كيف نستفيد من فرص مشاريع المدن الاقتصادية لندخل صناعة البناء

تزخر أنحاء الوطن بمشاريع عملاقة سواءَ الجامعات أو المدن الاقتصادية أو مشاريع الإسكان. وتضخ الدولة مليارات الريالات وهي مشاريع لرفعة الوطن والمواطن. ومحصلتها النهائية هي ما ستنتجه تلك المشاريع من فوائد مادية ومعنوية. ولكن الفرصة الحقيقة للفائدة هي خلال مرحلة البناء الذي يستغرق من سنتين إلى عشر سنوات وقد يمتد لأكثر من ذلك لو تمت جدولة مراحل التطوير. فمرحلة البناء لتلك المشاريع وتنفيذ البنية التحتية لها هي فرصة أكبر ليستفيد منها المواطن لو خططنا لها بطريقة تدريجية. وأن يتم إعطاء فرص للشركات الصغيرة بدلاَ من أن تكون حكرا على شركتين فقط. فتلك المشاريع توفر فرص عمل لا يستفيد منها المواطن مطلقاَ، إلا قلة من أصحاب أو ملاك بعض الشركات. ولكن بقية الميزانية أو قيمة المشاريع تذهب للعمالة في الهند والباكستان وبعض الدول العربية والإسلامية. وهي مبالغ خيالية تقدر بآلاف المليارات. بينما هي مفروض أن توفر فرص عمل وفرصا تجارية للتجار ومصانع مواد البناء وغيرها. تلك المشاريع يجب أن يخطط لها مسبقاَ وأن يتم التنسيق مع المؤسسة العامة للتدريب ووزارة العمل التي مفروض أنها تعلم عن مخزوننا من تخصصات المهن الوطنية ومدى احتياجاتنا للسنوات المقبلة بدلاَ من نصبح كلنا خدم افي المطاعم أو مستقبلا حمالين. وخاصة أن هذه لن تكون آخر مشاريعنا فنحن إن شاء الله مقبلون مستقبلاَ على مشاريع أهم وستستمر مسيرة التنمية والتطوير. لذلك فإننا يجب أن نستمر في صناعة كوادر مستقبلية في البناء والمقاولات وصناعاتها. وسنبقى نحتاج إلى عمالة وطنية للصيانة السنوية واليومية. لابد من خطة مجدولة تدريجياً لتدريب العمالة المحلية حسب احتياجاتنا المستقبلية بالتنسيق أيضا مع وزارة التخطيط وخططها الخمسية ومخرجاتها. وأن تصاحبها برامج توعوية وتدريبية لمواطنينا للمشاركة في البناء والعمل. وأن نمسح وصمة أن العمل عيب. وأن نرسخ مبدأ العمل وأننا لن نستطيع منافسة غيرنا إلا إذا عملنا. وأن العمل واجب اجتماعي وليس ترفاََ. فهي فرصة لتكوين كوادر فنية في صناعة البناء والمقاولات والهندسة والصناعة. إنها معضلة أن يفرح مواطنو معظم دول العالم عند تبني دولهم مثل تلك المشاريع لأنها تحل مشكلة البطالة لديهم، نجد أن من يفرح بمشاريعنا هي عمالة الدول الأخرى وكأننا نحل مشكلة البطالة لديهم.
إن الاهتمام الذي توليه الدول الأخرى لمثل تلك المشاريع على أرضها هو أنها تعتبر موظفا أساسيا وصانعا لفرص العمل لمواطني تلك الدول سواء لعمالة شركات المقاولات أو لمصانع مواد البناء. وعندما تدعم وتضخ الدول الرساميل لمشاريعها فإنها لا تحل مشكلة الحاجة فقط إلى ذلك المشروع فحسب وإنما ليستفيد مواطنوها واقتصادها بطريقة مزدوجة أو مضاعفة. فهم يحصلون ويضمنون وظائف في قطاعات المقاولات والهندسة والتأثيث وتجارة مواد البناء وغيرها. وبذلك يستفيد منها الاقتصاد الوطني. والمواطن بدوره سيدور هذه الأرباح لشراء متطلبات أخرى له ولأفراد عائلته سواء من الضروريات أو الكماليات. والتدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى وبذلك يحرك الاقتصاد الوطني. وبذلك تدور الأموال في وسط البلد أو بمعنى آخر يكون لها دورتها الاقتصادية الكاملة لمنفعة الاقتصاد الوطني.
بينما نحن في المملكة قد لا نستفيد من ذلك فنحن لم نستعد ولم ننم أو نشجع على تنمية مهنة المقاولات والعقار وتدريب وتأهيل أبنائنا للعمل والدخول في قطاع التشييد والبناء والإسكان سواء كعمالة مدربة أو شركات مقاولات أو الشركات المهنية الأخرى التي تدخل في قطاع الإسكان وبحيث تدور أموالنا بيننا بدلاَ من أن تتسرب إلى خارج الوطن . لقد أصبحت بعض الدول حولنا تعيش عمالتها علينا. وكان قرار حل مشكلة الإسكان لدينا بشرى خير لهم.
وتشير التقارير الدولية إلى أن تنفيذ ألف وحدة سكنية أو مكتبة متوسطة يوفر 2500 فرصة عمل، إضافة إلى ما توفره من فرص عمل لمؤسسات السمسرة والتأمين على الصكوك والمباني والمصارف والبنوك ودور التمويل. إضافة إلى المؤسسات والمهن والمقاولين الذين يستفيدون من الاستثمار العقاري بطريقة غير مباشرة مثل شركات التأثيث والأجهزة والأدوات الكهربائية والإلكترونية ونقل الأثاث والتنظيف ومنسقي الحدائق.
ويؤكدون أن الاستثمار في المشاريع الكبرى وبرامج الإسكان هو محرك للاقتصاد في جميع دول العالم الحديث, ويمثل عادة ما بين 10 و20 في المائة من الناتج الوطني GNP, كما أنه يزيد من فرص العمل للمواطنين. وقد تم إجراء دراسة في إحدى الولايات في أمريكا ووجد أنه من ضمن ثلاثة آلاف شركة عقارية تعمل في الولاية عام 2006 في مشاريع الإسكان، ساعدت على توفير 105 آلاف فرصة عمل أو ما يقارب 4 في المائة من مجموع العمالة في الولاية. ودفعت تلك الشركات أكثر من سبعة مليارات ريالاَ كمرتبات للعمال وأضافت 13 في المائة من الناتج المحلي للولاية.
إن الاستثمار في مشاريعنا الكبرى له أهميته كمحرك للاقتصاد المحلي عالمياَ. فهو يلعب دورا كبيرا في حماية الاقتصاد من الهبوط المفاجئ. ويعمل كوسادة يتكئ عليها الاقتصاد في الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد. كما أنه قطاع يقود اقتصاد الدول في حالات الركود الاقتصادي لأنه يأخذ وقتا أطول في الهبوط والارتفاع من سوق الأسهم.
وبعكس سوق الأسهم فإن دراسة لمركز دراسات الإسكان في جامعة هارفارد تشير إلى أنه مقابل كل ألف دولار ربحا للفرد في الاستثمار في البناء والعقار فإنه يؤدي إلى 150 دولاراَ ليدورها في قطاعات أخرى بينما الربح في سوق الأسهم نفسه يدور فقط حول 40 دولاراَ. كما أن تنفيذ المشاريع السكنية يحتاج إلى رساميل كبيرة لذلك فهو محرك ومؤشر رئيس لسعر الفائدة في البنوك. إضافة إلى أنه يقوم بنوع من تدوير الأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية ليطول منها الجميع مثل المكاتب الهندسية والمقاولين وتجار مواد البناء ودور النشر والصحف ومكاتب الإعلانات والتسويق وشركات الحاسوب والإنترنت وغيرها.. نحو 100 صناعة. ويساعد على إيجاد فرص العمل للمواطنين.
هذا الطرح الموجز قد لا يفي الموضوع حقه ولكن الدرس الذي نستفيده هو أننا أمام فرصة كبرى من خلال هذه المشاريع العملاقة لنستغلها. وأن نتعلم ممن سبقونا في تجربة تدريب وتشجيع أبنائها على الدخول في مجال المقاولات والبناء وصناعته وأخذ آخر ما وصلوا إليه وتسخيره ليناسب ظروفنا وإتاحة الشفافية وخلق بيئة قانونية وتقنية مبنية على الثروة الحقيقية وهي ثروة قاعدة المعلومات. وأهمية التعاون فيما بيننا وخلق روح العمل التطوعي الجماعي و الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص ورأب الصدع بينهما احتراماَ للمصلحة العامة. وإلى محاولة تنظيم قطاع المقاولات الحالي وبناء جيل جديد من الشركات، وأن نستمر في تطوير هذه المهنة وابتكار طرق أحدث للتوفير في البناء وتسويقه مع تسخير جزء من جهودنا للبحث والتطوير العلمي، وأن نعمل على التشجيع لصناعة البناء واستخدام مواد البناء المناسبة وقليلة التكلفة والمستدامة، والتكنولوجيا المناسبة لبناء المساكن قليلة التكلفة، ووضع آليات تكون في متناول المحتاجين، وأن نتعاون في هذه المجهودات مع المؤسسات المالية التابعة للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والوطنية والقطاع الخاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي