البنك الدولي: مليار شخص يذهبون إلى النوم وهم جائعون
على الرغم من أن زعماء العالم يتحدثون عن مؤشرات على ظهور براعم خضراء اقتصادية، إلا أنه ما زال من المبكر القول ما إذا كانت الأزمة الاقتصادية العالمية قد اقتربت من الوصول إلى نقطة الحضيض أو حتى ما إذا كان التراجع الاقتصادي أخذ يتباطأ. هذا ما يقوله شيجيو كاتسو، نائب الرئيس لأوروبا وآسيا الوسطى في البنك الدولي.
ومع ارتفاع معدلات البطالة وسط حالة الفوضى الاقتصادية، يحذر كاتسو من إمكانية اندلاع أزمة إنسانية، وبخاصة في الدول النامية الفقيرة التي ليس لديها وسيلة الوقاية الاقتصادية التي لدى البلدان المتقدمة.
وهكذا، بينما تواجه آلاف الأسر الأمريكية خطر فقدان منازلها بسبب عمليات مصادرة المنازل، يجد ما بين 55 و 100 مليون شخص تقريباً في البلدان النامية أنفسهم مدفوعين إلى الفقر المدقع في هذا العام وحده.
ويوضح كاتسو في مقابلة مع مجلة إنسياد نوليج أجراها سوميترا دوتا، عميد العلاقات الخارجية في كلية إنسياد، في منتدى اقتصاد المعرفة الأول (الذي عقد أخيرا برعاية البنك الدولي في جامعة إنسياد في أوروبا في فاونتينبلو): «نعتقد أن هناك احتمالاً في أن نواجه وضعاً سيجد فيه أكثر من مليار شخص أنفسهم يذهبون إلى النوم وهم جائعون. وهذه هي أزمات إنسانية حقيقية».
وبسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، سيكون من الصعب الآن تحقيق الأهداف التنموية التي حددتها الأمم المتحدة للألفية.» ومن بين هذه الأهداف خفض معدلات الفقر إلى النصف،وإرسال جميع الأطفال إلى المدارس بحلول عام 2015، وتحسين العناية بالأطفال وصحة الأمهات، وتمكين الناس من الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، والتغلب على الأمراض المعدية كالإيدز والملاريا.
ويقول كاتسو الذي يساعد في الاشراف على المساعدات التنموية المقدمة لبلدان في أوروبا وآسيا الوسطى, بأن معظم البلدان النامية في هاتين المنطقتين قد لحقت بها أضرار كبيرة جراء الفوضى الاقتصادية العالمية.
إن هذه البلدان التي نجحت في الانتقال من الاقتصادات المركزية إلى اقتصادات حرية السوق في 20 عاماً فقط،» نمت بسرعة كبيرة» في أعقاب سقوط جدار برلين عام 1989، وذلك بفضل الاندماج مع السوق العالمية وبفضل الاندماج المالي مع الأسواق الأوروبية ولكنها أصبحت ضعيفة جداً في مواجهة الهزات الخارجية بسبب اعتمادها الكبير على أسواق المال العالمية، وتدني مستوى مدخراتها المحلية نسبياً.
«من أجل دعم هذا النمو السريع ومحاولة زيادة مستويات الإنفاق، كان ذلك يتم في معظم الحالات من خلال النظام المصرفي».
«ورغم ذلك، فإن ذلك النظام المصرفي نفسه هو الذي توقف كلية. وعليه، نعم، لقد كانت بلداننا هي الأكثر والأسرع تضرراً من بين الأسواق الناشئة»، كما قال كاتسو في إشارة إلى بلدان أوروبا الوسطى ومنطقة البلطيق، وجنوب شرق أوروبا ومجموعة الدول المستقلة.
ويشير كاتسو أيضاً إلى أن النمو الاقتصادي في الربع الأخير من عام 2008 في هذه البلدان « سقط عن صخرة» في حين تراجع انتاجها الصناعي بنسبة 15 إلى 30 في المائة.
يقول كاتسو: «إننا نواجه إحصائيات اقتصادية كئيبة للغاية، ولكننا بدأنا أيضاً نرى كل هذه الآثار على صعيد البطالة،وبدأت أرقام أخرى بالظهور، ولذلك فإن بلداننا تواجه ضغطاً بالتأكيد».
ولدى سؤاله إن كانت هناك مفارقة في الحديث عن محاسن العولمة بالنسبة للبلدان النامية، خاصة وأن جزءاً من الأزمة الاقتصادية العالمية نجم عن الاندماج والتكامل المالي العالمي، يقول كاتسو إن السياسات الانعزالية في عالم اليوم المعولم لن تساعد». اعتقد أن الرسالة الخطأ والدرس الخطأ اللذين يمكن تعلمهما (من الأزمة) هو أن تدير ظهرك للعولمة.
«وفي اعتقادي أن رفاه أهل بلدك يعتمد حقيقة على مواصلة الاندماج والتكامل. ولكن عليك أن تفعل ذلك بذكاء وعليك أن توجد البنية التحتية المؤسسية للقيام بذلك. وهذا يعني وجود مؤسسات أفضل، ومؤسسات تؤمن بنظام السوق مع إيجاد إطار للاشراف التنظيمي وهلم جراً».
وفي واقع الأمر، فإن الدرس الرئيسي المستفاد من الأزمة العالمية الراهنية هو أنه ثبت أن المؤسسات المالية والتنظيمية الكبرى لم تكن قوية جداً. وفي هذه الحال، ينبغي أن يكون هناك تركيز أكبر على تطوير المؤسسات وليس على تغيير أسواق المال فقط، كما يقول كاتسو.
ولكن في ضوء العيوب التي تعانيها المؤسسات حتى في البلدان المتقدمة، كيف ينبغي أن تقوم البلدان النامية ببناء بنيتها التحتية المؤسسية؟
في جوابه على هذا السؤال، يشير كاتسو إلى أن بعض أساسيات ما يشكل الإدارة الاقتصادية والمالية الجيدة هي أمور لا تزول مع الأيام، وأن التعلم يمكن وينبغي أن يحدث على جميع المستويات. وإلى جانب التعلم من الغرب، ينبغي على البلدان النامية أن تتعلم من جميع البلدان، إذا أخذنا في الحسبان أن هناك ابداعاً أيضاً في الأسواق الناشئة، كما يقول كاتسو.
وزيادة على ذلك، سيعلب الابتكار دوراً أكبر وأكثر أهمية في مساعدة الاقتصادات على الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، يقول كاتسو. ولذلك، ينبغي على البلدان أن تستفيد من الركود الاقتصادي الحالي وأن تستخدم الابتكار لكي تعد نفسها لفترة التعافي بعد الأزمة.
ويقول كاتسو في هذا الصدد: «إن الابتكار جزء لا يتجزأ من هذه الممارسة لأن السوق العالمية ستستمر ويتعين على البلدان أن تستمر في التنافس، والذي سيخرج من هذه الأزمة قوياً قدر الإمكان، وبخاصة مع وجود الريادة الجيدة للمشاريع وأنظمة الابتكار الجيدة، سيكون أكثر قدرة على المنافسة».
ومن جانبه، يتبع البنك الدولي نهجاً متعدد الجوانب لمساعدة البلدان المحتاجة على الخروج من الأزمة الراهنة، كما يقول كاتسو. وتشتمل هذه التدابير على التعهد بزيادة القروض التي يقدمها للاقتصادات الناشئة إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وزيادة دعمه المالي للبلدان الفقيرة، والعمل مع المؤسسة الدولية للتمويل التي تعد جزءاً من مجموعة البنك الدولي، لتوفير التمويل لمشاريع البنية التحتية والحماية الاجتماعية والبحوث الزراعية.