العودة إلى لوحة الدارات
> نظمت قمة ويب 2.0 لهذا العام، وهي مؤتمر تكنولوجي سنوي في سان فرانسيسكو، استقبال في فندق أنيق أطلق عليه ''الويب بعد الظلام''. وكان الاستقبال مليئا برجال الأعمال المتفائلين الذين يحضرون لخططهم الكبرى. ولاحظ المشاركون القدامى في المؤتمر التباين مع قمة العام السابق، التي قضاها كثير من المشاركين غارقين في أحزانهم حين كان الاقتصاد العالمي يغرق في الفوضى.
وهناك كثير من الدلائل الأخرى التي تشير إلى أن الظلام الذي خيم على صناعة تكنولوجيا المعلومات منذ عدة أشهر بدأ بالتلاشي. فقد أبلغت ثلاث شركات عملاقة في القطاع- IBM وإنتل وغوغل- في الآونة الأخيرة عن أرباح قوية بصورة مدهشة. وكان أداء ياهو! شركة الإنترنت الواقعة في اضطرابات، أقل سوءا من المتوقع. وفي الـ 19 من تشرين الأول (أكتوبر)، فاجأت شركة أبل حتى أكثر المستثمرين تفاؤلا حين نشرت أفضل نتائج ربعية لها على الإطلاق: بلغت الإيرادات 9.9 مليار دولار، أي أعلى بنسبة 24 في المائة عنها في الفترة نفسها قبل عام. وبدأت استثمارات رأس المال المغامر في أمريكا بالنمو مرة أخرى. ومن المتوقع أن ينعش ويندوز 7، نظام التشغيل الجديد الذي أطلقته مايكروسوفت في الـ 22 من تشرين الأول (أكتوبر)، الطلب على أجهزة الكمبيوتر الشخصية والمعدات ذات الصلة. وتعتقد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الانتعاش بدأ منذ فترة، خاصة في آسيا.
وكل هذه أخبار مرحب بها جدا. إلا أن موجة الأخبار الجيدة ساعدت أيضا على دعم فخر الصناعة بنفسها الذي تشتهر به. ويتوقع البعض أن تخرج تكنولوجيا المعلومات الاقتصاد من أزمته، حيث ستمنح الاستثمارات في التكنولوجيا دفعة سريعة للإنتاجية وإيجاد فرص العمل. ويقول Edward Yardeni، الاقتصادي المشهور بتفاؤله: ''سيكون هذا انتعاشا بقيادة التكنولوجيا''.
إلا أن حجم الدفعة التي قد تمنحها تكنولوجيا المعلومات موضع بعض الخلاف. وتتوقع شركتا Forrester وGartner، شركتا الأبحاث الرائدتان في هذه الصناعة، أن التباطؤ سيصل إلى أدنى مستوياته في الربع الحالي وأنه سيتم استئناف النمو العام المقبل. إلا أن الشركتين تختلفان حول شدة الركود في تكنولوجيا المعلومات، والأهم من ذلك حول سرعة خروج الصناعة من ركودها. وتعتقد شركة Forrester أن الانتعاش سيكون على شكل V، في حين أن Gartner تتصور انتعاشا على شكل L، بحيث تظل الإيرادات أقل من مستواها للعام الماضي حتى عام 2012 على أقرب تقدير.
وهناك أسباب وجيهة تدعو للتحفظ. فأولا، يخفي الحديث عن النمو السريع من حيث النسبة المئوية الأرقام المطلقة المنخفضة، بفضل عمق الانكماش الأخير. وإذا زادت استثمارات رأس المال المغامر في أمريكا بنسبة 17 في المائة في الربع الثالث، وفقا لـ National Venture Capital Association، فهذا يعود أساسا إلى كونها انخفضت إلى مستويات منخفضة تاريخيا. ويعقد الدولار المتقلب الصورة أيضا. فقد كان قوة العملة المتزايدة لمدة عام تقريبا تؤثر بصورة كبيرة في نتائج شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية عن طريق تخفيض قيمة الإيرادات الخارجية. أما الآن، فإن ضعفها المتزايد يجعل أرقامها تبدو أكثر قوة.
إضافة إلى ذلك، تعكس النتائج الممتازة في ''أبل'' و''جوجل''، وحتى ''إنتل''، الطلب المتزايد من المستهلكين. وقد استفادت ''أبل'' من الطفرة في الهواتف الذكية، واستفادت ''جوجل'' من المستخدمين الذين يضغطون على المزيد من وصلات الإعلانات، فيما استفادت ''إنتل'' من شعبية أجهزة كمبيوتر Notebook (الكمبيوتر المحمول الصغير)، التي تحتوي الكثير منها على رقاقاتها. إلا أن الشركات لا تزال تشكل الجزء الأكبر حتى الآن من الإنفاق على التكنولوجيا. وبالتالي، فإن شركة IBM، التي تقدم المجموعة الكاملة من خدمات تكنولوجيا المعلومات للشركات، من أجهزة الكمبيوتر القوية إلى الخدمات الاستشارية، وكيل أفضل بكثير لقوة صناعة تكنولوجيا المعلومات بشكل عام. وعلى الرغم من أن أرباحها كانت أفضل من المتوقع، إلا أن إيراداتها انخفضت بنسبة تقارب 7 في المائة في الربع الثالث مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.
علاوة على ذلك، من المرجح أكثر أن يكون الاقتصاد، المدعوم بأسعار الفائدة المنخفضة وبرامج الحوافز، هو الذي ينعش تكنولوجيا المعلومات، وليس العكس-حيث يرتبط بانتشارها المتزايد. فهي تشكل الآن أكثر من نصف استثمارات الشركات الأمريكية في المعدات. وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تشكل وفقا لتقديرات الأمانة العامة للمنظمة أكثر من 8 في المائة من القيمة المضافة ونحو 6 في المائة من العمالة. ويقول Sacha Wunsch-Vincent، الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: ''التوقعات في معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي حدوث انتعاش ضعيف وهش جدا، بالنسبة للاقتصاد بشكل عام وبالتالي بالنسبة لتكنولوجيا المعلومات''.
وحتى لو انتعشت استثمارات الشركات في تكنولوجيا المعلومات بشكل أسرع من المتوقع، قد يمر بعض الوقت قبل أن تبدأ التأثيرات بالظهور عبر الاقتصاد الأوسع. وفي كتاب جديد بعنوان ''الحماس للابتكار: الكيفية التي تعيد بها تكنولوجيا المعلومات تشكيل الاقتصاد''، يشيرErik Brynjolfsson من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وAdam Saunders من كلية Wharton إلى أن الأمر يستغرق عادة خمس إلى سبع سنوات لكي تنتج استثمارات تكنولوجيا المعلومات عائدات كبيرة، لأن الشركات تحتاج إلى هذه الفترة عادة لإحداث التغيرات التنظيمية اللازمة للاستفادة من التكنولوجيا الجديدة. والأكثر من ذلك، كما يشير Brynjolfsson، هو أن الركود شجع الشركات على تركيز استثماراتها في تكنولوجيا المعلومات على تعزيز إنتاجية القوى العاملة المتقلصة، الأمر الذي قد يعني أن البطالة ستظل مرتفعة كثيرا لبعض الوقت.
لذا يبدو أن الاحتفالات في سان فرانسيسكو سابقة لأوانها. إلا أن الركود أسهم أيضا في تسريع الاتجاهات التي قد تكون سببا في احتفال أكبر في وقت لاحق. فقد أسهم في تسريع تبني التكنولوجيات الواعدة الجديدة، مثل الحوسبة السحابية والمتنقلة. ولو لم تحدث الأزمة، ربما لم يكن المستهلكون سيسارعون إلى شراء أجهزة Notebook الرخيصة أو الهواتف الذكية. وبحثت الشركات الساعية إلى تخفيض استثماراتها عن البرمجيات التي يتم تقديمها كخدمة على الإنترنت. وكانت إحدى الشركات التي نمت بصورة منتظمة هذا العام هي Salesforce.com، أكبر مزودة لمثل هذه العروض.
وكانت هذه الاتجاهات مدفوعة أيضا بتحول مركز الجاذبية للصناعة إلى الأسواق الناشئة، التي يملك فيها المستهلكون أموالا أقل لإنفاقها على التكنولوجيا والتي تزيد فيها احتمالات أن تلجأ الشركات للاستعانة بمصادر خارجية لخدمات تكنولوجيا المعلومات. وقد شهدت دول مثل الصين والهند تزايد الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات بنسبة تصل إلى 30 في المائة سنويا في السنوات الأخيرة، وهي تشكل جزءا كبيرا من نمو الصناعة في الآونة الأخيرة. وبين الأعوام 2003 و2008، زادت حصة الدول النامية من الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات من 15 في المائة إلى 24 في المائة، وذلك وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتصنع الدول النامية أيضا أكثر من نصف الإلكترونيات في العالم. وتنتج الصين وحدها أكثر من الربع، مقارنة بنسبة 3 في المائة فقط عام 1995، وفقا لشركة Reed Electronics، وهي شركة أخرى متخصصة في أبحاث السوق.
أما بالنسبة للدول الغنية، فقد دفعت الأزمة الحكومات إلى تسريع الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات، والتي لم تكن لولا ذلك ستصبح أولوية لسنوات عديدة، كما يقول Wunsch-Vincent من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتشمل رزم الحوافز في معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مبالغ كبيرة لشبكات الطاقة الذكية، وتحويل السجلات الصحية إلى الصيغة الرقمية، واستخدام شبكات النطاق العريض. ويقول إنه من المفترض أن يعزز كل هذا الإنتاجية وفرص العمل في الوقت المناسب، شريطة أن ينفق السياسيون بحكمة - وهو احتمال بعيد >