مأسسة أعمال الهيئات الشرعية ضرورة ملحة للنهوض بالعمل المالي الإسلامي

مأسسة أعمال الهيئات الشرعية ضرورة ملحة للنهوض بالعمل المالي الإسلامي
مأسسة أعمال الهيئات الشرعية ضرورة ملحة للنهوض بالعمل المالي الإسلامي

الفكرة السائدة لدى غالبية الناس أن من اختار العمل في المجال الأكاديمي يظل بعيداً عن معطيات العمل المهني، ورغم أن هذه الفكرة صحيحة إلى حد بعيد إلا أن الشايجي استطاع أن يسير عكسها هو وعدد قليل معه مقتحماً عالم الأعمال من بوابة العمل الأكاديمي.
أسس الشايجي مكتب بيت المشورة للاستشارات الشرعية عام 2003 ليكون من أوائل الشركات التي تقدم خدمات الرقابة والتدقيق الشرعي ليس على مستوى الكويت وحسب بل على مستوى العالم أجمع. ساهم من خلال شركته في مأسسة أعمال هيئات الفتاوى والرقابة الشرعية وفي تأطير مهنة التدقيق الشرعي والعمل على وضع القواعد المقبولة قبولاً عاماً لها. ثم التقى مع مؤسسي شركة الراية الدولية التي كانت تعمل في نفس المجال وتلاقت الإرادات على تأسيس كيان واحد يجمع بين الشركتين فخرجت إلى العالم أكبر شركة استشارات مالية إسلامية ليس على مستوى الكويت وحسب بل على المستوى العالمي.
وحول موضوع مهنة الرقابة الشرعية والتدقيق الشرعي والصعوبات التي تواجهها وكيفية تعامل الشركات المالية التي تعمل وفقاً للشريعة معها، والتصورات المستقبلية للنهوض بهذه المهنة كان للمصرفية الإسلامية هذا الحوار مع الدكتور عبدالرزاق الشايجي صاحب فكرة تأسيس شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية ـ الكويت ورئيس مجلس إدارتها

ما الدور الذي تقوم به هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية؟

- الطابع الغالب على عمل الهيئات هو الفتوى، وهو أقرب ما يكون إلى الاستشارة الشرعية وليس الرقابة. وهذا في رأيي خلل جسيم إذ إن واقع الأمر أصبح بمثابة أن كل مؤسسة تقوم بالإفتاء لنفسها والرقابة على نفسها، إذ إن هذه الهيئات كما ذكرنا معينة من إدارة المؤسسة، وهذا أمر يتعارض مع أبسط قواعد الاستقلال سواء فيما يتعلق بالفتوى أو الرقابة. وعليه فإني أرى أنه يجب حصر دور الهيئات الشرعية في تقديم المشورة للمؤسسات المالية الإسلامية وهو ما يتناسب مع حقيقة أنهم غير مستقلين عن إدارة المؤسسة المالية الإسلامية، ويقوم بعملية الرقابة والتدقيق جهة خارجية على منوال مكاتب التدقيق المحاسبي.

هل هناك حاجة ماسة إلى تطوير عمل هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية؟

- هذا أمر لا شك فيه، فالنموذج السائد في معظم المؤسسات المالية الإسلامية هو تشكيل هيئة شرعية يتم ترشيحها وتحديد مكافآتها ونطاق عملها بواسطة إدارة المؤسسة، ومع أن أي عمل يحدده مسماه، فالهيئة الشرعية يطلق عليها في بعض الأحيان هيئة الفتوى والرقابة الشرعية، وأحيانا هيئة الرقابة الشرعية وهي في واقع الأمر لا تقوم بوظيفة الرقابة إلا جزئياً، فالرقابة لها أسس وقواعد علمية مستقرة منها الاستقلال ومنها التأهيل الكافي، ومنها بذل العناية المهنية الملائمة. وعلى هذا فإن الحاجة ملحة إلى تطوير عمل هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية وذلك من خلال الفصل بين عمل الفتوى وبين الرقابة على تنفيذ الفتوى أو التدقيق عليها.

هل هذا يعني أن التدقيق الشرعي بمثابة تدقيق خارجي على مدى الالتزام بالفتاوى؟

- في حقيقة الأمر، لا يمكن اعتبار ما هو سائد في السوق في الوقت الحالي من عمليات تدقيق شرعي على أنها تدقيق خارجي، بل هي أقرب لعمليات التدقيق الداخلي. ولتوضيح هذا الأمر أكثر، دعنا نتأمل عملية التدقيق الشرعي في بنك إسلامي ما، له هيئة شرعية معينة من قبل الجمعية العمومية وله فريق رقابة شرعية داخلية يدقق على مدى التزام عمليات البنك بالفتاوى الصادرة عن الهيئة. هنا تعتبر إدارة الرقابة الشرعية التي تتولى عملية التدقيق إدارة داخلية للبنك لعدة أسباب ومنها أن موظفيها يتقاضون الرواتب من البنك كما أنهم مدرجون ضمن كادر الموظفين ما يعني أن تبعيتهم الإدارية والمالية هي للبنك إلى حد بعيد، في حين أن المدقق الخارجي يتقاضى أجره على شكل مكافآت توافق عليها الجمعية العمومية للشركة، كما أن المدقق الخارجي يعتبر بمثابة جهة مستقلة إدارياً عن الشركة التي يدقق عليها وذلك تجنباً لتعارض المصالح.

وماذا عن التدقيق الشرعي الخارجي؟

- يفتقر سوق الاستشارات الشرعية إلى مثل هذه الخدمة بمفهومها الخارجي ولاسيما الاستقلالية الإدارية والمالية. وعليه فإننا ننظر إلى التدقيق الشرعي الخارجي على أنه تكليف من الجمعية العمومية للشركة للمدقق الخارجي بهدف تزويده لها بمعلومات عن مدى الالتزام الشرعي لعمليات الشركة وذلك وفقاً للمعايير الشرعية المتعارف عليها عالمياً مثل المعايير الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. ومن هنا فإن هذا النوع من التدقيق هو الذي يحاكي بشكل كبير التدقيق المحاسبي الخارجي الذي تتولاه المكاتب المحاسبية المنتشرة في البلاد ويظهر ختمها وتقريرها في التقرير السنوي للشركة.

ما هي العوائق الأساسية أمام التوسع باستخدام التدقيق الشرعي الخارجي؟

- في اقتصاديات الأسواق الحرة هناك حاجة ماسة ودائمة لفرض قوانين وأنظمة من شأنها تنظيم قطاعات الأعمال المختلفة، ولو تركت الشركات والمؤسسات من دون تشريعات وقوانين لما ألزمت نفسها ـ أي الشركات ـ بأي قانون قد يتعارض مع مصالحها، ولو أخذنا على سبيل المثال تعيين الشركات لمراقب حسابات خارجي فنجد أنه جاء أصلاً استجابة لقانون الشركات الكويتي الذي تنص المادة 161 منه على أن" يكون للشركة مراقب حسابات أو أكثر من المحاسبين القانونيين تعيّنه الجمعية العامة وتقّدر أتعابه ويناط به مراقبة حسابات السنة المالية التي عُيّن لها". وهذا القانون المعمول به دولياً أدى إلى وجود مهنة التدقيق المحاسبي الخارجي. وما نحن بحاجة إليه حتى نستطيع أن نطور مهنة التدقيق الشرعي الخارجي يتمثل في تكاتف الجهود من كافة الأطراف ذات العلاقة لاستصدار قانون يوجب تعيين مدقق شرعي خارجي للشركات التي ينص نظامها الأساسي على العمل وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية حتى وإن كانت تلك الشركات تمتلك جهاز رقابة شرعية داخلي يقوم بعمليات التدقيق الشرعي.

في الآونة الأخيرة ظهر تقرير لإحدى الشركات الاستشارية في دبي ينتقد فيه ضمناً تعدد عضوية العلماء الشرعيين في مؤسسات مالية مختلفة حتى أن أحدهم كان عضواً في أكثر من 35 مؤسسة فكيف تردون على مثل تلك الانتقادات؟

- من المعلوم أن الصناعة المالية الإسلامية صناعة فتية لم يتجاوز عمرها 4 عقود من الزمان، كما أنها شهدت نمواً مضطرداً ومتسارعاً خلال السنوات العشر الماضية ما أدى إلى إحداث فجوة بين عدد المؤسسات المالية الإسلامية المنتشرة في الأسواق وبين عدد العلماء الشرعيين المؤهلين للعمل في مجال الهيئات الشرعية فكان هذا هو السبب الرئيس لانتشار هذه الظاهرة التي يمكن تقبلها في ظل الوضع الراهن فقط.

وما السبل لحل مثل تلك الإشكالية؟

- هناك طرق كثيرة لحل تلك الإشكالية ومن أهمها ما يعرف بـ (مأسسة أعمال الهيئات الشرعية)، أي أن تقوم شركات بتقديم خدمات الهيئات الشرعية والرقابة الشرعية والتدقيق الشرعي الخارجي بدلاً من الاعتماد على الأفراد الذين لا نطعن في علمهم أبداً لكن نقول إن لكل إنسان طاقة يمكن أن يعمل بها. وطاقة الفرد ليست مثل طاقة المؤسسة التي يكون لديها كوادر مؤهلة وإدارات مساندة تقدم التسهيلات الإدارية والفنية والشرعية للهيئات الشرعية.
ومن الحلول أيضاً أن يكون هناك تخطيط استراتيجي طويل المدى يتم فيه تأهيل علماء شرعيين متخصصين بالعمل المالي الإسلامي لتقليل الفجوة الحاصلة بين العرض والطلب على مثل تلك الخدمات.

بعض المؤسسات المالية الإسلامية متهمه بأنها تتعامل بمعاملات تندرج ضمن الحيل الفقهية فهل هذا واقع قائم أم اتهام مجرد عن الدليل والبرهان؟

- ابتداء نقول إن هيئات الرقابة الشرعية بالتعاون مع المؤسسات المالية الإسلامية نجحت في تقديم العديد من الحلول المالية في حقل الصناعة المالية الإسلامية، لكن في خضم المنافسة وتحت ضغط الواقع قد تلجأ بعض المؤسسات المالية الإسلامية بعيداً عن هيئة الرقابة الشرعية فيها إلى التعامل بمعاملات تندرج ضمن الحيل الفقهية التي تعتمد على صورية المعاملة دون النتيجة والهدف المقصود منها مبررين ذلك أن الأخذ بالحيل هو البديل من الوقوع في الربا الصريح، فالحيلة تحتفظ بجزء من المشروعية ولو كان صورياً، أما الربا فهو فاقد للمشروعية تماماً.

ماذا عن نوعية الخدمات التي تقدمها شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية؟

- الخدمات التي تقدمها المشورة والراية على صعيد الصناعة المالية الإسلامية متعددة منها: القيام بأعباء هيئة الفتوى والرقابة الشرعية للشركات والصناديق، والتدقيق الشرعي، ودراسة النظم الأساسية، ونشرات الاكتتاب، وعقود التأسيس، ومنها إعداد الحلول عند التحول من النظام التقليدي إلى النظام الإسلامي، ومنها تحليل بنود الميزانيات شرعياً، واحتساب الزكاة وتطوير العقود وصياغتها، وتطهير أرباح المحافظ الاستثمارية، كذلك التدقيق الشرعي الخارجي، وتدريب الموارد البشرية، وتنظيم المؤتمرات والحلقات النقاشية الخاصة بالصناعة المالية الإسلامية. وكل ما نعتقد أنه يساعد على تطوير الاقتصاد الإسلامي من وسائل وبرامج، هذا بالإضافة إلى خدمات الدراسات والبحوث التي تمتاز بها الشركة.

كيف ترون تجاوب السوق مع تلك الخدمات؟

- بالنسبة للتجاوب مع خدمات الشركة فهو كبير جداً، حيث إنه بقدر تطور النظام المالي الإسلامي كانت الحاجة إلى مؤسسات محايدة تدقق وتشرع المعاملات بحيادية ومهنية متخصصة في إطار ما يعرف بـ (مأسسة أعمال هيئات الفتوى والرقابة الشرعية).

وما خططكم للتميز في تقديم الخدمة؟

- على رأس أولوياتنا أن نقوم وكطرف محايد على مراقبة تطبيق المعايير الشرعية لدى عملائنا، كما نشرف على تطهير الأرباح، واحتساب الزكاة، واستشارات عمليات التحول إلى النظام الإسلامي، والعمل على تطوير العنصر البشري في الشركات العاملة في الاقتصاد الإسلامي من عملائنا، وذلك بتنظيم الدورات التدريبية، كما أننا نقوم بالزيارات والتواصل المستمر معهم. ومن خدماتنا كذلك تنظيم المؤتمرات المتخصصة بالعمل الاقتصادي المالي، وبصفتنا الشركة الأكبر على المستوى العالمي في تقديم خدمات الاستشارات المالية الإسلامية فإننا نعمل بجد في مجال تطوير وهيكلة المنتجات المالية الإسلامية، هذا بالإضافة إلى إطلاقنا لخدمات التحكيم وفض النزاعات وفقاً لما يتناسب مع الطبيعة القانونية والشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية.
#2#
هل لديكم خطط للتوجه إلى الأسواق الخليجية والعربية؟

- انطلاقاً من قناعتنا بأن العالم قرية صغيرة فإننا نتطلع إلى التوسع والانتشار الجغرافي، ولكن بدراسة وتأنٍ كبيرين، حيث يلزم تواجدنا حينما نجد الفرص مواتية، خاصة في دول الإقليم. وبحمد الله فقد انتهينا من تأسيس فرع لنا في دولة قطر بالتعاون مع حلفاء استراتيجيين، كما أننا افتتحنا فرعاً في سوريا، واستحوذنا على مكتب استشارات شرعية في الأردن، ونقوم حالياً بالتعاون مع مكتب متخصص بالاستشارات المالية بإجراء دراسة جدوى حول فتح فرع لنا في المملكة العربية السعودية وآخر في مملكة البحرين، ويأتي توسعنا هذا انطلاقاً من حقيقة أن العالم يمر الآن بتحطيم الحدود الفاصلة بين بقاعه.

لاشك أن تقديم مثل هذه الخدمات يحتاج إلى إسناد متخصص في مجالات مختلفة، فهل لديكم تحالفات دولية تخدم هذا الغرض؟

- نحن أعضاء في العديد من الهيئات والمنظمات الدولية مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ـ البحرين، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ـ البحرين، والمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم التجاري ـ دبي، كما أننا نمثل أرقى الجامعات العلمية كالجامعة الأمريكية بلندن والأكاديميات المهنية كأكاديمية كامبردج للتدريب بالمملكة المتحدة وكلية كامبردج العالمية، وجاري التفاوض مع جهات أخرى كالمعهد الأمريكي للعقار والجامعة الأمريكية للجودة.

ما هي آخر الخدمات التي تسعون إلى طرحها في السوق؟

- بعد الأزمة المالية العالمية ظهر توجه سوقي ينادي بضرورة ضبط التوافق الشرعي للإطار الإفتائي للعمل المالي الإسلامي مع الجانب التطبيقي على مستوى الخدمات والمنتجات المالية الإسلامية. ولتلبية هذا الاحتياج وتغطية الفجوة نعمل في شركة المشورة والراية على إطلاق مشروع شهادات الجودة الشرعية التي تهدف إلى التحقق من آليات العمل الشرعي داخل المؤسسات المالية الإسلامية، وقد فرغنا تقريباً من إعداد معيار الجودة الشرعية ونحن في سبيل عقد تفاههمات مع عدد من المؤسسات الدولية من أجل العمل على تحقيق القبول العالمي العام للمعيار عن طريق منظمة المعايير الدولية (آيزو) ومركز الصناعة المالية الإسلامية (آيفك) في لندن.

الأكثر قراءة