غياب القوانين والتشريعات في تقييم مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات

غياب القوانين والتشريعات في تقييم مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات

ربما بسبب التكنولوجيا والاقتصاد العالمي، أو ربما بسبب البوح عن سلوك الشركات واحدة تلو الأخرى، تنهار الشركات، وتطلب مساعدة دافع الضريبة، وتنكشف وراء حقيقة موازناتها العمومية. وقد بدأ المواطن العادي، ورجل النشاطات العملية على حدٍ سواء، بإدراك أن المحرمات القديمة المحيطة بأساليب السلوك في عالم النشاطات العملية، لم تعد تصلح أكثر، أو ربما عملت بصورة غير فاعلة في أحسن ظروفها.
إن طريقة الحياة التي تجسدت وفقاً لجوردون جيكو في فيلم «وول ستريت» وتبنت دعوته الواضحة لـ «الجشع جيد»، ولّت.
ويوضّح إتش لانديس جابيل، أستاذ الاقتصاد والإدارة في إنسياد، أنه لطالما كان هنالك نموذجان للمسؤولية الاجتماعية، «واحد منهما حيث تتعامل فيه الشركة بصورة جيدة مع موظفيها، ويعد جيدا من قبل المجتمع، ويحرز كثيرا من الأرباح لأصحاب المصلحة الرئيسيين لديه – المساهمين. وكان ذلك من المفترض أن يسعد ميلتون فريدمان. وأما النموذج الثاني، فيوزع بموجبه الرئيس التنفيذي الموارد، وهي الثروة، على عدة أصحاب مصلحة، وعلى المساهمين الذين هم ليسوا سوى جزء من تلك المجموعة؛ وقد يكون الآخرون هم الموظفون، والمزودون، إلى آخره. لكنني لا أعرف أي رئيس تنفيذي يمكنه الوقوف في اجتماع سنوي، ويقول إنه يتسبب بتراجع قيمة شركته على ذلك النحو».
ولدى جابل نموذج ثالث: الإذعان التطوعي للمدونات الاجتماعية، واستخدام المجموعات المتطلعة اجتماعياً إلى تحقيق المسؤولية الاجتماعية للشركات – CSR. وليست هذه قوانين وتشريعات صارمة، لكنها قواعد سلوك. «وهو النوع الذي تعلمته في بيتك»، كما يقول.
«إن المسؤولية الاجتماعية للشركات تنتقل إلى منطقة حيث القوانين والتشريعات غير فاعلة، أو لا توجد أصلاً لمعالجة الظروف القائمة»، كما يقول جابل. «وبسبب العولمة، والعقدين الماضيين، أو مزيد من تخفيف التنظيمات، هنالك المزيد والمزيد من العلاقات المتداخلة بين الشركات والدول التي لا ترد ضمن المدونات القانونية القائمة». وإن ذلك يولّد وضعاً قوياً لمجموعات المصلحة المسؤولة اجتماعياً، والقادرة على تحفيز الشركات على اتخاذ الإجراءات السليمة، وفي الأغلب استخدام الاستغناء عن الأمر كسلاح، ولا يختلف ذلك عن «الهجر» المستخدم كأداة سلوكية في أمريكا المستعمرة وغيرها.
ويمكن أن توضّح المسؤولية الاجتماعية للشركات نقص تعدد الجنسيات، والاستغناء عن الأمر، على تعديل السلوك، كما يقول جابل. «وإن ذلك يطوّر الإذعان التطوعي للمدونات الاجتماعية الملموسة. وعلى سبيل المثال، ربما يتحتم على شركة متعددة الجنسيات مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية أن تضبط عملياتها التصنيعية على أرض أجنبية لأن الدولة المضيفة غير قادرة على القيام بذلك. وعندها من الممكن أن يكره المستهلك الشركة متعددة الجنسيات لأنها قامت بهذه الخطوة بتسليط الضوء على النقص الذي تعانيه الشركة. وعندها فإنه ما من شركة تود أن تكون وحدها في هذا الوضع، لكن إذا أجبر الجميع على ضبط التصنيع الأجنبي، عندها تكون ساحة اللعب متعادلة، وليس هنالك من أحد في وضع غير ملائم».
ويصبح المستهلك سعيداً، لأنه يعتقد أنه يحصل على ما يدفع ثمنه، الأمر الذي يعني أن الشركة قادرة على تحقيق الربح... وهو الأمر الذي يعود إلى جذور الرأسمالية في أمريكا، حسب آراء آدم سميث. «إنها ليست صدقة من الخباز، ولا اللحام، ولا صانع الشراب، أن لدينا وجبة العشاء، لكن لمصلحته الشخصية»، كما يقول جابل، مضيفاً أنه لا يشكك في الدور، أو الحاجة إلى المصلحة الشخصية في مجتمع الشركات، لكنه يتساءل أين مقاليد الحكم؟ «إن إيجاد نوع من الانسجام بين السعي إلى المصلحة الشخصية، ومطاردة الرفاهية الاجتماعية يعتمد على القيود المفروضة على المصلحة الشخصية». ويمكن أن تأتي القيود من أن المجتمع يمارس خياراته.
ويقول فيليب سانتوس، أستاذ مساعد في الأعمال الحرة في إنسياد، إن آدم سميث علم ذلك، وكتب عنه في كتابه «نظرية المشاعر الأخلاقية – Theory of Moral Sentiments»، كأستاذ في الفلسفة الأخلاقية. «يعتقد سميث أن أفضل القرارات تُتخذ بطريقة غير مركزية من قبل أشخاص، بدلاً من أن تُملى من قبل شخص واحد أو مجموعة مركزية»، كما يضيف سانتوس. «وبدلاً من الاعتماد على الحكومة لتوزيع وتخصيص الموارد، اعتقد سميث أنه كان من الأفضل ترك قوى السوق المنتشرة تتولى ذلك. والمشكلة اليوم ليست هي فلسفة آدم سميث، لكن الطريقة التي تم بها تطبيق بعض أفكاره من قبل مجتمع النشاط العملي على أنها عقيدة».
وهنالك قوانين، بالطبع، وتشريعات للإجبار على الإذعان. «عديد من القوانين المرهقة لنشاطات الأعمال»، كم يقول جابل. «وقد عملت الأزمة المالية على توضيح ذلك إلى حدٍ كبير. وهنالك توتر بين حاجتنا إلى مزيد من القوانين والتشريعات، وأننا ببساطة بحاجة إلى نوع مختلف من السلوك عن الذي اعتدنا عليه في المجموعات السابقة».
ويعترف جابل بأننا على الأرجح سوف نرى مزيدا من التشريعات خلال الأشهر المقبلة، رغم أن هذه وسيلة باهظة الثمن لفرض الإذعان. «إن القوانين والتشريعات القسرية هي وسيلة باهظة الثمن لضبط المصلحة الشخصية»، كما يقول. «وأفضل نموذج للمسؤولية الاجتماعية للشركات هو الذي يطور الإذعان التطوعي مع المدونات الاجتماعية الملموسة».

* أسهم إتش لانديس جابل، وفيليب سانتوس، في تأليف فصلين من كتاب «تعميم مسؤولية الشركات» (دار ويلي للنشر). ويدور موضوع فصل جابل حول «مسؤولية الشركات في الاقتصاد»، بينما يدور موضوع فيليب سانتوس حول «مسؤولية الشركات في المشاريع الحرة». ويتضمن الكتاب مجموعة من المقالات، ودراسات الحالات حول مجالات مختلفة من الإدارة، بهدف تطوير تعميم تعليم النشاطات العملية فيما يتعلق بمسؤولية الشركات.

الأكثر قراءة