استخدام استراتيجية لشبونة لمعالجة أزمة البطالة في أوروبا

استخدام استراتيجية لشبونة لمعالجة أزمة البطالة في أوروبا

هنالك حاجة إلى حلول جديدة وأفضل لمعالجة أزمة البطالة التي تزداد سوءاً في أوروبا، التي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثة أعوام، إلى 8.5 في المائة في كانون الثاني (يناير).
على أية حال، يجب أن تعمل استراتيجية لشبونة التي وضعها الاتحاد الأوروبي (والتي كانت تهدف إلى تحويل الاتحاد الأوروبي إلى اقتصاد ديناميكي يعتمد على المعرفة بحلول عام 2010)، ومبدأ «مرونة التعيين والفصل لأصحاب العمل», على تشكيل حجر الزاوية لمثل تلك الحلول، حسبما قال المتحدثون في قمة الأعمال الأوروبية التي انعقدت هذا العام. وتهدف استراتيجية لشبونة الخاصة بالاتحاد الأوروبي إلى تحسين التنافسية الاقتصادية الخاصة به، بينما يهدف مبدأ «مرونة التعيين والفصل لأصحاب العمل» إلى دعم التوازن الأمثل بين المرونة في سوق العمل، وتوفير الأمن لأصحاب العمل والموظفين.
ويقول فلاديمير سبيدلا، مفوض الاتحاد الأوروبي للتوظيف والشؤون الاجتماعية وتكافؤ الفرص: «إن كسب معركة الوظائف هو في حقيقة الأمر كسب الحرب ضد الأزمة الاقتصادية. ولكي نكسب هذه المعركة، علينا أن نعمل على ثلاثة مستويات - المحافظة على مستوى التوظيف، وتطوير المهارات، وتعزيز التضمين الاجتماعي».
ويعتقد سبيدلا أن على الاتحاد الأوروبي أن يلتزم باستراتيجية لشبونة، وأن يطبق مبدأ «مرونة الفصل والتعيين لأصحاب العمل» في شتى أرجاء بلدان الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 بلدا، وإعطاء الأولوية إلى الحماية الاجتماعية، والحراك الجغرافي، وخدمات العمالة العامة. ولتحقيق تلك الغايات، فإن حزمة التعافي الاقتصادي الخاصة بالاتحاد الأوروبي والبالغ قيمتها 400 مليار يورو (546 مليار دولار أمريكي) لعامي 2009 و2010 هي خطوة في الاتجاه الصحيح، حسبما يقول سبيدلا.

الوتيرة المشوهة للابتكار التكنولوجي
لكن ويل هوتون، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة العمل Work Foundation، يحذر من أن تسريع وتيرة التغييرات التكنولوجية يعني أن عوامل تمزيق الاقتصاد المشوه سوف «تصبح القاعدة».
أثناء حديثه إلى مجلة إنسياد نولدج INSEAD Knowledge، فإن هوتون، وهو صحافي سابق، وخريج كلية انسياد (شهادة الماجستير في إدارة الأعمال لعام 1978)، يشير إلى الظهور السريع «لتكنولوجيات الهدف العام» أثناء القرنين السابقين. إن تكنولوجيات الهدف العام – مثل العجلة، والسكك الحديدية، والإنترنت – ازدادت من كونها مجرد أربعة في القرن 19، إلى ثمانية في القرن 20. ويتوقع منظرو الابتكار حسبما يقول هوتون، ابتكار ما بين 12 و16 تكنولوجية هدف عام في هذا القرن. إن التأثير «المدمر» لتكنولوجيات الهدف العام، مثل ذلك التأثير الذي أحدثته الإنترنت على صناعة الإعلام، يعني أن معظم نماذج العمل في يومنا هذا لن تكون موجودة بأشكالها الحالية في غضون الأعوام الأربعين المقبلة.
يحذر هوتون أيضاً من عودة انبعاث الأحزاب السياسية المتطرفة وسط البطالة واسعة الانتشار الناتجة عن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، والتي تتفاقم بسبب تكنولوجيات الهدف العام.
إن الظروف الاقتصادية الكئيبة التي سادت في ثلاثينيات القرن الماضي، حسبما يشير هوتون، ساعدت على وصول النازية إلى السلطة في ألمانيا. ويضيف هوتون: «في غضون العقود الزمنية المقبلة، فإن صناعة تلو الأخرى سوف تعاني ذلك التغيير، وعلينا استنباط وسائل لحماية الناس العاديين خلال هذا التمزيق».

التكيف مع التغيير
يشير يورجن رونيست، مدير الشؤون الدولية في اتحاد أصحاب الأعمال الدنماركي، إلى أن «علينا الاعتراف بأن الصورة المعيارية للتوظيف بصفته توظيفاً مدى الحياة مع صاحب العمل ذاته ذهبت من غير رجعة بالنسبة لمعظمنا».
ولكي تحافظ على أنظمة الرفاه الاجتماعي الخاصة بها، ينبغي على بلدان الاتحاد الأوروبي أن تتكيف مع التحديات المنبثقة عن التغييرات التكنولوجية، وسط تغييرات من قطاعات التصنيع إلى صناعات الخدمات، والتغييرات الديمغرافية والمنافسة المتزايدة.
هناك حاجة أيضاً إلى «تغيير المواقف» إزاء التوظيف من جانب أصحاب العمل والموظفين، حسبما يقول رونيست، الذي يضيف أن التشريع يمكن أن يساعد على تخفيض العوائق أمام التغيير. لكن رونيست يعترف بأنه في الوقت الذي تقل فيه ساعات عمل الأشخاص، ومكافآتهم، ومسؤولياتهم، فإنه يجب تحسين حوافز التقاعد من أجل استبقاء الموظفين لفترة أطول في قوة العمل. وتشتمل الإصلاحات الضرورية الأخرى على التوظيف، «أنظمة إدارة مخاطر» جديدة اقتصادية وأخرى تتعلق بالعمل، حسبما يقول تون ويلثاجين، أستاذ القانون الاجتماعي والسياسات الاجتماعية في جامعة تيلبورغ.
ويعني ويلثاجين بذلك أن على أصحاب العمل قبول «مسؤولية الانتقال» لتطوير مهارات، وقدرات موظفيهم، من أجل تمكينهم على الانتقال إلى وظائف أخرى، حتى خارج الشركات التي يعملون فيها.
من جانبهم، على الموظفين أن يقبلوا عملية التحول من الأمن الوظيفي إلى أمن التوظيف، لأن «وظائف مدى الحياة» أصبحت عتيقة الطراز. ولذلك، على الموظفين تحمل مسؤولية أكبر لتحديث أنفسهم، حسبما يقول ويلثاجين.
ويجب على الحكومات، والشركات الخاصة، وخدمات التوظيف العام، والمؤسسات التعليمية، المساعدة على تعزيز، وتسهيل هذه «الاتفاقية الاجتماعية الجديدة»، حسبما يضيف.

الأفكار عتيقة الطراز تبقى ذات صلة
لكن بالنسبة لجون مونكس، السكرتير العام لاتحاد نقابات العمال الأوروبي، فإن حاجة الناس إلى الأمن الوظيفي ليست أمراً عتيق الطراز، لأنهم ربما لا يجدون وظائف جديدة بسهولة، حتى إذا قاموا بتحديث مهاراتهم.
ويعتقد مونك أن أفضل الشركات تعمل جاهدة للاستثمار في المواهب المخلصة لديها، وتثقيفها. وإن الابتعاد عن هذه «المزايا» التقليدية أسهم في إحداث الأزمة المالية العالمية الحاصلة في يومنا هذا، حسبما يقول مونك.
ويقول: «إن أفضل الشركات، إذا نظرت إلى القطاعات المختلفة، لديها كوادر من الأشخاص في المستويات كافة ممن هم أوفياء، وملتزمون، ولا يعملون فقط من أجل المكافأة، لكنهم يعملون لدى الشركة، وهم يشعرون بالفخر».
علاوة على ذلك، فإن التوظيف المرن يمكن ألا يكون عادلاً، أو فاعلا، على الصعيد المالي. ويقول مونك: «إن العدالة الأكبر تمثل محور نجاح مبدأ مرونة التعيين والفصل لأصحاب العمل. ولأن الأشخاص لا ينتقلون، ولن ينتقلوا بسهولة، وسوف يتقاتلون بشأن كل وظيفة يمكنهم القيام بها، إذا كانت عواقب عدم القيام بذلك هو أن تعاني انخفاضا كبيرا في مستوياتك المعيشية». وإن الضريبة على الخزينة العامة نتيجة مساعدة الأشخاص الانتقال من وظيفة إلى أخرى عالية للغاية أيضاً، كما شهدنا في الدنمرك . والأمر ليس سهلاً بالنسبة للأشخاص في منتصف العمر، لكي يتعلموا مهارات جديدة، حسبما يشير مونك.
ويضيف مونك: «إن الكلاب المسنة لا تتعلم الحيل الجديدة بسهولة. ويتطلب الأمر كثيرا من التعاطف، والتعليم الجيد للغاية، وما إلى ذلك، لتنفيذه».
لكن، لأن هناك سياسات أجور داعمة، فضلاً عن دعم الدخل بالنسبة للعمال في الدنمارك، فإن في البلاد أيضاً قدراً أقل من عدم المساواة الاجتماعية والمالية، مقارنة بالعديد من البلاد الأخرى، حسبما يقول مونك.

إعادة التفكير في الهياكل
الاجتماعية – الاقتصادية
في الأحوال كافة، بينت الأزمة المالية العالمية الحالية أن خصائص الرأسمالية، والهيكل الاجتماعي – الاقتصادي الحالي، يجب أن يتغيرا، حسبما يجادل بالقول هوتون من مؤسسة العمل.
ويقول هوتون: «أعتقد أننا نتحرك باتجاه ــ وعلينا أن نتحرك باتجاه ــ رأسمالية تقبلها الشركات بأن توليد الثروة في حقيقة الأمر لا يأتي من الهندسة المالية وتعظيم قيمة المساهم».
ويضيف: «لكن توليد الثروة يأتي من الابتكار، والاستجابة للزبائن، وإشراك الأشخاص الذين يعملون لديك».
ويجادل هوتون بالقول أيضاً إن أنظمة القروض العقارية والتقاعد التقليدية يجب إصلاحها بشكل شامل، وينبغي تطوير أنظمة أكثر تطوراً للتعلم مدى الحياة. وبالنظر إلى غياب أمن التوظيف في عالم اليوم، فإنه أمر «استثنائي» أن يتوجب على الأشخاص تحمل مخاطر القروض العقارية لمدة تزيد على 25 عاماً دون الحصول على تأمين على الملكية التي استثمروا بيوتهم فيها، طبقا لهوتون.
ويكشف هوتون أن أقساط القروض العقارية يجب أن تكون معتمدة على دخول أصحاب البيوت، ويعني هذا أن أقساط القروض العقارية يجب تعليقها أو تخفيضها إذا اضطر أصحاب البيوت إلى قبول التخفيض على الراتب، أو أصبحوا عاطلين عن العمل.
وعلاوة على ذلك، يجب أن يكون الأشخاص قادرين على ضمان دخولهم، وبالتالي مستويات المعيشة الخاصة بهم، حسبما يقول هوتون. وسوف يكون ذلك مفيداً للشركات والمستهلكين، حيث إنه سينتج عن ذلك مزيد من مستويات الطلب على البضائع والخدمات، ويساعد على دعم ثقة قطاع العمل بالقوة الشرائية للمستهلكين.
من أجل التأكد، فإن «اقتصاد المعرفة» سريع النمو سوف يلعب أيضاً دوراً رئيسياً في دفع الأنشطة الاقتصادية وإعادة تشكيلها. وبشكل خاص، فإن الصناعات التي تدخل فيها تكنولوجيات الهدف العام تشكل حالياً ما بين 40 و45 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي لمعظم بلدان الاتحاد الأوروبي. ويضيف هوتون أنه قبل 20 عاماً مضت، كانت تشكل نسبة 25 إلى 30 في المائة فقط.
في «اقتصاد المعرفة» هذا، حيث تستثمر الشركات بشكل متزايد في الأصول غير الملموسة مثل ملكية العلامة التجارية، ورأس المال البشري، والأبحاث والتطوير، فإن «قطاع التصنيع ــ الخدمات هو حيث يكمن المستقبل»، كما ذكر هوتون.
يضيف أنه في واقع الأمر، فإن بروز مثل هذا القطاع يحمل «تداعيات عميقة» من حيث المخاطر الاقتصادية، ومخاطر التوظيف في المستقبل. ويقول: «ما لم نقم فعلياً في أوروبا بتكييف أنظمتنا، فإنه يمكن أن تكون لدينا جيوب عميقة من البطالة، ويواجه الناس مخاطر عميقة».

الأكثر قراءة