أعصاب متوترة
> لا تزال التوقعات أكثر تفاؤلا بكثير منها قبل عامين. فقد انخفض مستوى العنف إلى مستواه في الأشهر القليلة التي أعقبت الغزو الأمريكي عام 2003. ومن المرجح أن يشارك الناخبون بأعداد كبيرة في الانتخابات العامة المقررة في السادس عشر من كانون الثاني (يناير). وحتى الآن، تم اختيار التحالفات الانتخابية الرئيسية من مختلف ألوان الطيف الطائفي. ولم يتحدد بعد ما إذا كانت العراق ستكون إسلامية أم فيدرالية أم مركزية في الطابع والدستور. ولكن يبدو أن معظم السياسيين صادقون في الإصرار على أنه سيتم تحديد ذلك من قبل البرلمان وليس بالقوة. والمتمردون ضعفاء جدا بحيث لا يستطيعون الإطاحة بالنظام الناشئ حديثا. فهم لا يسيطرون على مساحات كبيرة من العراق كما كانوا في السابق. وهناك بعض المناطق الخطرة، إلا أن القوات العراقية تستطيع الذهاب إلى أي مكان تريده تقريبا. ومع ذلك، لا يزال استمرار وجود 120 ألف جندي أمريكي يدعم الأمن، مع أنهم توقفوا عن تسيير دوريات في الشوارع في تموز (يوليو). إلا أن باراك أوباما طمأن الأسبوع الماضي رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، الذي كان يزور واشنطن، بأن جميع القوات الأمريكية المقاتلة ستغادر البلاد بحلول نهاية آب (أغسطس) المقبل وأن جميع القوات ستغادر بحلول نهاية عام 2011. إلا أن كثيرا من الضباط الأمريكيين يخشون ألا يدوم هذا الهدوء النسبي، خاصة مع تصاعد الحملة الانتخابية. وقد شن المتمردون، الذين يرتبط بعضهم بالقاعدة، بعض الهجمات الانتحارية الوحشية في الآونة الأخيرة. وقد يزيدون جهودهم مباشرة قبل وخلال وبعد الانتخابات. ويقول الجنرال Raymond Odierno، القائد العسكري الأمريكي الأعلى: ''لا شك أن القاعدة تحاول عرقلة نجاح الانتخابات. وهي تأمل، عن طريق شن الهجمات، تقويض ثقة الشعب بمؤسسات الحكومة في العراق''.
وقد يختار هؤلاء المتمردون تحالف دولة القانون بقيادة المالكي، الذي يدعي الفضل في تحسن الأمن في العراق. وإذا تمكن المتمردون من خلق الفتنة بين طوائف المسلمين، قد يتم استفزاز الشيعة والسنة بحيث يتخلون عن التحالفات غير الطائفية ويعودون إلى الولاءات الطائفية. وهناك سبب آخر للتوتر، وهو أن البرلمان العراقي لا يزال غير قادر على الاتفاق على قانون انتخابي جديد يسمح للناخبين بالاختيار من بين مرشحين فرديين بدلا من قوائم حزبية، خاصة بما أن الأكراد والعرب لا يستطيعون الاتفاق على كيفية إجراء الانتخابات في مدينة ومحافظة كركوك المتنازع عليها.
وعلى أية حال، لا شك أن مرحلة ما بعد الانتخابات ستكون خطرة. فمن غير المرجح أن يفوز أي من التحالفات المتنافسة بأغلبية مطلقة، لذا من المحتمل أن يتبع ذلك مساومات مطولة متوترة، قد تدوم ثلاثة أشهر. وعلى الرغم من وجود نظام مراقبة شامل تم إنشاؤه وتعيين موظفين أجانب وعراقيين فيه، إلا أن مزاعم الاحتيال ستزيد الأمور سوءا على الأرجح.
ويأمل الجنرال Odierno تسريع انسحاب الجنود حال انتهاء الانتخابات، حيث سيتم إرسال 70 ألف جندي إلى الوطن بحلول نهاية آب (أغسطس). فهل سيتمكن الجنود المتبقون، البالغ عددهم 50 ألفا من السيطرة على زمام الأمور إذا زادت حدة القتال أو اندلع بين الجماعات التي أقامت الآن سلاما هشا بين بعضها بعضا؟
والسلام أكثر هشاشة على طول ''خط الزناد'' الذي يمتد بين المناطق الكردية والمناطق العربية السنية في المنطقة الشمالية الشرقية. ويحاول المتمردون استفزاز كلا الجانبين. وقد زعم الجيش العراقي تحقيق بعض النجاح في احتوائهم في وحول الموصل، المدينة الأكثر دموية في الدولة. إلا أن الضرورة الملحة الآن هي التوفيق بين العرب والأكراد. ويحاول الأمريكيون بناء الثقة عن طريق تأسيس دوريات عسكرية عربية كردية على طول الحدود بين الجماعتين. إلا أن هذه المبادرة توقفت.
وتعتبر محافظة الأنبار، غرب بغداد، منطقة أخرى مثيرة للقلق. فهذه المدينة، التي كانت في السابق معقل المتمردين، هادئة نسبيا منذ العامين الماضيين. إلا أنها أصبحت أكثر دموية في الأسبوعين الماضيين. ففي السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر)، فجر المتمردون جسرا كبيرا على الطريق الرئيسي المؤدي إلى سورية والأردن.
وفي عام 2007، أقنع الأمريكيون القبائل السنية في الأنبار بتأسيس حركة للدفاع عن النفس تعرف باسم الصحوة وبالتحول ضد القاعدة. ويتساءل أحد كبار الضباط الأمريكيين بعصبية: ''هل ستصمد الصفقات التي عقدناها؟'' وحتى الآن، انضم 23 ألف عضو من حركة الصحوة إلى قوات الأمن العراقية، وتم استيعاب 15 ألفا آخرين في الخدمة المدنية. وهم لا يتلقون أجرهم دائما في الموعد المحدد، إلا أن هذا الترتيب صامد حتى الآن.
وبشكل عام، تتحسن قوات الأمن العراقية تحت الوصاية الأمريكية. ولكن من غير الواضح مدى إخلاص طبقة الضباط الجديدة في العراق في تعزيز المصالحة والديمقراطية. وقد أشار أحد الضباط الأمريكيين إلى أن ''الثقافة العسكرية للنموذج البعثي - السوفياتي تحت رئاسة صدام حسين لا تزال راسخة ولن تتغير' >