله إلى الوصول إلى نقطة التوازن. وإنها لن تولد نمواً؛ ولكنها سوف تعمل فقط على وقف مزيد من التراجع. نحن بحاجة إلى بعض التغيير في المستقبل، فمن الممكن أن أنفق أموالي على التعليم، وعلى إعادة تدريب قوة اليد العاملة».
«وإنني أؤيد إلى حدٍ كبير ما تقوم به حكومة أوباما»، كما يقول سويني. «تشريعات الأسواق المالية، والمزيد من المسؤولية، وذلك للتأكد من أن العمالة، والإدارة والعمل، الحكومة يعملون معاً يداً بيد. نحن لم ندفع في اتجاه الأزمة الاقتصادية»، كما يقول. «لقد كنا نحّذر النشاطات العملية، والحكومة، على مدار سنوات، من أننا كنا على حافة أزمة، ولكن لم يلتفت الكثيرون إلى ما نقول».
وهو يعتقد الآن أن صوت العمالة المنتظمة تعزز كنتيجة للكساد، وتخفيضات الوظائف الكاسحة. «إن العاملين يلمسون الحاجة إلى مساومة جماعية؛ إنهم يرون أنهم غير قادرين على حل مشكلات مكان العمل بأنفسهم، لذا، أعتقد حركة العمل ستشهد نمواً ضخماً». وإن هنالك طلباً معلّقاً حالياً في الكونجرس الأمريكي الذي يمكن أن يؤكد ذلك النمو: الموظفون وقانون حرية الاختيار، الذي من الممكن أن يمنع أصحاب العمل من فرض العقوبة على الموظفين الذين يصوتون للانضمام إلى نقابة. «بمعدل 25 ألف عامل سنوياً تم تسريحهم على مدار الأعوام العدة الماضية، لأنهم عبروا عن رغبتهم بالانضمام إلى نقابة. إن هذا خزي!».
ونظراً لكوني أتطلع إلى الأمام، فكل من قادة العمل يقولون «ليس مجدداً» للفائض المالي كما كان في الماضي. «إن التركيز الآن هو على كيفية النهوض من الأزمة»، كما يقول سويني. «إن العاملين المغطين باتفاقيات مساومة جماعية يواصلون المساومة، وأنا لا اعتقد أنهم يعتقدون أنهم قدّموا كل شيء حتى بقية حياتهم».
«على القطاع المالي أن يدرك أنه مرّ بتغيير جذري»، كما يقول مونكس. «أود أن أشهد بعض التواضع، والضبط الذاتي، الذي لا يكلفهم ثروة مرة أخرى. وعلينا أن نقول «لن يحدث هذا مجدداً في عالم الخدمات المالية». فمن الممكن أن يكون ذلك مملاً، ولكن نحن بحاجة إلى أن نجعل العالم المالي جديا ومتماسكاً، وليس ضارياً، ووحشياً مثل كازينو تتم إدارته بطريقة سيئة!».
جون مونكس، وجون سويني، كانا متحدثين في منتدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2009، الذي عقد في الآونة الأخيرة في باريس (من 23 إلى 24 يونيو). ومونكس وسويني يعملان في حركة العمل ما مجموعه تسعة عقود معاً.