أرباح ضئيلة ورغبة معدومة
ربما يكون الأسوأ قد انتهى بالنسبة إلى الأسواق المالية الأمريكية، ولكنها لا تزال على غير طبيعتها. وأوضح Bill Dudley، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، المزاج السائد في خطاب حديث له بعنوان ''أفضل قليلا، ولكن بعيدا جدا عن الأفضل''. وفي دراسة استقصائية تم نشرها الأسبوع الماضي، قال أعضاء من الجمعية الوطنية لاقتصاد الأعمال إن الأسواق ستواصل النمو البطيء حتى منتصف عام 2010 على الأقل.
والسؤال المهم بالنسبة إلى كثيرين هو فيما إذا كان الافتقار إلى الائتمان يعوق انتعاش أمريكا الجديد؟ وفي إشارة إلى تحسن الظروف، انخفض استخدام تسهيلات السيولة الخاصة لمجلس الاحتياط الفيدرالي بصورة ملحوظة، وبدأ البنك المركزي تدريجيا بتقليل مشترياته من الأصول. وبدأت أسواق التوريق بالتحسن، حيث تقترب الأحجام من مستوياتها قبل الأزمة في مجال ديون بطاقات الائتمان وقروض السيارات - ولكن ليس في القروض العقارية، التي لا تزال تعتمد على الدعم الحكومي.
ولكن في الوقت نفسه، فإن المستوى الكلي للائتمان آخذ في الانخفاض. فقد اتسع نطاق الإقراض المصرفي في خضم الأزمة لأن الشركات كانت تستغل خطوط الائتمان المتفق عليها مسبقا. ولكنه انخفض منذ ذلك الحين بصورة حادة، من 7.14 تريليون دولار في أيار (مايو) إلى 6.78 تريليون دولار في أيلول (سبتمبر)، وتسارع هذا الانخفاض في الآونة الأخيرة.. هل يعود ذلك إلى الإحجام عن الإقراض أم الاقتراض؟
يعود في الواقع إلى كليهما, فمع تزايد خسائر القروض، تتردد البنوك في منح المال. وصحيح أن بعض البنوك الكبيرة استعادت مكانتها، الأمر الذي يعود أساسا إلى أسواق رأس المال القوية. وفي الرابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر)، أبلغ JPMorgan Chase عن أرباح بلغت 3.6 مليار دولار في الربع الثالث، ما ساعد مؤشر داو جونز الصناعي على الارتفاع فوق 10.000 نقطة للمرة الأولى منذ عام. وكان من المقرر أن تبلغ بنوك أخرى، بما فيها مجموعة Citigroup التي لا تزال ضعيفة، عن أرباحها بعد إرسال ''الإيكونوميست'' إلى النشر. إلا أن البنوك الصغيرة على وجه الخصوص تخشى من الخسائر في قروض العقارات التجارية والبناء، التي تعتقد شركة CLSA للسمسرة أنها معرضة لها بواقع 1.5 تريليون دولار.
وأظهر أحدث مسح لمجلس الاحتياط الفيدرالي الذي شمل مسؤولي القروض، في تموز (يوليو)، أنهم لا يزالون يتشددون في معايير الضمانات في جميع المجالات. ولدى البنوك مستويات قياسية من الاحتياطات في مجلس الاحتياط الفيدرالي. وترغب حتى البنوك التي في حالة جيدة في الانتظار بسبب عدم اليقين فيما يتعلق بمتطلبات رأس المال وقواعد المحاسبة للأصول خارج الميزانية.
إلا أن الشركات أيضا تقدم عددا أقل من القروض، حيث تفكر مرتين قبل التوظيف أو الاستثمار في المعدات, وانخفض الطلب على القروض ''التجارية والصناعية'' في كل ربع منذ منتصف 2006، وفقا لمسح مسؤولي القروض.
وهناك انخفاض متزامن مماثل واضح في العرض والطلب في الائتمان الاستهلاكي, فقد انخفض مجموع الالتزامات المستحقة بمعدل سنوي بلغ 5.8 في المائة في آب (أغسطس)، أي انخفاض للشهر السابع على التوالي - وكان يمكن أن يكون الانخفاض أشد حدة لولا المبيعات الناتجة عن برنامج منح المال مقابل السيارات القديمة. وانسحب المقرضون على وجه الخصوص من ''الائتمان المتجدد''، مثل بطاقات الائتمان، المجال الذي يملكون فيه مرونة أكبر للتخفيض. وفي العامين الماضيين، تم تخفيض خطوط بطاقات الائتمان بواقع 1.25 تريليون دولار، وستختفي 1.5 تريليون دولار أخرى بحلول نهاية 2010، وفقا لتقديرات المحللة Meredith Whitney.
إلا أن المقترضين ينسحبون أيضا, فقد بدأت العائلات المنهكة بزيادة الادخار في محاولة للتكيف مع صدمة انخفاض صافي مواردها بواقع 11 تريليون دولار. ولا بد من إصلاح الميزانيات إلا أن آثار ذلك ستكون مؤلمة. ويعد الطلب الضعيف من المستهلكين، الذين يشكل إنفاقهم ثلثي الناتج، أحد أقوى الرياح المعاكسة التي تواجه الاقتصاد. وبما أن ديون الأسر لا تزال تبلغ 129 في المائة من الدخل المتاح، قد يستمر تخفيض الديون لبعض الوقت, فأي نسبة أعلى من 100 في المائة تعد غير مستدامة عموما.
ومع ذلك، قد تكون بعض أجزاء الاقتصاد عالقة في أزمة ائتمانية حقيقية. خذ مثلا تمويل الشركات, فالشركات العامة الكبيرة تستطيع الحصول بسهولة تقريبا على القروض والأسهم مرة أخرى. وسيكون هناك كثير من إصدار سندات الشركات هذا العام. ويقول Charles Himmelberg من Goldman Sachs: ''يمكن للشركات الحاصلة على الدرجة الاستثمارية الحصول على أكبر قدر ممكن''.
ولكن لا يمكن سوى لربع الشركات الأمريكية المدرجة في البورصة الاستفادة من أسواق السندات. وتحت تلك الشركات، هناك مجموعة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي توظف مجتمعة نحو نصف العمال الأمريكيين, والتي تعتمد بصورة كبيرة على البنوك. وتقول Whitney إن أصحاب الشركات الصغيرة - التي تستخدم بكثرة بطاقات الائتمان وخطوط قيمة المنازل - يواجهون أزمة ائتمان حادة بسبب انتزاع هذه الدعائم منها. وأصبح من الأصعب الحصول على قروض من أي وقت مضى منذ أوائل الثمانينيات. وتشير المسوحات إلى أنها ستصبح أكثر ندرة.
ولا يساعد كون إحدى أكبر الشركات المقرضة للشركات الصغيرة في أمريكا، وهي CIT، قد انهارت تقريبا. ويبدو أن الشركة تنزلق نحو الإفلاس، وقد قال رئيسها، Jeff Peek، في الثالث عشر من تشرين الأول (أكتوبر) إنه سيستقيل في نهاية العام. ولا يمكن أيضا للشركات الصغيرة الاعتماد على المساعدة من دافعي الضرائب, فخلال العام حتى أيلول (سبتمبر) كانت 9.3 مليار دولار من القروض مضمونة من قبل إدارة الشركات الصغيرة، وهي هيئة حكومية.
ولا يعتقد الجميع أن الائتمان مقيد إلى درجة كبيرة, فالشركات الصغيرة لا تعوقها قلة القروض بقدر ما يعوقها نقص عدد الزبائن، كما يقول Bill Dunkelberg، كبير الاقتصاديين في الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة، وهي مجموعة تجارية. وفي أحدث مسح لمجموعة الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة لأعضائه، الذي أجري في أيلول (سبتمبر) قالت نسبة 4 في المائة فقط إن التمويل هو أكبر مشكلاتهم، مقارنة بنسبة 32 في المائة ذكروا ضعف المبيعات. ومع انتشار عدم اليقين على نطاق واسع، انخفضت خطط الإنفاق الرأسمالي إلى أدنى مستوياتها منذ 35 عاما. ويقول Dunkelberg: ''الوحيدون الذين يحاولون الحصول على قروض هم أولئك الذين يكافحون للبقاء في مجال الأعمال، وليس أولئك الذين يسعون إلى تنمية أعمالهم''.
وقد يكون محقا, ولكن حين يبدو الانتعاش مؤكدا، سترغب الشركات في الاقتراض لتعزيز مخزوناتها وشراء معدات جديدة. ويعتقد Dunkelberg أن البنوك ستكون على استعداد لمساعدتها. إلا أن هناك أشخاصا آخرين لا يعتقدون ذلك. وبما أنه من غير المرجح أن تصل خسائر القروض إلى ذروتها إلا عام 2010، وبما أنه من المحتمل أن تستمر البنوك في الفشل حتى عام 2011 على الأقل، قد تكون أزمة الائتمان الحقيقية لم تحدث بعد >